في معنى المخزن : تعددت تعاريف المخزن بتعدد الباحثين إلا أنها تتفق على أن الاسم انتقل من ما معناه بيت مال الأمة المسلمة خلال العصرالعباسي إلى "خزينة المغرب" مع استقلاله عن الشرق تم اصبح يستخدم للدلالة على السلطة المرتبطة بالزوايا و القبيلة ، ليصبح تنظيمات ادارية خلال العهد السعدي وهناك اشارات عديدة إلى ظهور المفهوم عند الاغالبة وقت الإحتفاظ بالضرائب حتى تسليمها إلى السلطة المركزية ، تطور مفهومه عند البيدق الذي دكر لأول مرة المفهوم تحت اسم " عبيد المخزن " لتتوالى التعريفات. فهناك من يعتبره زاوية مصغرة السلطان هو ولي فيها. ومن يعتبرها المؤسسة التي تستمد سلطتها مباشرة من الله . ارتبط المفهوم بالتجارة خاصة مع الإحتكاك بالعثمانيين حيت اقتبست العديد من هياكل المخزن . وأصبح يعني مجموع هياكل الدولة خلال عهد احمد المنصور الذهبي بفعل التهديدين العثماني و الأروبي أما الاستعمال الرسمي للكلمة كدلالة على مجموع هياكل الدولة بدأ خلال القرن 19 م وفق ماذهب إليه عبد الله العروي . وهكذا تبرز تعريفات تفصيلية أكثر من قبيل التعريف الذي يعتبر المخزن: مكانيزم / اداة وراثية تهيمن على السلطة وتحتكرها، عبر تراتبية بيروقراطية(الوزراء، العلماء، الامناء، الاعيان، القياد، الارستقراطية الحضرية و الريفية، الشرفاء، الجهاز العسكري، الحراس والخدام.)وهونفس السياق الذي يسير فيه جاء فيه القول بأن المخزن هو مؤسسة سياسية يمارس الحكم عبرها و هو نظام اجتماعي و سياسي يمثله السلطان و الجيش و الموظفين الذين يتقاضون أجرا من خزينة السلطان ، واستنادا لتحليل الباحث محمد المنصور فقد اشتملت الخدمة المخزنية أساسا على موظفي «دار المخزن» من خدم (المساخرية)، وأعضاء الحناطي (الذين يسهرون على احتياجات السلطان عندما ينتقل من مكان إلى آخر)، والمشاورية (الذين يشكلون دائرة السلطان في حياته اليومية)، كما تضم الجهاز الادري بكتابه (الطلبة) وموظفيه، والجهاز العسكري بفصائله التقليدية اما اشهر تعريفاته فنوردها على لسان المؤرخ ، ورجل المخزن و الباحث الاجنبي و المغربي في التاريخ على التوالي المؤرخ الناصري: يجسد المخزن في شخص السلطان ويعتبره محورا رئيسيا للنظام المخزني يضطرب كلما غاب مؤقتا أو دائما . لقد وقف الناصري من المخزن موقف الفقيه الناقد ويبدي موقفه الخاص من وجهة نظر المخزن أنه المدافع عنه من فقهاء الفترة ،إنه كاتب مخزني يسكنه فقيه . باحماد (احمد بن موسى) حاجب السلطان عبد العزيز: المخزن خيمة كبيرة دعامتها هو السلطان وأوتادها التي تحيط بها هم رجال السلطة " ميشوبلير: هذا المفهوم الدي استعمل لأول مرة بشمال إفريقيا خلال القرن 2ه 8 ميلادي لنعت صندوق حديدي كان إبراهيم الأغلب أمير إفريقية يخزن فيه مجموع أمواله، بغية توجيهها إلى الخليفة العباسي ببغداد. الطيب بياض)باحث في التاريخ) :المخزن هو شكل الحكم وهيكله وألياته، ظهرت نواته الأولى في وقت مبكر من تاريخ المغرب، وتفاعلت مع مختلف المكونات السسيوثقافية والسياسية للبلاد، فعملت هذه الأخيرة على استنبات وافراز باقي العناصر المهيكلة له حسب ما أملته شروط التطور التاريخي، وما اقتضته من استجابة متفاعلة مع المتغيرات الطارئة التي تفرض الإقحام وتطعيم الإصلاح والترميم بتوظيف المباح والمتاح للتحكم في البلاد وساكنتها . وعموما يبقى المخزن مفهوما زئبقيا يصعب ايجاد تعريف قار له بفعل التداخل بين ماهو ديني/سياسي وعسكري/ مدني مما يجعل من المغامرة الحديث عن الدولة / المخزن ويكمن الحديث بالمقابل عن سلطة مركزية تطور أصل ووظيفة المخزن : * مخزن القبيلة : لمصطلح المخزن اصول قبلية كمخازن القبيلة الجماعية ، وهو ناتج عن صراع القبائل الذي يؤدي إلى قيام سلطة يمارسها المخزن القبلي .