وجهة نظر في السينما و الحركة الأمازيغية بقلم محمد زروال يطرح الحديث عن الحركة الأمازيغية الكثير من اللبس عند بعض المهتمين بالقضية الأمازيغية حيث تختلط الأمور عليهم عندما يتحدث البعض عن الحركة الثقافية الأمازيغية والبعض الآخر عن الحركة الأمازيغية. فإذا كانت الأولى تعني التيار الطلابي الذي يدافع عن الأمازيغية في أبعادها الشمولية، بما فيها تلك المتعلقة بتبني الفكر العلماني والديمقراطي الحداثي، من داخل الجامعة المغربية، فإن الثانية تتعلق بالجمعيات المدنية الثقافية والحقوقية والفنية، التي تشتغل خارج الأسوار الجامعية، وتضع ضمن أولوياتها كل ما يرتبط بالأمازيغية لغة وثقافة وحضارة. ما نقصده في هذا المقال عند الحديث عن الحركة الأمازيغية يتعلق بالصنفين معا رغم صعوبة التمييز بينهما على أرض الواقع، لأن الطلبة الأمازيغ هم الذين يشكلون أغلبية منخرطي وكوادر الجمعيات الأمازيغية، كما أن الحركة الطلابية الأمازيغية لا يمكن أن تنخرط في أنشطتها بدون اللجوء إلى المناضلين الأمازيغ خارج الجامعة. ما يهمنا في هذا المقال هو الحديث عن علاقة الحركة الأمازيغية بالفن السابع، و ما نقصده هنا عند الحديث عن السينما لا يتعلق بالضرورة بتلك الأفلام التي تتوفر فيها شروط الفيلم السينمائي على مستوى الكتابة، أو طريقة إخراج وتوزيع الفيلم، وما يرتبط بالوسائل التقنية المستعملة في عملية التصوير، وإنما نستعملها هنا بشكل إجرائي للتعبير عن كل الإنتاجات الفيلمية سواء تلك المتعلقة بالأفلام السينمائية والتلفزيونية التي تتوفر فيها الشروط الفنية والتقنية والجمالية فعلا، أو تلك التي تدخل في إطار أفلام الهواة، والتي يتم تصويرها بالوسائل التقنية البسيطة. باعتباره من الفنون التي أصبحت لها مكانتها في النضال الثقافي ليس في المغرب فقط، ولكن هذا يحدث في باقي دول المعمور، يهمنا أيضا أن نقف عند فرصة الاشتغال التي توفرها السينما للحركة الأمازيغية باعتبارها وسيلة ناجعة في نقل الخطاب بشكل سلس ومرن، قد يتجاوز في بعض الأحيان تلك الوسائل التقليدية التي يتم الاعتماد عليها منذ سنوات. اعتمدت الحركة الأمازيغية في خطابها منذ التأسيس على الكثير من القنوات لإيصال رسائلها سواء إلى الأمازيغ أنفسهم أو إلى غيرهم من الأفراد والجماعات التي تجهل الواقع الدوني الذي تعيشه ثقافة وهوية، وهكذا نجد العديد من الباحثين قدموا خدمات جليلة لهذه القضية من خلال دراساتهم اللسانية كالمختطف بوجمعة هباز، والتاريخية كالفقيد أزايكو وفي تخصصات علمية وإنسانية أخرى، كما يتم الاعتماد حاليا على الأنترنت من خلال تأسيس مواقع إلكترونية ينشر فيها كل ما يتعلق بالأمازيغية، أو صفحات أمازيغية في موقع الفايسبوك، وفرت الكثير من الوقت لتحقيق التواصل بين المناضلين الأمازيغ على الصعيد الوطني والشمال إفريقي والعالمي كذلك. تم الاعتماد على مختلف الفنون بدورها كقنوات لتمرير الخطاب الأمازيغي مثل كل الحركات الاحتجاجية في العالم ، وقد وعت جمعية البحث والتبادل الثقافي هذه المسألة مبكرا عندما أسست مجموعة "أسمان"، التي كانت إلى جانب مجموعتي "إزنزارن" و"ناس الغيوان" في سبعينيات القرن الماضي، كما أنها انفتحت على السينما مع تجربة فيلمية للصافي مومن، لكنها أغلقت ذلك الباب في ما بعد، ناضل الكثير من الأمازيغ بالاعتماد على لغة التشكيل ونذكر هنا الفنان التشكيلي محند السعيدي الذي سخر كل إمكانياته لخدمة القضية الأمازيغية عن حب واقتناع فريدين من نوعهما، نفس الشيء قام به عدد غير يسير من المناضلين في الجنوب الشرقي وشمال المغرب وجنوبه ، بتأسيسهم لفرق غنائية تعتمد على الآلات الموسيقية الغربية، وللتاريخ فإن الأغنية الأمازيغية بالجنوب الشرقي ساهمت بقوة في انخراط عدد كبير من الطلبة في صفوف الحركة الثقافية الأمازيغية، خاصة ما غنته مجموعة "صاغرو باند"، ولن ننسى في هذا الباب