المغرب يتسلم الدفعة الأولى من مروحيات "أباتشي" القتالية    مطار محمد الخامس يلغي التفتيش عند المداخل لتسريع وصول المسافرين    دياز يتألق ويمنح ريال مدريد الفوز على أتلتيكو    وكيل أعمال لامين يامال يحسم الجدل: اللاعب سيمدّد عقده مع برشلونة    أمن طنجة يوقف مواطنين من جنسية بولونية موضوع أمر دولي أمريكي    هذه مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الخميس    وزارة الصحة تسجل انخفاض في حالات الإصابة بفيروس الحصبة    "بوحمرون".. وزارة الصحة تُعلن تمديد حملة استدراك اللقاحات إلى 28 مارس    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر من الرجال    العثور على أربعيني ميتًا نواحي اقليم الحسيمة يستنفر الدرك الملكي    «محنة التاريخ» في الإعلام العمومي    القناة الثانية تتصدر المشهد الرمضاني بحصّة مشاهدة 36%    إطلاق كرسي الدراسات المغربية في جامعة القدس بفلسطين    المغرب يؤكد في قمة القاهرة أن غزة جزء من التراب الفلسطيني والشعب الفلسطيني له حق التقرير في مستقبلها    «دلالات السينما المغربية»:إصدار جديد للدكتور حميد اتباتويرسم ملامح الهوية السينمائية وعلاقتهابالثقافة والخصائص الجمالية    طنجة تتصدر مدن الجهة في إحداث المقاولات خلال 2024    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    النيابة العامة تتابع حسناوي بانتحال صفة والتشهير ونشر ادعاءات كاذبة    فعاليات مدنية بالقدس تثمن مبادرات الملك محمد السادس للتخفيف من معاناة الساكنة المقدسية خلال شهر رمضان    تحذير من حساب مزيف باسم رئيس الحكومة على منصة "إكس"    كسر الصيام" بالتمر والحليب… هل هي عادة صحية؟    ضمنها الحسيمة ووجدة.. حموشي يؤشر على تعيينات جديدة بمصالح الأمن الوطني    اليماني: شركات المحروقات تواصل جمع الأرباح الفاحشة والأسعار لم تتأثر بالانخفاض في السوق الدولية    "التقدم والاشتراكية": حكومة أخنوش "فاشلة" ومطبعة مع الفساد وتسعى لتكميم الأفواه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف مواطنين من جنسية بولونية موضوع أمر دولي بإلقاء القبض صادر عن السلطات القضائية الأمريكية    رجال حموشي يوقفون 16 شخصًا في عمليات مكثفة بالعيون    اختتام أسبوع الاحتفال بمهن السياحة 2025 بالتزامات ملموسة من أجل مستقبل السياحة المغربية    المغرب واسبانيا نحو تعزيز التعاون القانوني والقضائي لدعم تنظيم كأس العالم 2030    رئيس مجلس المنافسة يتجاهل "سخرية" أوزين ويرفضُ "المناوشات السياسية"    دورة مجلس جهة سوس ماسة.. مستوى رديء وغياب نقاش حقيقي    أبطال أوروبا.. قمة ألمانيا بين البايرن و ليفركوزن واختبار ل"PSG" أمام ليفربول    هذه أبرز تصريحات ترامب في خطابه أمام الكونغرس    بورصة البيضاء تفتتح التداول بالأحمر    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    الصين تعلن عن زيادة ميزانيتها العسكرية بنسبة 7,2 بالمائة للعام الثالث على التوالي    ترامب يرفض المقترح العربي لإعادة إعمار قطاع غزة    المنتخب المغربي يدخل معسكرا إعداديا بدءا من 17 مارس تحضيرا لمواجهة النيجر وتنزانيا    حجز وإتلاف 1800 كيلوغرام من سمك الساندية في إطار مكافحة الصيد غير القانوني    اجتماع بالحسيمة لمراقبة الأسعار ومعالجة شكايات المستهلكين    بوريطة يوضح بشأن مستقبل قطاع غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    زيلينسكي يقترح هدنة للبدء في محادثات سلام ويقول إنه يريد تصحيح الأمور مع ترامب    دياز يقود ريال للفوز 2-1 على أتليتيكو في رابطة الأبطال الأوروبية    "البام" يطلق "جيل 2030" لدمج الشباب في السياسة قبل "المونديال"    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. أرسنال يتفوق بنتيجة عريضة على إيندهوفن (7-1) ويضمن بنسبة كبيرة تأهله إلى الربع    وقفة احتجاجية وسط الرباط ترفض "تنصل إسرائيل" و"مقترح ترامب"    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم .. ليل يعود بتعادل ثمين من ميدان دورتموند    موقف واضح يعكس احترافية الكرة المغربية وتركيزها على الميدان بدل الجدل    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    "شفت أمك بغا طول معنا".. جبرون: التلفزة تمرر عبارات وقيما مثيرة للاشمئزاز ولا تمثل أخلاق المغاربة    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لم يبق منهم أحد
