تعرضت الامة العربيه بكل شعوبها الى اعتى موجة حقد استعماري غربي - صهيوني مس كل مقومات الامة ، هويتها ، كرامتها ، خيراتها ، كما منعت من تحقيق تنميتها المستقلة . ولايمكن النظر الى الانتفاضات الجماهيرية العفوية الا من زاوية انتفاضة من اجل الكرامة ،والرغبة في تاكيد هويتها ، والامل بخلق الاطر السياسية المناسبة للسير في الطريق السليم نحو النهضة والتنمية المستقلة. وقف المسلم الى جنب المسيحي والعلماني ، دون ان يفكر احد بغير ان الدين لله والوطن للجميع ، فالاديان كل الاديان هي محبة وسلام ، وحاشا من الخالق ان يقبل قيام دين على الحقد او القتل ، هو جل جلاله من منح الانسان تلك القدرة العظيمة على رؤية الحق من الباطل بالعقل ، وترك له حرية الاختيار . ف "كل نفس بما كسبت رهينة " (المدثر ،38) ، : من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها" (الجاثية ، 15) ، "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فاليكفر" ( الكهف ،29) . لم يعطي الخالق توكيلا ولاحتى لانبيائه ليلزموا الاخرين بالايمان ، " وما ارسلناك عليهم وكيلا" (الاسراء،54) ، " انما انت نذير والله على كل شئ وكيل" (هود ، 12) ، " ولو شاء ربك ما اشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل " (الانعام ،107) فالكفر وحتى الشرك ، والايمان هما جزء من ارادة الخالق وحكمته ، والا "لوشاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا " (يونس ، 99 ) ، وهو من خص نفسه القدسية بالثواب والعقاب ، والا ما خلق الجنة والنار. لذلك ونحن امام تحديات خطيرة وتهديدات الحقد الصليبي – الصهيوني ، يصبح شعار "الدين لله والوطن للجميع " هو المبدأ الاخلاقي الذي يشكل معيارا للوطنية السليمة . ولايحق لاحد مهما بلغت منزلته في سلم التدين ان يخص نفسه بما شاء الخالق ان يتفرد به ، فهو وحده عالم الغيب والشهادة. لذلك فزج الدين في السياسة ، تحت شعارات غامضة ، مثل " لاحكم الا لله "، لينفذ هذا الحكم بشر خطائين ، يستعجلون على الخالق حكمته في خلق الجنة والنار ويحملون سيوفهم وخناجرهم في الشوارع بحجة تطبيق الشريعة الاسلامية من خلال فرض ثواب وعقاب بشري لايخضع لقانون او سلطان سوى الاجتهادات الشخصية المحكومة بالرغبات الدنيوية ، هم اما جهلا وتشوش مفاهيم حكمة وارادة الخالق ما يعزز عندهم توجهات تعصبية ضد ابناء وطنهم وحتى ملتهم ، او انهم متعمدون بالوقوف في صف اعداء الامة العربية والاسلامية ممن يخطط لتشتيت الامة وتمزيقها باجتهادات شخصية لبشر ليس هناك ما يؤشر الى انهم فوق مستوى البشر العاديين ، او انهم معصومين من الخطأ.. منذ نهايات القرن الماضي ، اتضحت توجهات الغرب الاستعماري الذي خطط لاضعاف الامة العربية بتمزيقها وتقسيمها الى دويلات لاتتوفر في اي واحدة منها مقومات الدولة كاملة ، وتقسيمات ليس هناك ما يبررها ثقافيا ومصلحيا ، وتاريخيا ، الا رغبة الدول الاستعمارية لانهاك الامة واضعافها. وما نراه اليوم من هجمة على انتفاضات الجماهير لحرفها عن اهدافها وامالها لتحقيق الوحدة والتنمية والاستقلال ، الى مطالب شاذة بقمع الاخر وقتله على اساس دينه او مذهبة ، وتعميم روح الكراهية والحقد ، ماليس له علاقة بالدين ، ولا حتى بالسياسة . ما يعني ان الدين وضع في خدمة اعدائه من الحاقدين على الامة العربية والاسلامية جمعاء. يبقى الدين كما ذكرنا مجموعة من القيم الاخلاقية ، التي اراد الخالق من خلالها ان يحقق الامن والسلام لعباده الراغبين بالالتزام بها اما العبادات فهي مجموعة من الطقوس والاعمال التي حددها الله كوسيلة ليعبر بها الانسان عن شكره واقراره بعظمة الخالق وقدرته .