ما فائدة التاريخ ما لم تُستخلَص منه العبَر؟ تاريخُنا، نحن، حافل بالبطولات كما بالهزائم. و كلاهما عبَرٌ تجعلَنا نتخطى العقبات و نتجنب المذلات إنْ هيَ استُخلصت كما يجب. لكننا، للأسف، نحن في وادٍ و تاريخنا في وادٍ آخرَ، و كأن تاريخَنا لا يَعْنينا في شيء. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، احتدمت الأطماع الاستعمارية في خيرات المغرب، و للتصدي لهذا التكالب الشَّرس، لجأت السلطة المغربية للسلطة الفرنسية لتقوم لها بإصلاحات في الإدارة و العسكر و الاقتصاد. لم تُفدْ هذه الإصلاحات في شيء، بل كانت فرصةً ذهبيةً لفرنسا لإفراغ بيت مال المَخزَن و الهيمنة الشاملة على المغرب ثم فرض الحماية عليه و استعماره. و اليوم تُعيد إحدى حُكوماتنا السالفة نفس الحكاية حين استجْدَتْ بخَبيرٍ فرنسي و أبرمتْ معه صفقة ضخمة جدًّ جدًّا ليُصلحَ أحوالَ التربية و التعليم. ذَهَبَ الخبير بالملايير و ما زاد التعليمَ إلا سوءًا و تعقيدًا. و بتْنا لا نحنُ قادرين على مدّ الخُطى الأمام و لا الرجوع لمكاننا إلى الوراء. و بقينا ننظر بحسرة لما يُفعل بالتعليم من طرف فئة كبيرة من رجاله و نساءه. و ازدهرت تجارة النقط أيما ازدهار، بلا حياء أو خجل، فأضحتْ قطاعا اقتصاديا يعرف رواجا منقطع النظير، تَجْني منه جَحَافل رجال و نساء التعليم أموالا مهولة على حساب التعليم العمومي الذي يرقد وحيدا في موته السريري و لا أحد يَبْكي عليه. و زاغتْ معظم المدارس الخاصة عن الأهداف و المبادئ النبيلة و استَهترتْ برسالتها التربوية المقدسة و أشهرَتْ نواياها التجارية المحْضَة و سَعتْ للربح و لو على حساب التعليم الجيد و النقل المدرسي الآمن و التعاقد مع من هبَّ و دبَّ من الأساتذة و السماسرة دون معايير و لا رقيب و لا حسيب. و غَدَت المدرسةُ الأصيلةُ النبيلةُ الطاهرةُ يَنبوعا للعنف و البطالة و المخدرات و تدني مستوى التعليم و التحصيل و الثقافة و الأخلاق، و ما يترتب عن كل هذا من أخطار على مستوى الصحة النفسية لأبنائنا و بناتنا. و سَلم المواطن المسْكين أمرَه لباعوض عَرَمرَم شَِرس يمُصُّ دماء الفقراء و الأغنياء على السواء، ليس أمامه سوى أن يقتسم كَرْهًا لقمة عيشه الهزيلة مع قُطاع الطرق الجُدد بقطاع التعليم.