مرة أخرى تحدى أعضاء من جمعية أمغار للثقافة والتنمية بخنيفرة وبعض منخرطيها، التساقطات المطرية التي تهاطلت صباح يوم الأحد 17 نونبر 2013 و تنقلوا إلى موقع معركة لهري على بعد 12 كلمترا من مدينة خنيفرة للاحتفاء بذكراها 99 . وتندرج هذه الزيارة حسب المنظمين ضمن الأنشطة الثقافية المتنوعة التي تقوم بها الجمعية منذ تأسيسها، وتأتي في إطار رد الاعتبار للذاكرة المحلية والاعتراف بالتضحيات الجسيمة لرجال ونساء منطقة خنيفرة في مقاومة الاستعمار والدفاع عن حرمة الوطن، وعبرهم تمجيد كل رموز التحرر على المستوى الوطني والدولي. انطلقت الرحلة من مدينة خنيفرة حوالي العاشرة صباحا. ورغم تهاطل الأمطار أصر أعضاء الجمعية على مواجهة البرد القارس والتنقل في سيارات خاصة ليكونوا في الموعد مع التاريخ. ناهز عدد المشاركين عشرين فردا من مختلف الأعمار، ضمنهم أعضاء من الجمعية وبعض المنخرطين و المتعاطفين. كما حضر الدكتور مصطفى القادري من الرباط خصيصا لحضور الزيارة رفقة أستاذة جامعية فرنسية تدرس بالرباط ومناضلة أمازيغية أخرى ساهمت بشكل إيجابي في النقاش وأغنته بملاحظاتها واستفساراتها، كما التحق وفد ممثل للاختيار الأمازيغي من مدينة مكناس يضم الأساتذة: محمد أجعجاع و يوسف عكوري و ميمون إغراز و امحند ميموني وفوكيك ابراهيم . لم ينتظر الأستاذ علي خداوي طويلا لكي يبدأ في سرد الأحداث التي عرفتها منطقة خنيفرة بعد وصول المستعمر الفرنسي إليها، وهو الباحث في تاريخها و العارف لأدق تفاصيله، سواء من خلال الحوارات التي أجراها مع من عاصروا تلك الفترة منذ ثمانينيات القرن العشرين، أو من خلال دراسته للأشعار الأمازيغية التي تغنت بالمقاومة، وكذلك من خلال قراءاته لكتابات المؤرخين المغاربة والأجانب. و شرع في توضيح حيثيات المعركة والطريقة التي نجا بها القائد موحى أحمو الزياني من أيدي المستعمر الفرنسي وكيف عاد ليباغتهم و يهاجمهم منذ بداية انسحابهم من موقع المعركة. وأوضح أن المعارك تواصلت إلى مشارف مدينة خنيفرة قرب واد بوزقور و ذلك يوم 13 نونبر من سنة 1914. ضمن الأستاذ خداوي توضيحاته الكثير من الأشعار الأمازيغية التي قيلت حول المعركة بالإضافة إلى معطيات تاريخية أخرى هامة ودقيقة. تناول الكلمة بعده الأستاذ محمد زروال عضو جمعية أمغار، وحاول في بداية مداخلته وضع المشاركين في الزيارة ضمن السياق العام للرحلة و أشار إلى أن الجمعية عاقدة العزم على الاشتغال على تاريخ المنطقة بطريقة أكثر فعالية تخالف الطريقة الرسمية التي تنظم الندوات في الصالونات المكيفة وتصرف الملايين على الولائم والأمسيات و استقبال ضيوف المركز. وانتقل في ما بعد ليضع المشاركين في سياق الظاهرة الاستعمارية من خلال العودة إلى بداية القرن التاسع عشر لتوضيح كيفية انتقال الدول الأوربية من دول منغلقة على نفسها خلال العصر الوسيط إلى دول تقود التوسع الامبريالي. هذا الأخير أفرزته التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية التي عرفتها بلدان أوربا الغربية بالخصوص. وواصل رصده لتطور الظاهرة الاستعمارية إلى بداية القرن العشرين حيث بدأت التسويات الترابية والتحالفات بين الدول الأوربية، وكل دولة حددت مكان نفوذها، ليصل إلى مسألة هامة تتعلق بسرعة تحرك الفرنسيين بدءا من الدارالبيضاء في اتجاه جبال