" لا شيء يسلبنا المشاعر سوى عبودية الخوف والجهل والآخر المفترس" الموجة الأولى رؤى مبهمة تسطو على هذا الصباح البغيض، وجوه تتقمص الإنسان، يسعل الجار بالجنب ويخطو بخطى العمل الوئيدة لاعنا الأحياء والأموات، تتلصص زوجته من شقوق النافذة، تقتفي أثره وتعود إلى فطورها بشهية حيوانية، تلعنه هي الأخرى بصوت هامس، لاتسمعه سوى والدتي : " آش من نهار نتفك منك أعيفة الرجال!؟ " لاهم لنا في هذه الدنيا الفانية سوى بطوننا وفروجنا. الجار بالقرب يمسح دراجته بنوع من السعادة، يتفرس ملامحها بين الفينة والأخرى، يمسح بمنديله الأصفر المهترئ، يسوي السرج المثلث من الأمام، يبدو أن له مؤخرة من حديد، أو به شيء لا يعلمه إلا هذا السرج الذي يؤدي دوره في صمت مريب. قد تجدني في رأس الدرب، فأنا جارك حتما لكن لست بجارك بالجنب ولاالآخر بالقرب، قد أكون جارك الذي لم يأت بعد. الموجة الثانية زعيق والدتي يهتز له البيت، العطالة والبطالة هي أهم ما أنجبت...الجارة الشهوانية هذه المرة هي من تسترق السمع لتملأ جرابها من الحكايا، فتستمر مسرحية الحكي والنكاية بينهما على مشارف كؤوس الشاي العصرونية. يقول والدي : " النسوة أخوات الشياطين ". مات دون أن يجني ثمار أصيافنا... كان رجلا شريفا لايملك دراجة هوائية...أقذف الصينية بكل ما أوتيت من قوة برجلي اليسرى، يتناهى صوتي الأخن إلى جارنا بالجنب والآخر بالقرب : "متى يعول على من يفطر بالخبز والشاي أن يكون رجلا!؟ " الموجة الثالثة سأنتظرك فأنا أبو الانتظار... كل الكراسي تعرفني سواء في رأس الدرب أو أركان المقهى، أريد أن أرتاح وأريحكم من خلقتي، وأفر من عيونكم الجائعة لفشلي، أحاول أن أكتب القصة الأخيرة دون أن أكون السارد والبطل في نفس الوقت، كلنا أبطال لأننا كائنات تتشابه، من يقول إنك تشبه خالك ؟ خالك هو من يشبهك لأنك أول من جلس في الطريق ينتظر : اكتب. ماأنا بكاتب. اكتب أيها القواد لتستفز الأشياء. ومتى كانت القوادة تستفز الأشياء؟ أقصد القصة. عن أي قصة تتحدث؟ عن قصة الانتظار... انتظر ولاتسرع... فأنت أبو الانتظار. الموجة الرابعة الكأس الوحيد الذي يحتضر بين الرتابة وقطران بلادي، يأخذ منك قبلات مبتزة، رائحة فمك الكريهة ترسم خيوطا خائفة على كل جوانبه، إذا أردت أن تتأكد من زينتك فارفعه في مجرى الأشعة. إني أكره هذا النادل كما أكره الرائحة التي بين أسناني، كلانا يرغب في أن يمحو الآخر من الوجود. إن هذا المكان جنتي الوحيدة التي أقتل فيه الوقت والأشياء، أنت سجان أحلامي أيها النادل المخبر، وسأقتلك في يوم من الأيام إذا كانت لك رغبة في ذلك. الموجة الخامسة ساعي البريد يحمل الأماني الضائعة، كتب بالجملة، هذه المرة ديوان شعري لصديقتي الجميلة، تعلم أنني أشتهيها افتراضيا فتنساق لهذه اللعبة السخيفة بسذاجة مفتعلة، يذوب جسمها البلوري وسط قصائدها الركيكة، أحكم أحكاما انطلاقا من وضعي البائس، قد أكون قاضي النار لأنني أعلم الحق وأحيد عنه ومع ذلك فهي جميلة، وليست كل القصائد وحدها من تلهم الوحدة والجمال، بل حتى الأجساد البلورية هناك في بلد تنمو فيه أشجار خصية. أوقع لساعي البريد إشعار التسليم، لايترك سوى غبار طفطافته الصدئة وديوان أتلقف صفحاته وسرعان ما أعود إلى الصورة، فهي الوحيدة التي تستأهل القراءة. الموجة السادسة تتلذذ بخرافتك وتحاول أن تجد لأحلامك مكانا ورديا، تزعق والدتي من جديد : " سيقطعون الإنارة ". ومتى كانت لنا إنارة!؟ اللعنة عليك يا أديسون، كل الكائنات تمور بالظلام، شموع أعمارنا هي الوحيدة القادرة على سرد الفضائح والولولات وتعتعة النشوى وهذيان السياسة القذر ومحاصرة الشعوب المستضعفة، الآلاف يموتون يوميا في معارك الاستقلال الجديد ... عن أي استقلال تتحدث والإنارة مقطوعة!؟..... الموجة السابعة تولول جارتنا زبيدة : " المسكين جن من فرط قراءة الكتب، الله يسترنا في الدنيا والآخرة ". أحدجها بنظرة جبارة، تهمهم والدتي بأدعيتها التي تتصدى لعين بني آدم، تعد الموجات، فنغطس جميعا في الموجة السابعة التي تأتي على السحر والعين والإنسان والأشياء. بقلم : هشام ناجح