أشرقت الشمس من جديد على يوم جديد، و انقشع الظلام مُودِّعاً ما مضى في الأمس، فتحت عينيّ على الدنيا فوجدتها غير الدنيا، و تأملت في العالم فألفيته غير العالم الذي ألفته بقربك يا حبيبة الرّوح و بلسم الفؤاد. فأحسست بضيق في ذاتي لم أعهده من قبل، إنه إحساس غريب زارني اليوم جعلني أهرع إلى قلمي و دفتري لأكتب مادام ملتهبا. سِجِلٌّ كبير من الذكريات تتقلب صفحاته الواحدة تلو الأخرى أمام عينيّ، لقطات من الماضي تتصارع فيما بينها في عقلي : إنها كلها لكِ يا أروع مالديّ. منكِ خُلقتُ ولك خُلقتُ، ولكِ سأحيى و أموت. لطالما فكرت في الناس و لطالما أحببتهم، و ما علمت يوماً أنما الحب لكِ وحدك، يا من أحبتني في السر و العلانية، يا من أحبتني قبل أكون، يا من أحبتني حين كنتُ. اشتقت إليكِ يا ملاكي، يا من وجدت الجنة في حضنكِ بعدما هربت من جحيم الدنيا، من جحيم الدنيا .اشتقت إليك يا غزالي، يا من ذقت في قربك حلاوة الحياة بعدما احتسيت مرارة العالم بعيداً عنك. يا ما عانيت بسببي، فما اشتكيتِ يوماً مرارة تعذيبي لكِ، بل تجدين في ذلك لذة لا منتهى لها، و لطالما أهملتكِ، و انتَقصتُ من قَدرِكِ، فما كان مِنكِ إلا أن ابتسمت في وجهي بحنان لا حدود له، لطالما جُعْتِ لأشْبعَ، وعطشتِ لأُرْوى، و سهرتِ لأنام، فهلاَّ تسامحيني يا حبيبتي؟ تذكرت حين كُنْتِ لتدافعي عنِّي و أنا مذنب، وحين كنت لتشجعيني وأنا مُحِقّ، تذكرت كم اقتلِعْتِ منكِ لتزيديني، فوالله ما أشدّ حقارتي أمام سموكِ يا غاليتي ! و ما أقوى صغاري أمام عطفك ! تالله لو صرفت عمري فداء لكِ ما وفيتك حق طلقة صرختها من أجلي و لا دمعة ذرفتها بسببي و لي. شاء القدر أن نفترق، فشاء أن أعرف قدرك و مقامك في حياتي، هاهي ذي ملابسي متسخة، فمن ينظفها لي الآن ؟ وهاهي أشيائي مبعثرة، فمن يرتبها الآن ؟ و هاهي ذي يدي متوعكة، فمن ' يدلكها ' لي الآن؟ و هاهي ذ معدتي تصرخ فمن يخرسها بألذ الطعام؟ و ها أنذا وحيد فمن ذا الذي يؤنسني الآن؟ والله إني ما علمت بحجم قذارتي قط يوماً قبل هذه اللحظة، كيف أنسى من حملتني داخلها فتركتِ الدنيا لتسهر على راحتي،أيا من اصطبرتِ على حماقاتي، فامتصصتها بطيبتك وودك، كيف أنسى من هجرها النوم و أنا بعيد عنها، كيف أنسى و كيف أنسى ؟كيف أنسى من كانت تغار علي حتى من نفسها ..يا أمي الحبيبة يا 'عز الحبابيب ' ..