الأطلس، مقابل بطء تحركهم بين أوديتها ومنحدراتها، وأكد على أن المقاومة الأمازيغية كانت شرسة في الجبال، وهو ما أرغم الفرنسيين على مراجعة خططهم كل مرة لمواجهة القبائل الأمازيغية التي كانت متعودة على القتال حتى قبل دخول الفرنسيين. ولكي يكون النقاش موسعا و يلامس مختلف أبعاد هذه الواقعة التاريخية، و يكون الكل على علم بمختلف الروايات التاريخية المرتبطة بها، توقف الأستاذ سعداني التيجاني، عضو جمعية أمغار، عند الكثير من التفاصيل التي تضمنتها كتابات الفرنسيين المشاركين في المعركة الذين سجلوا مذكراتهم وضمنوها الكثير من التفاصيل التي لا شك وأنها غابت أو شوهت في روايات أخرى. وقد علق الأستاذ علي خداوي بدوره على الرواية التي يقدمها الأرشيف الفرنسي مشيرا إلى تعمد بعض الفرنسيين الإساءة للقبائل الأمازيغية، وأضاف أن مصادرهم في تلك الفترة كان مشكوكا فيها. تحدث الأستاذ التيجاني بدقة عن مراحل العمليات العسكرية كما روتها الكتابات الفرنسية و أهم محطات معركة لهري سواء ما يتعلق بزمن الأحداث أو القبائل المشاركة أو طريقة التواصل بينها و تنظيم الهجومات على العدو. في النهاية أعطيت الكلمة للأستاذ عبد الكريم لمسلم وهو أيضا عضو جمعية أمغار، كما أنه حفيد أحد المستشهدين في المعركة. وقد وركز في حديثه على الرواية الشفوية بمنطقة خنيفرة و تحدث بإسهاب عن جغرافية المنطقة وتشكيلتها القبلية من خلال سرده لأسماء القبائل وأسماء الأماكن، وعاد بالحاضرين إلى شخصية موحى أحمو الزياني و كشف عن عدة أمور مجهولة في شخصيته وعلاقته مع المخزن، حيث أكد أن موحى أحمو كان صاحب مشروع سياسي. وفسر الأستاذ لمسلم الزواج المتعدد لموحى أحمو برغبته في كسب ود أكبر عدد من القبائل وهذا ما جعله مثلا يتزوج من حاحا. استشهد الأستاذ عبد الكريم لمسلم أيضا بمضامين بعض الكتابات التاريخية التي ألفت حول معركة لهري، وتحدث عن قبائل زيان وجغرافيتهم وعاداتهم وقيمهم الأمازيغية. و للإشارة فقد أحضر معه فردا من بلغة جده الذي توفي في تلك المعركة. طيلة ساعتين من الزمن قاوم المشاركون في الرحلة البرد القارس بالقرب من ثانوية 13 نونبر الإعدادية. وبعدها تنقلوا إلى " العلامة " وهو مكان معروف قرب مدينة خنيفرة يطل عليها من الجهة الجنوبية الشرقية. وأشار الدكتور مصطفى القادري في تدخله أن الفرنسيين قد وضعوا تلك العلامة لتخليد معاركهم، لكنه استغرب طريقة تدخل المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير لإزالة لوحة وضعها الفرنسيون وتعويضها بلوحة أخرى تتضمن أسماء بعض المستشهدين في المعركة، وعلق الأستاذ ميمون إغراز على التهميش الذي طال أسماء الشهداء حيث أن لائحة أسمائهم في اللوحة الرخامية تصعب قراءتها. واستنكر بشدة ذلك الإهمال الذي طال أسماء من قدموا حياتهم من أجل حرية هذا الوطن، ولم يضمن لهم المسؤولون ما يليق بتضحياتهم. انتهت الزيارة الثقافية وأمل كل الحاضرين في غد أفضل، تنصف فيه ذاكرة المقاومة الأمازيغية في منطقة خنيفرة وباقي المناطق الأخرى وذلك بالعمل على بناء تنمية حقيقية تضمن العيش الكريم للمواطنين. ولم يفت المشاركون الفرصة للمطالبة بضرورة إنصاف أعلام المنطقة من خلال تسمية المؤسسات العمومية و الشوارع و الأزقة بأسمائهم و إنتاج أعمال سينمائية وتلفزيونية حول حياتهم و بطولاتهم.