( مخزن مصمودي ،زناتي/ مرابطي /موحدي / مريني . ومثل ذلك المرابطون والموحدون الذين انطلقو من رباطات تطلع شيوخها إلى السلطة ، فخلقو تنظيمات إدارية مخزنية مصالح القبيلة التي تهدف إلى السيطرة على كل القبائل متعددة الامر الذي يجعلها تهدف إلى تحقيق استقلالها الأزلي من خلال التمخزن . *مخزن الزاوية : حيث شكلت مسألة الشرف عنصرا أساسيا وضروريا لقيام الزوايا وتطورها وانتشار فروعها داخل بقاع المغرب كما هو الحال بالنسبة لزوايا الأدارسة والدلائيين و السعديين حيث ظلت علاقة المخزن مع الزوايا علاقة جدلية، لأن المخزن لا غنى له عن الشرعية الدينية. والزوايا لا يمكنها العيش بمعزل عن الإحتكاك بالدولة فكانت الزاوية في نظر الساكنة مقابلا للمخزن ، وكانت في نظر المخزن بديلا له في المنطقة أما موقفها من المخزن فكان مزدوجا، فمن جهة يجب طاعته باعتباره خليفة الله في الأرض، ومن جهة اخرى يجب التمرد عليه وبلورة جبهة سياسية لمعارضته . *المخزن الشريفي : جسده مجموع هياكل الدولة مع السلطتين " الشريفتين " السعدية و العلوية حيث تمت تزكية مفهوم المخزن كضام للوحدة في ظل وجود طرفين متنافرين احيانا هما القبيلة و الزاوية ،ويوكد جرمان ياش بأنه نظام تعايش . يؤكد محمد المنصور بأن القبيلة خلال هاته المرحلة شكلت إطار اجتماعي ملائم للإنتاج من ناحية، ولدرء الخطر الخارجي عند غياب الاستقرار وتأرجح المخزن بين القوة والضعف من ناحية أخرى. فالبنية القبلية كانت المؤطرة للسكان توفر لها أداة إدارية وسيطة بينها وبينهم في كل ما يتعلق بمستحقات الدولة (الخدمة العسكرية والجباية). حضور المخزن يشير الدكتور محمد جادور إلى أن حضور المخزن نوعان : *الحضور المادي : يتجلى في الجيش والإدارة اللذان يعتبران أن من أولوياتهما جمع الضرائب وإرساء الأمن، والهدف هو خلق توازن بين المجتمع أو الرعية والسلطان، وكلما حدث خلل في هذا التوازن عبر انعدام الأمن والامتناع عن أداء الضرائب إلا وأصبح تدخل الجيش والإدارة من أولى الضروريات . كما شكلت المصاهرة وسيلة من وسائل تعزيز المكانة الاجتماعية التي تخول لصاحبها تسلق الوظائف المخزنية لأن الفكر السائد عند العامة هو أن اصحاب المخزن يترقون في المراتب و الإقتراب منه يعني الرفاهية والهيبة . *الحضور الرمزي: في الأعياد الدينية وسلطة الكرم، والأعلام والشارات حيث يعتبر الكرم من بين السلوكات التي اعتمدها السلطان لإبراز حضوره الرمزي البناء ايضا اهم الشارات الرسمية والتقليدية للحضور الرمزي لأي نظام سياسي، فهو حجر الزاوية في تسجيل حضوره والتعبير عن سلطته باعتباره قوة كبرى يتم من خلالها استحضار العظمة، وفرض الهيبة وهو الامر الذي يفسر ارتعاد حتى الفئة المقربة من المخزن كلما تم استدعاؤهم لداره وفق مايورده الناصري . الممارسة المخزنية بين الإستمرار و التقليد تراجعت هيبة المخزن خلال عهد السلطان سليمان نتيجة إعادة مناقشة مفهوم البيعة واسترجع عبد الرحمان بن هششام بعضها ، لتعاود التراجع بعد ايسلي وتطون وبدات مرحلة التجديد خلال العهد الإستعماري بفعل تغير الخريطة السياسية لشمال افريقيا . حيث انتقل المخزن من مبدأ "التقليد" و الإستمرار إلى مبدأ " التجديد" نتيجة الإحتكاك مع الاروبيين . إعتبر أحمد المنصور الذهبي الأرضية الصلبة التي تأسس عليها مفهوم المخزن بفعل استقرار الجبهة الداخلية و الخارجية بعد وادي المخازن ، اصبح المغرب ملزما بتجديد هياكل المخزن بعد ايسلي وتطوان اما سبب ضعف بنيات المخزن فيرجعه علي المحمدي إلى تقلبات المناخ بحكم ان أغلبية الضرائب ارتبطت بالنشاط الفلاحي إلى جانب غرامات حربي اسلي وتطوان وتكاثر عدد المحميين الفارين من دفع الضرائب .الامر الذي فرض مساهمات المحكومين في تقوية المخزن المراقب من خلال الضرائب الشرعية وغير الشرعية خاصة التويزة (استثمار الأراضي المخزنية) من خلال توزيعها على القبائل مع احتفاظهم بنصيب من ارباحها إلا أن الخلل تجلى في جمع الضرائب من خلال أعفاء مجموعة من موظفي المخزن من دفعها بالإضافة إلى الأعيان الامر الذي يساهم في نقص المداخيل .