أنبه في البداية، وتفاديا لأي تأويل متحامل، إلى أن الدافع لتناول الموضوع نابع من غيرة على البلد وسُمعته، فحُب الأوطان من الإيمان، ولو في شأن رياضي قاعدته ربح وخسارة؛ فمثلما يفرح الفائز بانتصاره يتقبل المنهزم النتيجة بروح رياضية. خسارة المنتخب الوطني لكرة القدم أمام منتخب تنزانيا، وبتلك الطريقة والحصيلة يحز في النفس، بالنظر إلى إمكانيات البلدين وحجم الإنفاق والتاريخ الكروي للبلدين. الخسارة والتي تعني الخروج المبكر والمذل من الإقصائيات المؤدية لفعاليات كأس العالم بالبرازيل صيف2014، تطرح سؤالا قديما يتجدد مع كل نكسة: ما سبب أفول نجمنا الكروي إفريقيا؟ وهو نفس السؤال الذي ناور القائمون على الشأن الكروي غداة إقالة الإطار البلجيكي غيرتيس للالتفاف عليه. لست ممن "يُشَخْصِنُون" الأزمات ويحملون مسؤولية الإقصاء كاملة للناخب الوطني، بل إن الإخفاق يعتبر طبيعيا ومتوقعا عندما نستحضر مجموعة من العوامل والأسباب، ومنها: إن الرياضة عموما سواء على المستوى المدرسي أو الجامعي أو على مستوى الفرق هاوية ومحترفة تعاني من معضلات بنيوية، حيث يسجل غياب كبير لأبسط البنيات التحتية، وهو ما سجله المتتبعون لفعاليات الكأس الإفريقية بجنوب إفريقيا، إذ تتوفر جميع أحياء المدن المحتضنة للدورة على الأقل على مركبات رياضية تمكن من ممارسة مختلف الرياضات؛ الأمر الذي يكاد ينعدم في الحواضر المغربية، وما توفر لا يتناسب والطلب الشعبي، وما أنجز من مرافق لا يحظى بعناية أو صيانة ليتحول بعد أسابيع من تدشينه وسط صخب إعلامي إلى أطلال رياضية، ثم إلى مطارح للقمامات، ثم إلى مناطق للسكن الاجتماعي في نهاية المطاف. أما الرياضة المدرسية فتعاني إضافة إلى غياب المرافق من قلة الأطر المتخصصة، وهو ما يجعل حصص الرياضة أو التربية البدنية لا يتجاوز موسطها حصتين في السلكين الإعدادي والتأهيلي، أما في الابتدائي فيكتفى بالتنصيص عليها في التوزيع الزمني مع وقف التنفيذ. وفي الجامعات التي انتقل إليها "داء" الاكتظاظ، فقد تجد في جامعة طلبتها يعدون بالآلاف إطارا رياضيا واحدا، وربما زائرا يتم التعاقد معه لأداء حصص معدودة تسجيلا لحضور المادة؛ هذا في الوقت الذي يجب أن تكون الجامعات مشتلا للأبطال في شتى الرياضات: الجامعات الأمريكية نموذجا. مؤشر آخر على تدني موقع الرياضة في البلاد هو حجم الإنفاق المخصص للقطاع الرياضي في الميزانية العامة للدولة يفسره اضطرار اعتماد الرياضة وكرة القدم خصوصا على ريع المسابقات الرياضية، حتى لا نقول القمار الرياضي. هذا في الوقت الذي توظف فيه الرياضة وكرة القدم خاصة لامتصاص الاحتقان الشعبي وصرف شرائح شعبية واسعة عن هموم الواقع والمعاش، بل يتم تسخير وسائل الإعلام الرسمي لشحن العواطف والمشاعر بمناسبة نزال رياضي يراد أن توظف نتيجته إلى انتصار على الفقر والبؤس والهشاشة وهزائم السياسة: مقابلة المغرب والجزائر بمراكش نموذجا. إن الانتصارات الرياضية تؤشر على نجاعة السياسة الرياضية خصوصا، ونجاعة تدبير الشأن العام بالبلاد عموما، بما هي حكامة راشدة وتدبير ينضبط لقاعدة المساءلة والمحاسبة، وهو ما لا يتوفر في الواقع الكروي المغربي، فالهيئة المشرفة في شخص الجامعة المعنية فاقدة الشرعية التنظيمية، من جهة؛ والمسؤول عنها يبدو أنه فوق المحاسبة، وقد يطال الوزيرَ التغييرُ ولا ينال معاليه. أليس