نشر في خريبكة أون لاين يوم 01 - 09 - 2011

هبت الجرذان من جحورها في روايات كامو وستاينباك وأفلام ديزنيلاند بعدما أصاب طاعون الثورة جمهوريات الموز، على حد تصور الدكتاتور الرومانسي وتعبيره المجازي. سقطت الأنظمة الاستبدادية تباعا في تونس ومصر وليبيا. اليمن تحتظر وسورية تستعر وباقي البلاد العربية تنتظر أن يأتي عليها الدور في غرفة التاريخ الجانبية، كما أتى على (عشرة زنوج صغار) في رواية أغاثا كريستي الشهيرة؛ حتى لم يبق منهم أحد. شد مكبث الرحال بمعية زوجته إلى أرض الحجاز في غير موسم الحج. مثل فرعون أمام هيئة المحكمة في وقوف أفقي على فراش أثقله قليل من المرض وكثير من التمارض. أما ملك ملوك إفريقيا وكايزر سوزي ليبيا، فقد توارى عن الأنظار واندثر كأنه لم يكن شيئا مذكورا لقناعته الفأرية بغلبة السلامة في الفرار على حسرة العار.
كان كلما اقتحم الثوار قصرا من قصور العقيد الزاهد وعائلته المتقشفة، انتهاء بسيطرتهم على باب العزيزية، كلما تعالت صيحات الاستنكار من مظاهر الإسراف والبذخ في معيشة الدكتاتور ومعالم الكيتش في الديكور. كما لو كان المستنكرون يعيشون في المريخ، وكما لو كان ابتزاز الرجل لثروة الشعب اكتشافا جديدا وتفرده بقلة الذوق سرا دفينا. ثم توالت شهادات المقربين من الخدم والحشم عن مواظبة الفقيه على ترك الصلاة وصيام رمضان وتفانيه في الرذيلة وطاعة النزوات وانغماسه في كتب السحر والشعوذة.
من المستبعد أن تكون سيرة القذافي في خطوطها العريضة غريبة عن سيرة غيره من الزعماء العرب، لأن قناع التطبع لا يخفي حقيقة الطبع، ولأن طبيعة الاستبداد واحدة. يحتاج الدكتاتور، كل دكتاتور، لأسطورة هوميرية يستعين بها على تزوير الحقائق التاريخية وتبرير سلطاته المطلقة. تصور الأسطورة فتح علب السردين المنتهية الصلاحية المأهولة بالسالمونيلا على أنها ثورة الفاتح. ولا تزال تنفخ في أنا القزم حتى يسمن ويتضخم، فيقعد على أكتاف العمالقة وهو يحسب نفسه أنه واحد منهم. ثم لا ينزل حتى ترتقي به الملحمة الإبريقية إلى مرتبة إله، أو لعله يتواضع لمن رفعه من العفاريت فيكون نصف إله. يحيط الدكتاتور نفسه بهالة من القداسة، تبعد عنه عيون المحاسبين وحسد المعارضين، وتفرض على الغوغاء تقديم عربون الطاعة من كرامتهم وقربان الولاء من جيوبهم. الدكتاتور أب للجميع، يحجر على القاصرين والمخرفين، وأفراد الشعب كلهم إما قاصرون سفهاء أو معمرون مصابون بألزهايمر وجنون البقر. الدكتاتور فوق الجميع، حقوقه رسمية وواجباته شرفية. عن قريحته يتفتق العلم والأدب وإليه تؤول براءة الاختراعات وتطبيقات التكنولوجيا المتطورة. هرطقاته حكيمة وهفواته مقصودة. يحكم الشعب باسم الرب فعلا وحقيقة، لا استعارة أو من باب الضرورة الشعرية. لا يصدع رأسه أحد بالسؤال عن كيف ولماذا وإلى متى وإلى أين. وإذا زل معتوه وسأل، فيومئذ لا يعذب عذابه أحد. اتفق أكثر من دكتاتور (منهم القذافي وبول بوت) على فاتورة الطاعة، فتوعدوا بأنهم مستعدون أن ينفوا ثلثي الشعب ممن كفر وراء الشمس، ليعيش الثلث الخالي تحت الأرض مؤمنا بقدر الذل وقضاء الهوان. الدكتاتور حجر العقد في عمارة الاستقرار، لا تتوحد البلاد بدونه ولا يستتب الأمن إلا به... حتى تقع الفأس في الرأس، فينتفض فتية الكهف من بعد سبات، ويرى شيوخ الكونغرس من بعد عمى عرى الإمبراطور. قد تكون بداية الدكتاتور ضربة حظ - أو خبط عشواء أو لكمة قدر من منظور الشعب- لكن نهايته ليست أكثر من مسألة وقت. وكلما تأخرت عن موعدها، كلما ازدادت وضوحا في حتميتها.