وبدون المخزن لاحديث عن التجارة . لذا نجد مخزن القرن 19 ركز على التجديد الثقافي من خلال المطبعة الحجرية و التركيز على المطبوعات الدينية مند عهد محمد الرابع ، والتكوين العلمي من خلال إنشاء معاهد ملكية وارسال بعثات طلابية إلى الخارج . ولتصحيح الإختلالات المالية احتكر وظبط المخزن دور السكة واستعان بالإروبين لضبطها للتخفيف من حدة التزوير الذي عرفته. لكنها بالمقبل تعرضت للأكتناز و المساومة بالريال الإسباني والتهريب . الخلاصة أن الأنساق التقليدية للمخزن بقيت هي : البيعة ، ضبط الأمن ، الحركات ، وجمع الضرائب بنوعيها الشرعية وغير الشرعية .ولاية العرش ، أزمات العرش و التجيد فرضته التطورات الأروبية لجعلها تحت امرتها فيما بعد . المخزن القهري من خلال الظاهرة "القايدلية" و"الإقطاع" : يشدد محمد جادور على أن المشروعية في الحكم هي التي تجعل من الحكم القهري أمرا مقبولا أو مرغوبا فيه وفقا لتصور إمام جائر خير من فتنة في البلاد وشكل الانتقال السياسي في المغرب من سلطان إلى سلطان أو من سلالة إلى أخرى أبرز عقبة اعترضت بناء قواعد دولة حديثة بالمغرب وتجلت هذه العقبة أو العقبات في الثورات والتمرات فقسمت المغرب إلى " بلاد المخزن" و"بلاد السيبة" حسب روبرت مونطاني .وهكذا تعاظم نفوذ فئة "القواد" التي قسمها الهادي الهروي إلى قسمين : *قواد صغار:وهم جماعة من خدام المخزن كالقائد احمد الريسوني في الريف و محمد بن بني احساين في الغرب والمصدق العوني في دكالة والقايد عيسى بن عمر في عبدة. *قواد كبار خاصة بالجنوب المغربي كالتهامي الكلاوي ، والطيب الكوندافي ،عبد المالك المتوكي وتميزوا باعتمادهم العنف والنهب في تكوين الملكيات العقارية الفردي واستغلال اضطراب الوسط الاجتماعي وبالتالي ظهور روابط التبعية والولاء لهم . تجلى ذلك بوضوح من خلال تواجد الغلمان والجواري في قصر القائد وممارسة البذخ والترف. ويشير الطيب بياض إلى أن العقلية الكانزة للقواد و الباشوات والجباة خوفا من المصادرة ساهمت في تعميق الازمة المالية للمغرب وبالتالي فرض ضرائب غير شرعية على السكان وهكذا وبالرغم من اختلاف الفترة الزمنية، فهناك بعض المؤشرات المتشابهة بين طبقة قواد المغرب الحديث ونبلاء اروبا الإقطاعية من خلال تعدد انواع الاقطاع الذي كان مصدرا رئيسيا للصراع بين المخزن والقبيلة والإقطاع وفق الباحث الهادي الهروي أنواع : إقطاع نخبوي: يتميز بالطابع المدني: ابرزها؛ اقطاعات السلطان،اقطاعات القرابة الامبراطورية، و اقطاعات موظفي القصر(نموذج باحماد)، ثم اقطاعات الجيش...، إقطاع ثيولوجي: يكتسي صبغة دينية كالإقطاع الذي يقدم لجماعات الشرفاء / الزوايا / المرابطين مقابل دورهم الايديولوجي الديني لتبرير الحكم السائد والدفاع عنه، كمؤسسة او نسق معقول مفوض من الاله. اقطاع العائلات الكبيرة : اقطاع الدار الكبيرة أو البيوتات الكبرى بالمدن الكبرى على وجه الخصوص . الاقطاع التجاري و احتكار الاسواق: احتكار التجارة في بعض المواد كالحبوب والمواشي والخمور والجلود و الكيف. وخلاصة القول أن المخزن كمصطلح مغربي خالص لازال بحاجة إلى المزيد من الدراسة و التمحيص لتحديد الثابت والمتحول في أصله وطبيعته وأدواره في ماضي وحاضر المغاربة خصوصا وأن الكلمة يحمل اليوم تحمل دلالات سلبية ثقيلة خاصة على صدر صفحات الصحف المستقلة . ملاحظة : المقال هو في الأصل قراءة تركيبية لمجوعة من العروض التي انجزها طلبة ماستر التاريخ التاريخ المغاربي المقارن الحديث والمعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية باليقنيطرة برسم الموسم الداراسي 2012 2013 من خلال قراءات في العديد من الكتب التي تناولت موضوع المخزن من جوانب مختلفة (سياسية، سوسيولوجية، اقتصادية...)