قبل أن نحط الرحال بمنطقة منت وبالضبط من الطريق المتفرعة نحو منت بعد مركز أجلموس ببضع كيلومترات – المركز الذي غادرناه وروائح مطرح النفايات والأزبال القريب منه تزكم الأنوف - كان توقعنا أن لا تكون أحوال المنطقة عموما بذلك السوء الذي وصفه بها من اتصلوا بموقع خنيفرة أونلاين لنقل معاناة الساكنة المغلوبة على أمرها. الساعة تشير إلى الحادية عشر صباحا من يوم الجمعة 24 يوليوز 2015، حرارة تخيم على المنطقة، وكثبان الأتربة الرملية البيضاء مترامية وسط الطريق وعلى جنباتها، بل إن وراءها غالبا ما تخفي انهيارات كأنما هي ظلال لها، السيارة تسير ببطء جديد، والنقع والغبار يتطاير من كل حدب وصوب، كانت العين تفصح المكان واللسان يطرح الأسئلة على المرافقين، والأذن تسجل المعطيات، بينما أجلنا حضور الكاميرا إلى حين العودة من النقطة الكيلومترية 13 قريبا من وادي بوزرو على مستوى الطريق الفرعية التي تخترق دوار الباشا المؤطر في التهميش وفي مساحة شاسعة وكبيرة تشير المعطيات أنها تتجاوز ال150000 هكتار مربع، ولم تشفع لها لا المساحة ولا قيمتها الفلاحية الكبيرة حيث تعد خزانا لأجود أنواع الغنم بالإقليم. وصلنا وادي بوزرو، فبدأنا نقل المعاناة، حيث كان تصريح المواطن "عميتشي محمد" بصفته من العارفين بالمنطقة ومن جيلها الذي رافقته المعاناة وما تزال تصريحا صادما، فبالرغم من تربع المنطقة عموما في إقليمخنيفرة الذي يعد يخترقه نهر أم الربيع ويعد مهده فإنها يهددها الجفاف وغير مرتبطة بالماء الصالح للشرب، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن منطقة دوار الباشا بالرغم من قربها من مركز أجلموس حيث مقر الجماعة القروية غير مرتبطة بشبكة الكهرباء والإنارة. من جهة أخرى كشفت التصريحات الصادمة أن المنطقة مستهدفة بقوة استهدافا انتقاميا بسبب مجريات حقبة تاريخية كان فيها للأعيان بالمنطقة عموما على مستوى أجلموس نفوذ كبير، فانقلب الهم الديمقراطي الذي كان يجب أن يأخذ مساره الصحيح في إطار تنمية شاملة يستفيد منها الجميع إلى إجراءات إقصائية عقابية لمنطقة كبيرة يسكنها عدد كبير من المواطنين، ويقود هذا أشخاص بعيدون تماما عن منطق التشاركية في تسيير مصالح الجماعة بعيدا عن تنميطات قبلية معينة على حد تعبير من قابلناهم. وقد يقول قائل أن وضع دوار الباشا الذي تتوزعه دائرتان انتخابيان يتحمل قاطنوه المسؤولية الكبيرة فيه، إلا أن هذا غير صحيح في ظل الشعارات المرفوعة بعد دستور 2011، وفي ظل تهالك كل القطاعات بالبلدة. يحكي السيد "عميتشي محمد" بلسان الجماعة بحرقة كبيرة جدا عما أصاب دوار الباشا ومعه دوار أمهروق على مساحة شاسعة وبساكنة تزيد عن 4000 نسمة، يحكي عن تحالف التهميش مع الانتقام والتسيير الفردي والعشوائي للجماعة، لا قشيب ولا جديد سوى آهات تزداد يوما بعد يوم، قطاع الصحة منعدم تماما، وللصدفة كما في الروبورتاج المرفق تقابلنا ونحن عائدون من وادي بوزرو بسيارة إسعاف الجماعة وهي كما باقي العربات المستعملة تسير ببطء شديد، الأمر كناية عن وضع الصحة المتهالك بعموم تراب دائرتي دوار الباشا، حيث تقبع المنطقة خارج عقارب العصر، الحالات المرضية والنساء الحوامل والأطفال الصغار ناهيك من الطوارئ الصحية الناجمة عن السموم وغيرها تبقى مؤرقة للساكنة التي لا حول لها ولا قوة في زمن الاستقواء الفردي لما يسمى تجاوزا الجماعة في فرض قيود الإبقاء على المنطقة خارج العصر الإداري والخدماتي، أجيال مرت وتمر لكن ما كل هذا السر في الإبقاء على التهميش بصيغة الانتقام؟ وما ذنب الرعيل الحالي مما جناه السابقون؟ يضيف غالبية المتحدثين. نعم ما ذنب الأطفال الصغار الذين وجب أن توفر لهم شروط التمدرس الجيد في عهد مدرسة النجاح ومخططات الوزارة، ما ذبهم يقول المصرحون أن يأخذوا دروسهم أيام البرودة القاسية في أسوار متهالكة مسقفة كما الأكواخ بالبلاستيك، كيف سيحصل غالبية أطفال منطقة "أحفور أوصاظ" وهم مطالبون بقطع مسافة سبعة كيلومترات على أرجلهم ليصلوا إلى مدرستهم المتهالكة؟ يتحدث أبناء المنطقة الذين تكتلوا تحت لواء جمعية يدافعون بها عن تنمية منطقتهم عن تخاذل المجلس القروي لجماعة أجلموس وعدم وفائه بوعده الذي قطعه على نفسه بخصوص تسقيف مدرسة تبوقلمت التي بنتها الجمعية عن طريق مساعدات جمعتها، فأرست حيطانها، لكن للجماعة رأي آخر في أن تبقى بلا سقف في ظل تخاذلها الموشوم بالعار والإهمال والاستهتار والاستهداف المباشر لمشتل العلم والتعلم، لا جديد لا قشيب في الأفق والكل يسن سيوفه السامة وخناجره الصدئة ليظفر بولاية انتخابية تنضاف إلى باقي ولايات النوم الفائتة، حيث تصفية الحسابات العنوان العريض للمأساة. مدرستان بالمنطقة تابعتان لمركزية أيت سيدي بوعثمان، وحدة خنك الدفة، ووحدة تبوقلمت، والوضع فيهما مأساوي في ظل تظافر كل العوامل من زمن محاربة الهدر المدرسي. الفلاحة كذلك نالت نصيبها من الاستهداف، فأجود أنواع الغنم تتربي في بلاطو منطقة منت الشاسع بشهادة المهنيين لكن كل هذا لم يشفع لإصلاح طريقها، وتوفير الخدمات لساكنتها حتى تكون تيمة الاستقرار حاضرة. متدخل في الروبورتاج أشار أن الغالبية العظمى خاصة من الأشخاص الذي يتعاقدون مع الكسابين قد انتقلوا إلى مركز أجلموس وأصبحوا حمالين بفعل غياب مدرسة حقيقية بدائرتي دوار الباشا يتعلم فيها بنوهم، وبالتالي تصبح الهجرة العنوان العريض لمأساة الفلاحة بالمنطقة. هو الوضع القائم الذي تلخصه وديان المنطقة التي ألبست لون الحناء على القمل، قناطر صغيرة وقنوات لصرف مياه الأمطار لا تظهر البتة دور المصالح التقنية للجماعة، وتفصح عن غياب تتبع ومراقبة الأوراش، وتطرح أسئلة كثيرة عن الأهداف التي من المفروض أن يعلن عنها المجلس الجماعي لأجلموس، عن طبيعتها وعن تاريخ تحققها، بل وعن انتظاراته من ورائها. هو الوضع القائم نعيده لألف مرة عله يكتفي مسننو السيوف والخناجر من استغلال صفاتهم كممثلين لعموم الجماعة قصد تصفية الحسابات، هو عهد جديد رغم ما ناله من انتقادات، ورهانه أن يتجاوز القديم بتحقيق الانتظارات. رسالة ساكنة دوار الباشا بلاطو منطقة منت هي اليوم هكذا، لكن، غدا أو بعد غد قد تصطف الحناجر أمام عمالة الإقليم لتقول للمسؤول الأول عن العمالة أن لا رجوع إلى الديار المهجورة إلا بشيء في أيدينا وعلى أرض الواقع نتلمسه، بعيدا بعيدا عن الوعود الفارغة. وسنوافيكم بروبورتاج كامل عن الموضوع حال الانتهاء من تنزيله على قناة يوتوب.