وفي كل من المعاملات والقيم الاخلاقية في الدين ، كما هي العبادات تظل درجة صدقها او نفاقها متروك لتقديره الخالق عز وجل فهو الاعلم بالنيات ، " فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى " (النجم ، 32 ) ، ولا احد يمتلك الحق في ان يموضع نفسه بموضع من اخذ الوكالة من الخالق ليقرر سلامة نيات الاخرين او سوئها. حكم الاختلاف في المعتقد ، وسلامته من بطلانه هو من اختصاص الخالق التي خص نفسه القدسية بها بدون وكلاء او وسطاء . وتبقى شؤون الوطن حق للجميع باختلاف اديانهم ومذاهبهم ، حق يتكافل به الجميع ويتساوى به الجميع. ويبقى على السياسيين ومثقفي الامة ان يحددوا المعايير الوطنية لقياس الالتزام بالوطنية او الخيانة على اساس المصلحة الوطنية والامن الوطني للبلد . ولايعني الخلط بين الدين والسياسة الا رغبة البعض لاستخدام الدين في تحقيق اغراض دنيوية لاعلاقة لها بالدين ، كما هي انحراف عن السياسة التي تعني مهما تعددت التعريفات فانها في المحصلة النهائية فن ادارة الدولة وتوزع او تمركز علاقات القوة او السلطة ، بما يحقق المصالح العامة المشتركة لجميع المواطنين كالحفاظ على وجود الدولة وبقائها ونموها ووحدة اراضيها ، وتحقيق الامن والسلام لمواطنيها. وفي السياسة حيث تلعب علاقات القوى محورا رئيسيا في اللعبة السياسية ، فكل نظم الحكم تريد دائما ان تبرر وجودها وديمومتها من خلال ادعائها بانها تمثل افضل صورة او نموذج للتعبير عن مصالح الدولة والشعب ، يدخل في ذلك كل كل اشكال التسويق السياسي الذي يصل بعضه الى حد الكذب والخداع ، اضافة للاقناع والترويج العقلاني والمنطقي. فهي عملية دنيوية خالص ، ان امتزجت مع الدين فهي تضطر المتدين ( وهو مهما كان بشرا خطاء خاضع لرغباته وحاجاته الانسانية النفسية منها والبيولوجية ) ما قد يخلخل قناعاته الدينية او يتحايل على نفسه فيحرفها ويطوعها لرغباته الدنيوية ، وينحرف الدين عن مفاهيمه الحقيقية ليتناسب مع الحاجات الدنيوية التي لاعلاقة لها بالاخرة . ويفسد الدين السياسة لان بعض المتدينين قد يعتقد او يتصور انه يمتلك الحقيقة المطلقة الممثلة لارادة الخالق ، ما يؤدي به الى التعصب ، فقدان عامل المرونة الذي هو عنصر لازم واساسي في السياسة . هذا اضافة الى ان بعض التفسيرات الفقهية تبدو وكانها لاتعرف من الدين سوى توجهات الحقد والبغضاء والغاء الاخر ما يشيع الفوضى والاحتراب بين المسلمين عموما وبينهم وبين بقية ابناء الاديان الاخرى. وارضنا العربية هي منبع ومهبط الوحي لكل الاديان السماوية ، ما يعطي الحق للجميع بالتمتع بحق المواطنة كاملة غير منقوصة ما دام ملتزما بالحرص على مصلحة الامة وامنها ، متمسكا بهويتها وثقافتها . ولن يستقيم امر الامة بدون استقرارها والحفاظ على امنها من قبل الجميع وكل من موقعه رجل الدين للجامع او الكنيسة يبث من خلالهما قيم الحق والاخلاق والمحبة ، والشارع ومؤسسة الحكم لرجل السياسة القادر على تحقيق اهداف الامة وتطلعات ابنائها لتحقيق التنمية والامن امران لايمكن ان يتحققا في الوطن العربي ما لم تنجز وحدة الوطن والامة وتعبئة كل طاقاتها من اجل تحقيق التنمية والنهضة الحقيقية. هنا يبدو الدين او المذهب كما يطرحه البعض كانه عائق جديد باتجاه تحقيق الوحدة ، بل نزوع الى تمزيقها وتعميم الحروب البينية بين ابنائها ، واستنزاف طاقاتها بنزاعات وصراعات بينية ليس لها ما يبررها غير خدمة اعدائها الذين خططوا لتقسيمها ونهب واحتلال اجزاء كبيرة منها كسبتة ومليلة وفلسطين والاحواز والاسكندرونة .وما يثير الشك اكثر في طبيعة دعوات التعصب الدينية والطائفية ، هو غياب تحرير الاراضي المغتصبة من اجنداتها وقبول الاحتلالات كامر واقع ، بما يلزم الانسان لان يؤشر على كل هذا الاستخدام للدين في السياسة على انه ليس الا تحايل على الدين والخالق وبسطاء الناس لتحقيق اغراض دنيوية لايرتضيها الدين ولا الخالق .