الفرق المسرحية الأمازيغية التي عرفت في الآونة الأخيرة نهضة تستحق من الباحثين المتخصصين دراسات تنصف مساراتها. من بين الفنون التي تأخرت الحركة الأمازيغية في الاعتماد عليها عن غير قصد كآلية لاشتغال الخطاب الأمازيغي نذكر السينما لأسباب نذكر منها : - أولا، انتشار التصورات العقيمة حول السينما في صفوف الطلبة و الكثير من المحسوبين على النخبة المثقفة في العقدين الأخيرين لأن الشباب انتقلت اهتماماته إلى مجالات أخرى مغرية مثل كرة القدم وألعاب الفيديو ، حيث يمكن ملاحظة التحول الذي وقع في سلوك الشباب المغربي إذ انتقلنا من شراء التذكرة لمشاهدة الفيلم السينمائي إلى شرائها لمشاهدة النقل المباشر لمباراة في كرة القدم. النسبة الهامة من الشباب اليوم أصبح منشغلا بمنتجات الغرب الرأسمالي ولم تعد الثقافة والسياسة ضمن أولويات حياتهم، وما يقال عن السينما باعتبارها فعلا ثقافيا نجده مطروحا في إشكاليات ممارسة الشباب للسياسة بالمغرب ، كما أن الأندية السينمائية لم تعد تلعب دورها حيث انتهى ذلك الزمان الذي تتحول فيه العروض السينمائية إلى أرضيات للمناقشة الفكرية بين عشاق السينما من مهنيين و منخرطين و متعاطفين. - ثانيا، تهميش الدولة لهذا القطاع من خلال التقليل من وسائل دعمه أو دعم أعمال ذات توجهات موالية تخدم مصالح المهيمن سياسيا وثقافيا ، و عدم الاهتمام بمسألة التكوين في كل القطاعات المرتبطة بهذا القطاع ، كما أنها غيبت في فترات سابقة كل ما له علاقة بالسينما داخل المؤسسات التعليمية والجامعات وعيا منها بأهمية هذا الفن في نشر الوعي الثقافي وتنمية ملكتي الذوق والنقد الفنيين والتفكير العقلاني لدى التلاميذ والطلبة ولازالت الثقافة السينمائية اهتمامات المسؤولين عن قطاع التربية والتكوين بالمؤسسات التعليمية بالمغرب مع تسجيلنا لنوع من بداية الإدماج على مستوى التعليم الجامعي. - ثالثا انتشار نوع من السينما المبنية على الحركة والإثارة ذات التوجه التجاري المحض في القنوات الفضائية خاصة الأفلام الأمريكية والهندية ، و إقبال الشباب عليها في اعتقاد منهم أنها تمثل السينما بشكل عام خاصة بعد انتشار الوسائل الرقمية الجديدة. - رابعا ظهور القرصنة وتطور تقنيات الاتصال حيث أصبح لكل فرد تلفازه الخاص يختار طبيعة البرامج والأفلام التي يشاهدها ، عكس الفترة السابقة حيث كانت القاعات السينمائية عبارة عن مراكز ثقافية لمشاهدة روائع السينما العالمية، وفضاءات للتثقيف والنقاشات الفكرية ، وهذه القاعات يتراجع عددها بشكل مستمر. رغم أن هذا الفن قادر على تقديم خدمة جليلة للقضية الأمازيغية سواء تعلق الأمر بالانتاجات الناطقة بالأمازيغية مثل أفلام محمد عبازي و المرحوم محمد مرنيش و المخرج حماد بايدو إلخ. أو التي تتخذ من الأمازيغية موضوعا لها بألسنة أخرى كالأفلام التي أخرجها حكيم بلعباس وعبد القادر القطع ومحمد عبازي ، هذه الأفلام والتجارب سيكون تأثيرها قويا ومباشرا ، وفي هذا الصدد نشير للنقاش الذي أثاره فيلم "تنغير...جيروزاليم أصداء الملاح" لمخرجه كمال هشكار الذي يعتبر تجربة فريدة تستحق التقليد من الشباب الأمازيغي. هذا الفيلم أعاد قضية الهوية وعلاقتها بالأرض إلى الواجهة من باب الإبداع السينمائي وأزال الحجاب عن جوانب مظلمة من الذاكرة الجماعية للمغاربة ، كما قدم نموذجا حيا للمصالحة بين الشباب المهاجرين وثقافتهم. تتبعنا كيف تمت مواجهته من طرف أعداء الفكر العقلاني ومناهضي حرية الإبداع خاصة تلك التيارات الأصولية ذات العقلية النكوصية التي فتحت العنان لسهام النقد دون أن تكلف نفسها مشاهدة الشريط ، واكتفت بالتظاهر وتدبيج المقالات والبيانات هنا وهناك. يمكنها أن تستفيد أيضا من الإنتاجات العالمية الأخرى التي تعالج قضايا المهمشين والمنسيين في كل بقاع العالم الذين يعيشون نفس المحن والأوضاع التي يعيشها الأمازيغ كالأكراد