أصبح الشباب الصحراوي من سكان مخيمات تندوف هدفا سهلا للجماعات الاسلامية في منطقة الساحل الإفريقي، مستغلة في ذلك حالة اليأس القوي داخل المخيمات لفقدان الثقة في قيادة السياسية للبوليساريو، التي تصر بمواقفها الراديكالية تجاه النزاع في الصحراء على السير بالمفاوضات نحو النفق المسدود. وإن تدبير قيادة فاقدة للشرعية نحو حالة المجهول التي يعيشها سكان مخيمات تندوف أفرزت وضعا اجتماعيا صعبا للشباب الصحراوي، الذي شرع يفر أفواجا نحو أحضان الجماعات الاسلامية التكفيرية والعصابات الإجرامية الناشطة في فضاءات الصحراء الإفريقية الكبرى. فمن بعد ما يقارب الأربعين سنة على حالة الجمود في ملف النزاع حول الصحراء، وكذا واقع العدم التي أسست له البوليساريو، بات الشباب الصحراوي من ذوي التكوين العالي يفكرون بجد في نقل أهاليهم للعيش تحت حماية الجماعات الإسلامية التي بات ينظر لها أنها توفر ملاذا أفضل من العيش داخل المخيمات. وتتأكد جدية هذه الرؤية في قدرة عدد من الشباب الصحراوي في الوصول إلى مراكز قيادية داخل الجماعات الاسلامية التكفيرية، كما هو الحال بالنسبة للشاب الصحراوي "ل. ع . س" الملقب ب"عدنان أبو الوليد"، والذي يمثل حاليا الناطق الرسمي لما يطلق عليها "جماعة التوحيد والجهاد". بعدما كان يشغل بمخيمات تندوف إطارا ل"منظمة اتحاد شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب" بدائرة الحكونية ولاية العيون. ولا أحد اليوم داخل المخيمات ينكر أن الجماعات الاسلامية قد تكاثر الموالون لها داخل المخيمات حتى اندمجت في البنية الاجتماعية لسكان المخيمات، وانسلت إلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالمساجد والمدارس والتجمعات العائلية الصحراوية. ويزداد تنامى اختراق الفكر الأصولي للمخيمات بعد بات يؤمن بمرجعيتها الدينية عدد كبير من الشباب الصحراوي، ومنهم أئمة وخطباء مساجد وخريجي جامعات ومعاهد عليا. ويلتحق الشباب الصحراوي بهذه الجماعات الراديكالية نتيجة العوز المادي وانعدام فرص العمل وضيق الافق السياسي لجبهة البوليساريو تجاه قضية الصحراء. كما أن حالة الحصار والانتهاكات الحقوقية داخل مخيمات تندوف؛ قد زادت من حدة القلق الوجداني واللا استقرار النفسي والاجتماعي. وإذ لم يعد خافيا على أحد أن مخيمات تندوف مخترقة من لدن الجماعات الاسلامية المتطرفة، فإن الجهات الرسمية لجبهة البوليساريو باتت تعلنها صراحة، حتى أنه تأكد علمها باختراق الجماعات الإسلامية للمخيمات دون أن تحرك ساكنا، وقد نتج عن ذلك التواطؤ اختطاف ثلاثة من المتطوعين في العمل الإنساني لصالح سكان المخيمات. وعلى الرغم من أن البوليساريو ظلت ترفض حصول هذا الاختراق، وحتى من بعد سحب اسبانيا لكل متطوعي العمل الإنساني من المخيمات لاعتبارات أمنية أكيدة، فإنها عادت لتؤكد على لسان ما يسمى ب"وزير دفاع البوليساريو" لموقع "أ ب ث" الاسباني قوله أن عددا من الشباب الصحراوي يلتحقون بالجماعات الإسلامية. وفضلا عن ذلك كشفت وثيقة رسمية صادرة من مكتب ما يسمى الوزير الأول أفادت بأن البوليساريو كانت على علم باختراق الجماعات التكفيرية للمخيمات، وبحجم الاستقطاب العديدي الذي تقوم به هذه الجماعات في صفوف شباب المخيمات. ويستمر تغلغل الفكر المتطرف داخل مخيمات تندوف قويا، مخلفا مزيد من نزيف الشباب الصحراوي نحو الجماعات المتطرفة، وتزايد مؤشرات انعدام الأمن في منطقة الساحل الإفريقي وعلى مجموع الحدود الجنوبية للدول المغاربية، فضلا عن نسف أي إمكانية لإيجاد حل للنزاع في الصحراء.