يشهد فصل الصيف من كل سنة، تنظيم المهرجانات الثقافية والفنية في مختلف ربوع المملكة، وذلك في إطار التوجه الرسمي الذي نسج أولى خطواته منذ ستينيات القرن الماضي، ويراد، من خلال ما يسوقه النظام الرسمي كهدف كبير معلن، اتخاذ هذه التظاهرات كآليات لاحتواء التطرف بشتى دروبه وتجنيب الشباب المغربي الوقوع فريسة سهلة بين أحضان الإيديولوجيات الهدامة. وقد اتخذ هذا التوجه طابع ''السياسية الرسمية للدولة''، وتوسع بشكل كبير على خلفية أحداث 16 ماي 2003، لتصبح المهرجانات الوطنية منها والدولية من بين الانشغالات التي تولي لها وزارة الثقافة اهتماما كبيرا بتعاون مع السلطات المحلية ومختلف المتدخلين من جمعيات وشركات ومؤسسات والمجتمع المدني. وتروم المهرجانات في شقها البراغماتي، استثمار خصوصيات كل جهة جغرافيا وثقافيا وتثمين الموروث التاريخي والعمل على الحفاظ على العادات والتقاليد وإحياء الممارسات الثقافية التي تعاني من الإهمال والتي تتعرض للانقراض بفعل عوامل ذاتية وأخرى مرتبطة بالشروط السوسيوثقافية التي ترزح تحت ضغط العولمة وظاهرة التثاقف الغير المتكافئ بين العناصر الثقافية المحلية في مواجهة الثقافات الوافدة. وبدورها تندرج المهرجانات الثقافية الأمازيغية الأطلسية في هذا الإطار، حيث تبحث عن شرعيتها في توجيه بوصلة اهتمامها نحو ''تعزيز الموروث الثقافي الأمازيغي المحلي'' وانفتاح على خصوصيات وطنية من مناطق أخرى، وقد تبلورت هذه الفلسفة التي أرادها القائمون على تنظيم المهرجانات أن تكون جامعة ومنسجمة مع التوجهات العامة للمملكة في تدبير التعدد الهوياتي واللغوي والثقافي الوطني. لكن الظروف التي تمر فيها هذه التظاهرات تطرح عدة تساؤلات حول ''الصورة'' الحقيقية والانطباعات التي ترسمها حول ''الأمازيغية ثقافة وهوية ولغة''، ولا تسلم كذلك من انتقادات عدة يتهم فيها المنظمون بالعمل، عن وعي أو عن غير وعي، بتكريس تلك الصورة النمطية حول الثقافة الأمازيغية عن طريق حصرها في فلكلور وأهازيج كما يقوم بذلك الإعلام الرسمي والقناة الأمازيغية الوحيدة بالخصوص، هذه الانتقادات تتعزز في غالب الأحيان بالأنشطة المبرمجة في المهرجان، حيث تحضر بشكل كبير، الفرجة الشعبية وتغيب المقاربة الفكرية التوعوية، إذ يتم التركيز على برمجة الفرق الغنائية التي تنفرد بحصة الأسد في البرنامج العام، بينما يتم تجاهل الأنشطة المرتبطة بالندوات الفكرية التثقيفية حول الأمازيغية والتوعية بالهوية والتاريخ المغربي. تعتبر المهرجانات كذلك، كما يرى مهتمين، وسيلة أخرى لتسطيح الوعي العام وتحويل اهتمامات المجتمع من التركيز على القضايا المهمة والجدية التي تهم مباشرة المعيش اليومي والمصلحة العامة، إلى تصريف الاهتمامات في الرقص والغناء والأمور الهامشية، بعبارة أدق، تنظيم المهرجانات هو في أخر المطاف تنفيس عن هموم المجتمع واحتوائها وتحوير للتوجهات العامة للمواطنين. وتتناغم الخلفيات التي بنت عليها الدولة سياسة المهرجانات مع مصالح المسؤولين المحليين. وتجد هذه الفرضية ضالتها في الحماس المنقطع النظير الذي يعتلي رؤساء الجماعات وأعضاء المجالس الجماعية في التنافس لتنظيم هذه التظاهرات الفنية التي تستغل في أغلب الأحيان للدعاية الانتخابية وضمان ولاء المنتخبين وتلميع صورة السياسة المحلية التي ينتهجونها في تدبير الشأن العام، ولهذا نجد أن الكثير من الفرق الغنائية تمرر رسائل مشفرة مدحية وفي أحيان كثيرة تنغمس في الثناء والدعاية المجانية لأشخاص بعينهم. وقد أدت هذه التصرفات المنافية لروح الفن من جهة، والبعيدة عن الأهداف النبيلة للمهرجانات من جهة أخرى، إلى تكوين رأي عام ينظر بعين الريبة الرفض، خاصة وأن ميزانيات ضخمة تصرف في أمور هامشية ولا تمثل الأولويات التي تؤرق الساكنة المحلية من خدمات أساسية كالصحة والطرق والنظافة وتبليط الأزقة. ومهما يكن، فإن وجود مؤاخذات لا يعني أن المهرجانات الثقافية الأمازيغية تخلو من جوانب إيجابية مهمة أو ليست لها قيمة مضافة على عدة أصعدة. فلا شك أن التأثير الإيجابي للمهرجانات يتجلى على الخصوص في تحريك عجلة الاقتصاد وخلق رواج موسمي ينتظره، بفارغ الصبر، كل من التجار والحرفيين ومختلف الفاعلين الاقتصاديين، تمتد ايجابياته إلى عدة أنشطة موسمية ترافق أيام تنظيم هذه التظاهرات. كما أن المهرجانات الثقافية الأمازيغية في الأطلس تشكل، بالنسبة للعديد من الفرق المحلية، فرصة مواتية للظهور وتصريف المواهب وتجديد اللقاء مع الجمهور. من جهتهم، يرجع المهتمون والباحثون الفضل الكبير إلى المهرجانات في إنقاذ العديد من الخصوصيات الفنية المحلية وإعادة أحياء وبث الحيوية في عادات وتقاليد وموروثات تقليدية كادت أن تنقرض. فمع بداية الألفية الثالثة بدأ عدد فرق أحيدوس في التناقص وخف الاهتمام بها وتوقف التشبيب والتجديد وبث الدم في شرايين هذا الفن الأصيل، لكن مع بداية ''تنظيم المهرجانات'' تأثر وعادت إليه الحياة من جديد، وتزايد الاهتمام به وعاد الشباب ليتصالح مع موروثه الثقافي الأصيل. الأمر ذاته ينطبق على التبوريدة(تافراوت بالأمازيغية)، فقد تناقص عدد المهتمين وانخفض بشكل مهول عدد الفرسان وقام الكثيرون بالتخلي عن الأحصنة في غياب دعم ومساندة رسمية، لكن توقف هذا النزيف الثقافي مع ظهور مهرجانات محلية جعلت من أنشطة الفروسية وفن أحيدوس أهم محاور في برنامجها.