اشتهرت في مجال الاقتصاد التجريبي سيناريوهات مختلفة وتطبيقات متنوعة لما اصطلح على تسميته بلعبة الدكتاتور. يشترك في أحد سيناريوهات اللعبة ثلاثة أطراف: الدكتاتور، المستفيد والرقيب. يعطى لكل من الدكتاتور والرقيب مبلغ حقيقي من المال. ويطلب من الدكتاتور أن يتبرع على المستفيد بقدر من المال الممنوح. قد يقرر الدكتاتور أن يعطي قدرا محترما أو ربما حصة زهيدة، كما قد يقرر أن يحتفظ لنفسه بالمبلغ كاملا. لماذا؟ لأنه دكتاتور، والأصل في كلمة دكتاتور قاض روماني يتمتع بصلاحيات وسلطات مطلقة. لكن من سوء طالع دكتاتور اللعبة أن عليه رقيبا يحاسبه. إذ يتولى الرقيب مهمة معاقبة الدكتاتور فينتزع منه حصته كاملة، شريطة أن يتخلى عن قدر من ماله الخاص. وبالرغم من أن قانون اللعبة لا يجبر الرقيب على محاسبة الدكتاتور، فإن النتائج أظهرت باستمرار في مجتمعات مختلفة وبيئات متباينة أنه من النادر جدا ألا يختار الرقيب أن يضحي بماله الخاص في سبيل محاسبة الدكتاتور الذي يرى أن يستحوذ على المبلغ الممنوح ولا يقتسمه مع المستفيد قسمة عادلة (50-50).
هذا ما يكون من مصير الدكتاتور في سيناريوهات الاقتصاد التجريبي. أما في الواقع، فتبدو لعبة الدكتاتور أكثر تعقيدا وأقل حتمية. ويرجع السبب في تعارض التوقعات النظرية مع حال الواقع إلى عامل الغش في التجربة. حيث جرت العادة أن تتواطأ مافيا الدكتاتور مع المراقبين المستفيدين الفعليين -في الداخل والخارج- من التجربة الدكتاتورية على حساب المستفيدين النظريين والمتضررين الحقيقيين المراقَبين المحاسَبين المعاقَبين. إذ يهتف المراقبون الدوليون بحياة الدكتاتور، فيرد الشعب (عاش الدكتاتور). مع مرور الوقت، يتعلم الحمار من التكرار، فيتذمر الشعب ويتمرد، ليهتف بسقوط الدكتاتور، فيجيبه المجتمع الدولي (عاش الدكتاتور). لكن عندما يركب الشعب رأسه ويصر على أن (يحاسب الدكتاتور)، لا يجد المراقبون بدا من التظاهر بالامتثال لإرادة الشعب ناصحين بأن (آن للدكتاتور أن يرتاح)، قبل أن يحسموا موقفهم الدبلوماسي أمام استماتة الشعب بالنزول عند رغبته كلاميا و شعاراتيا، في (محاكمة الدكتاتور) وتعقب مسؤول وراء مسؤول وراء مسؤول، حتى لا يبقى منهم أحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.