هو من صرح عشية الإقصاء من نهائيات جنوب إفريقيا جوابا على سؤال إمكانية تنحيه من رئاسة الجامعة قائلا: "القرار ليس بيدي، أنا جندي من جنود صاحب الجلالة محمد السادس، إذا أرادني أن أستمر في مهمتي فسأواصلها بكل تفان وإخلاص، وإذا ما شاء جلالته أن أنهي مهامي في رئاسة الجامعة فسأقوم بذلك.". لقد توالت انتكاساتنا الكروية، ويبدو أنها كما تقول الأغنية الشعبية البداية فقط، وقد لا نحضر في الملتقيات القارية وبالأحرى العالمية، لأننا تُجُووِزْنا رياضيا على الصعيد الإفريقي، والاستحقاقات الأخيرة تؤكد الفرق الشاسع بين مستوانا الكروي ومستوى المنتخبات التي كانت تصنف صغيرة إلى عهد قريب. ثم لماذا لا نوسع زاوية النظر، لنقارن المغرب بهذه البلدان التي تهزمنا كرويا في مجالات أخرى، ومنها التعليم ومؤشرات التنمية والحكامة والشفافية. أليست هذه البلدان أحسن منا في الكثير من هذه المجالات؟ ألا تخطو هذه البلدان خطوات حثيثة في الدمقرطة وترشيد الحكم؟ وبالعودة إلى المعضلة الكروية، ألم يكن الأجدى أن تحل الجامعة الوصية على كرة القدم غداة إبعاد/ إقالة/ تنحي لست أدري الإطار الرياضي البلجيكي غيرتيس الذي ظل راتبه لغزا وتحول إلى سر من أسرار الدولة، علينا أن ننتظر انصرام 30 سنة ليرفع عنه طابع السرية ويعرف المغاربة الحقيقة وتعاد هيكلتها على قاعدة الأهلية والكفاءة؟ ألم يكن شكل التعاقد مع الإطار الوطني رشيد الطاوسي أقصد الطريقة وليس الشخص استمرارا لنفس الأزمة؟ إن إفلاسنا الكروي والرياضي عموما لا يختزل في الهزائم والإقصاءات، بل يعداه لإخفاق في توظيف الرياضة واستثمارها لإعداد أجيال سليمة بدنيا ونفسيا ووجدانيا وعقليا احتراما لقاعدة العقل السليم في الجسم السليم يمكن أن تكون نقطة ارتكاز لإقلاع تنموي أساسه موارد بشرية سوية ومؤهلة للإنتاج والابتكار والإبداع، بدل ألوف مؤلفة من أطفال الشوارع والمتشردين النافخين في الأكياس البلاستيكية لتحويل سائل "السيلسيون" إلى مركب غازات يهيم بتخديرها في عوالم المجهول، أو هواة "لمطايفة" بالسكاكين والشفرات وهم خارج وعيهم بفعل أقراص القرقوبي التي يندد الجميع بتداولها على أوسع نطاق، وكأن السماء تُمطر بها. الرياضة، يا سادة ليست أفيونا يخدر الشعب ويصرفه عن همومه ومعاناته المعاشية، بل أداة من ضمن أدوات للتربية والتأهيل إعدادا للأجيال التي يمكن أن تحمل المشعل وتستأمن على مستقبل البلاد. وعليه، فإخفاقتنا الكروية من جنس بقية الإخفاقات التي تصورها قصة الناس وأخطر المجرمين وتحقيق ومسرح الجريمة وبدون حرج وشرطي بلقصيري...، مثلما تجسدها مهازل الجلسات البرلمانية، حيث لا يستحيى من التلاسن بأبشع الاتهامات وكشف البطون. ربما أصبحت الحاجة ماسة لإطلاق حوار وطني ل"خيط أبيض" يتصالح فيه المغاربة مع أنفسهم ويبوحون بهمومهم، مثلما يُفصحون عن انتظاراتهم في الرياضة كما في الاقتصاد والاجتماع والقضاء والتعليم والثقافة. آفتنا وداؤنا العُضال الفساد الذي "تَغَوّلَ" وتمأسس، حيث تسند الأمور لغير أهلها. فقد تبين من خلال تدبير مختلف الملفات الإصرار على التمسك بنفس النهج التدبيري متمثلا في الإبقاء على نفس الوجوه، بل كثيرا ما تتم ترقية وجوه مسؤولة بشكل مباشر عن إفلاس قطاع، فتترأس أو تشارك في مجالس عليا يعهد لها تأهيل قطاع هي من أوردته المهالك، والأمثلة أكثر من أن تحصى.