هدأت الأغاني، توقف الرقص وشلت الألسن المزغردة، الكل يمسك قلبه بقلق، الكل ينتظر ويترقب بأعين خائفة، المراهقات يبتسمن في همس راغب ومرتعب من مثل هذا اليوم. بعد أن أدخلوهما إلى غرفة معطرة بماء الورد، تحت الرقص والتطبيل وكلمات أغان تحثهما على تبييض الوجه. الكل هادئ، البعض يراقب الساعة ويتساءل كم من الوقت سيستغرقان، و البعض الاخر قرفص بالقرب من الغرفة يسترق السمع. لا شيء سوى الصمت. مرت دقائق وأنصاف ساعات ثم ساعات من الصمت والإنتظار. العجائز بدأن يتغامزن من الخوف، وابتسامات صفراء من أهل العروس تتملق كسر القلق. كنت أنا الطفلة الشقية التي لا تحب أن يفوتها شيء، خصوصا إن كانت من ينتظرها الجميع هي شقيقتي، كان يجب أن أعلم مالذي يحصل بالداخل. أخطط كيف يمكنني رؤية ما يعجز الاخرون عن رؤيته؟ كيف يمكنني ذلك والغرفة محكمة الإغلاق؟ فجأة تذكرت شباك التهوية الصغير أعلى الجدار الخلفي للغرفة، بحثت عن كراس وأشياء أصعد فوقها، وفي غفلة من الجميع تسللت. بمشقة وحماسة، استطعت الصعود وحشر عيني بنهم، شعرت أنني تمثال من الجليد بعدما وقعت عيناي عليهما، انتفضت من عز رعشتي الباردة وقفزت مسرعة إلى أمي: - أمي أمي أمي ... - ماذا هناك؟ مابك تلهثين ووجهك أصفر وكأنك رأيت شبحا؟ - رأيت... رأيتهما... - ماذا رأيتِ؟ - أقسمي أولا انك لن تضربيني - تكلمي وإلا صفعتك حالا ماذا رأيتِ أيتها العافية الحمراء؟ - العروسان... سحبتني أمي بغضب وخوف إليها - يا ويلي شششششش إخرسي يا العافية سوف تفضحيننا اخفضي صوتك وأخبريني ما بال العروسين وكيف رأيتهما ؟ - العروسان يا أمي ن... نائمان. - ياويلي يا ويلي، نائمان ؟؟؟؟ وهل هذا وقت النوم ؟ أسرعت أمي بلهفة نحو الشباك الصغير، بعد أن أوصتني بحراسة المكان، حشرت وجهها بصعوبة حتى أصبح داخل الغرفة منادية شقيقتي بصوت حفيفي: - استيقظي يا بنت المفضوحة، استيقظي يا شماتتة البنات، استيقضي يا سبب جنوني... استيقظت العروس وقالت ببرود يتتاءب في وجه أمها الأصفر: ليس الان يا أمي كان نهاري طويلا وأنا متعبة سنفعل ذلك غدا..- - القرية كلها تنتظر وأنتما نائمان؟؟ خرجو ليا الدم ...خرجو ليا الدم يا ....وإلا ذبحتك وجعلت من دمك ماء وجهي. نهضت العروس بقميص نومها الأسود، أخدت إبرة ووخزت سبابتها ثم مسحتها "بالثوب الأبيض". فتحت باب الغرفة و رمت الثوب بطرف أصابعها ثم عادت لنومها. انفجرت حناجر وطبول وتعاريج مدوية: "الصباح صباح ماليه الملحة والستر عليه" "السروال سلالة من العمة للخالة" قفزت أمي من مكانها نحو ضجيج الفرحة، تفاجأت بالكل يرقصون بلا عقل ، الكل يزغرد، فراحت ترقص وتزغرد هي الأخرى باندهاش. ارتفع فخدان من السكر فوق صينية نحاسية، نشر عليهما دم سيتسخ كالعادة بغبار دروب الحي.