مع توالي القصف التلفزيوني سنكون شاهدين على عصر الفرجة والضحك على الذقون ولا يسعنا إلا أن نعبر عن شكرنا وامتناننا للشركات التجارية يوم تدعو لنا بالرحمة والمغفرة، الشركات المتحكمة في البحث العلمي والتي برعت في تأليف شخصيات استهلاكية، "زبناء" في ديارهم تسللت عبر ثقوب أجسادهم، من أعينهم المتسمرة على الشاشات وآذانهم الصاغية للأبواق وعقولهم النائمة التي لا تسأل عن الجودة أو حد الاعتدال بين العرض والإعلان، ومع ذلك يدفعون فاتوراتها. فاتورة قطب، محكوم بغزو المعلب الفاقد للصلاحية من الأفكار التجارية المعولمة، أشد حرص على حياة. التعثر الإعلامي الذي ضقنا به ذرعا هو امتداد للأزمة الفكرية والسياسية التي نتجرع مرارتها، والليونة في التفكير والسذاجة المفرطة في التعاطي مع السلوك الاعلامي الذي يزرع المفاهيم والافكار والقيم التي لا مرجع لها في مدخلات ومخرجات الجامعات المحلية وإنجازات علمائها ومثقفيها أو حتى شعْبها، والإعلام إما صانع للأفكار منتج للقيم أو صانع للأحلام والفشل عبر القصف الذي يستهدف المشاهد الزبون؛ ذلك الصيد الثمين الذي يربط بين ابتلاع المأكولات والتهام الصور والأصوات والتراهات والتفاهات...والذي يتألم أو يفتعل الضحك مكرها على الحكايات الهزلية المبكية. القصف التلفزي العنيف لكبريات الشركات على مشاهدين يسهل استغفالهم؛ زبناء في غاية البساطة تغريهم الصور الملونة، دكان افتراضي من الذخائر الحية يقذف نفايات العروض والبرامج التي أغرت أنصاف عقول ومثقفين بالتقمص والسطو. حرب وقصف تلفزي على الأسر في أم المعارك وأبيها يصيب الأحاسيس في مقتل عبر إيقاع رهيب من الحملات الدعائية. قنوات تمرر السموم تقتل الأرواح تجدر ثقافة الاستهلاك وجني المال السائب، حريصة على أن تصيب قذائف اللغة التجارية أكبر عدد من البشر والغنائم والعقول والجيوب المثقوبة. علاقة الشركات التجارية بالبحث العلمي ملتصقة، والقصف التلفزي الذي يصيب شخصية المشاهد يصيب شخصية الزبون المترسخة في ذهن التاجر الخبير بلغة الأسواق. كيف نحارب هجوم المارد الإعلامي الذي يخلط بين الأحلام والواقع الساعي إلى تأليف الشخوص وتعريتها أو إلباسها التصاميم غير المناسبة لها في الزمان والمكان على أنها قمة ما كان ويكون. في زمن التغيير الذي لا رأي لأحد فيه، سنساق خلف أقنعة الفكر الخلاق أقنعة الإبداع الهجين، سنساق خلف خيارات ووجوه ظاهرها الإبداع والجمال والرقة وباطنها استهتار بقيم، استخفاف بعقول واستهبال وضحك على ذقون وجيوب أجساد مسلوبة الإرادة، يقظة نائمة أمام التلفاز.كم.