و الهنود الحمر والباسكيين ، مثل أفلام المخرجين الإيرانيين "عباس كيروستامي" و"محسن ماخمالباف" أو بعض الأفلام التركية وكذلك الأفلام الهندية التي اختارت طريقا أخر غير ذاك الذي تعرف به السينما الهندية مثل أفلام المخرج "ساتياجيت راي". يمكن للسينما أن تخدم القضية الأمازيغية بشكل كبير شريطة اختيار الأفلام والمواضيع المناسبة ، وتعميق النقاش مع المختصين في المجال، وذلك لنشر ثقافة السينما في صفوف المناضلين ليتمكنوا من قراءة وتحليل الأفلام وإخراجها وتمثيل الأمازيغ في مختلف الملتقيات الوطنية والدولية، ولن يتحقق ذلك بالفعل إلا إذا أصبحت الجامعة المغربية والمدارس والثانويات، والجمعيات، ودور الشباب فضاءات للنقاش الفني و الفكري الإنساني، طبعا فوق سفينة اسمها السينما، عوض الصراعات الدامية والنقاشات العقيمة أحيانا التي أصبحت طاغية على هذه الفضاءات في الآونة الأخيرة. تستطيع السينما جلب عدد كبير من المهتمين نظرا لخصوصياتها الجمالية و إمكانية الاشتغال على كل المواضيع مثل التاريخ الأمازيغي في مختلف تمرحلاته ، فما أحوجنا إلى أفلام تجسد التجارب السياسية الأمازيغية العريقة منذ عصر المماليك الأمازيغية مرورا ببداية الدولة الإسلامية مع البورغواطيين وصولا إلى التجربتين المرابطية والموحدية، ولما لا نعود إلى تاريخ الدلائيين والسملاليين الذين شكلوا مع بداية العصر الحديث كيانات سياسية كادت أن تغير مسار التاريخ المغربي. ما أحوجنا إلى أفلام وثائقية تغوص في عمق تقاليدنا الأمازيغية العريقة وتكشف عن المقومات الثقافية التي ساهمت في تشكيل وعينا الجماعي، وأفلام تنصف المعمار الأمازيغي الأصيل في جمالياته وخصائصه التي أعجب بها الداني والبعيد، ويمكن للحركة الأمازيغية أن تستفيد أكثر من الأفلام الناطقة بالأمازيغية أو التي تناقش القضايا الأمازيغية من خلال ما يلي : _ تنمية التفكير الجماعي الأمازيغي وتوحيد هموم واهتمامات إيمازيغن في المغرب وكل الأقطار المغاربية والإفريقية الأخرى، وذلك من خلال تقليص نقط الاختلاف والتقريب بين كل المكونات الأمازيغة التي باعدت بينها الأنظمة السياسية والجغرافيا المترامية، وهناك تجارب مرتبطة بانتشار لكنة الجنوب المغربي في قرى الأطلس الكبير الشرقي بفضل أفلام الفسدي والفيديو.، _ تحسيس الأمازيغ بوحدة الانتماء للوطن الواحد " تامزغا" من خلال معاينة واقعهم المزري لمواجهة كل من يميز بينهم اقتصاديا و اجتماعيا وثقافيا وبيئيا.، _ توثيق الذاكرة الجماعية الأمازيغة بالصوت والصورة كالمعمار واللباس والأطعمة والعادات والتقاليد والطقوس والرقصات... والمساهمة في الحفاظ على مقومات الثقافة الأمازيغية للأجيال القادمة خاصة أننا نشاهد اندثارها بشكل مستمر أمام زحف مؤثرات العولمة.، _ التعريف بالقضية الأمازيغية دوليا من خلال دعم مشاركة الأعمال السينمائية الأمازيغة في الملتقيات الدولية .، _ خلق رموز فنية سينمائية وطنية لجعلها محط أعين الشركات الكبرى في الإنتاج والإشهار مثلما خلقت في الغناء مثل الفنان محمد رويشة و موحى ألحسين أشيبان لأنهما أصبحا رفقة فنانين آخرين رأسمالا رمزيا نسوقه عبر العالم في الملتقيات والمهرجانات، نحن في حاجة لرموز أمازيغية تربط الأجيال بثقافتها.، _ التخفيف من بطالة الشباب الأمازيغي وذلك من خلال تشغيل عدد كبير منهم في التمثيل وكل العمليات الأخرى المرتبطة بالإنتاج السينمائي كالإخراج والتصوير والمونتاج الخ. سيظل سؤال الفعل الثقافي الأمازيغي معطلا ومختلا ما لم يتم الانفتاح بشكل علمي على حقل الصورة بمختلف أنواعها، وهذا يستدعي الاعتماد على استراتجيات تلائم التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي الذي أصبحت اهتماماته مرتبطة بالشاشة أكثر من أي شيء أخر، كما يجب أن تكون هذه الاستراتجيات مستوعبة لطرق اشتغال الأطراف المناهضة للمطالب الأمازيغية.