لن نكون مجحفين في حقه إذا قلنا بأن المصير الذي لاقاه القذافي هو من بحث عنه وسعى إليه ، وأن الكيفية التي قبض عليه بها وتصفيته بتلك الطريقة كانت متوقعة و منطقية بالنظر إلى ما اقترفه في حق الشعب الليبي و ما زرعه من مركبات الحنق و الكراهية و العنف في نفوس معارضيه و الثائرين عليه طيلة فترة حكمه بسبب ديكتاتوريته وطغيانه و قتله وهلم جرا من حماقاته التي لا تعد ولا تحصى . فالقذافي حصد ما زرعت يداه، ولو كان قدم خيرا لنفسه وشعبه لوجده حاضرا ولكن تلك سنة الله فيمن خلا من قبله من الطغاة ، يطمس على أبصارهم و بصائرهم فيهوون نحو الجرف السحيق كما فعل القذافي بإجرامه و تكبره و سفاهة رأيه و لسانه فأتاه أمر الله من حيث لم يحتسب ، ولو كان تنحى عن السلطة في الوقت المناسب وترك للشعب أمر تقرير مصيره وقيادة بلده ، لكان جنب ليبيا الدمار الذي لحقها ولكان جنب نفسه تلك النهاية المأساوية ، ولكن أبت حماقته ذلك و أبت حكمة الله إلا أن يضرب به المثل حيا وميتا جزاء ظلمه وخروجه عن ميزان العقل و الشرع ولا داعي للتباكي على عدم احترام حقوق الإنسان في حقه ، و عن التقزز من منظر عرض جثته لكي يطلع عليها الليبيون ، فكل ذلك من أمر العبرة لمن يعتبر ، ومن التنبيه للديكتاتورين غيره الجاثمين على صدور الشعوب العربية على وجه الخصوص أن مصيرهم لن يكون بأفضل من ذلك ساعة سقوطهم في أيدي الشعب . فنهاية القذافي هي النهاية النموذجية لكل الحمق السياسي الذي مثله كديكتاتور دولة عربية طالما اختصرت في شخصه و اسمه و خزعبلاته ، كما أنها نهاية مسيرة التفاهات الإيديولوجية التي جربت على الشعوب العربية و استعبدت الأجيال السابقة بموجبها لعقود وعقود ، وسلخت جلود خيرة شباب الأمة في ذلك الوقت و اعتقلوا و قتلوا لا لشيء إلا لأنهم رفضوا الانصياع وراءها صما عميانا كما كان يرجو الحكام ، فالشعوب ليست لعبة للتسلية حتى يأتي من هب ودب لكي يجرب فيها كل أمراضه النفسية تحت مسميات عدة ، مرة الاشتراكية و أخرى القومية و أخرى الوحدة ثم العبث يمينا وشمالا واللعب بالقيم الأخلاقية والاستهزاء بها ، وسرقة مقدرات الشعب وثرواته وصرفها على النزوات و الهوى دونما وازع أو ناه . و نهاية القذافي هي درس بليغ لمن كان ذا عقل وفكر، على عدم الاستهانة بالشعوب العربية و الاطمئنان بالكذب عليها، فأمد الكذب قصير حتى لو امتد لاثنين و أربعين عاما صحيح أن الإبقاء عليه حيا و محاكمته محاكمة عادلة كان كفيلا بأن يكشف للعالم عن مدى جرائمه وشركائه في داخل ليبيا و خارجها ، وأن يكشف حجم الاختلاسات و السرقات و العبث بمقدرات الشعب الليبي وثرواته في سبيل إرضاء نزوات القذافي كقائد أممي هلامي ، ونزوات أبناءه وفضائحهم التي ملئوا بها الدنيا ، كما كانت ستوضح تواطؤ القوى الأجنبية معه على قمع الشعب الليبي خاصة في العشرية الأخيرة بعدما باع لهم الجمل بما حمل ، قبل أن يأتوا متهافتين لنصرة الشعب الليبي و أنظارهم كلها على بترول وغاز ليبيا و إعادة تقسيم الكعكة مرة أخرى ، وعن الصفقات المليارية التي باعوا له بموجبها خرداوات أسلحتهم التي قتل بها خيرة أبناء الشعب الليبي و تماديه في قمعهم و انتهاك حقوق الإنسان والحريات. لكن ذلك ليس مهما على كل حال فالكل على بينة منه وإن كانت كثير من التفاصيل لازالت خافية ، ما يهم اليوم هو بناء ليبيا الغد ليبيا المستقبل ليبيا التعددية السياسية و الديمقراطية الحقة ، ليبيا المنسجمة مع قيمها الدينية الأصيلة ومنظومتها الأخلاقية وهويتها الإسلامية العربية الامازيغية ، ليبيا التي يختفي فيها القذافي وأزلامه و أولاده وخزعبلاته ، ويسود فيها القانون و الدستور وحقوق الإنسان و تضمن فيها ممارسة الحريات طبقا لنظام سياسي ديمقراطي يحترم فصل السلط و التداول على الحكم بين جميع الأطراف السياسية الفاعلة في المجتمع بالاحتكام لصناديق الاقتراع و للعملية الانتخابية ، هذه هي ليبيا التي ينشدها الجميع و يتمنى رؤيتها ، وليس منظر سجن ديكتاتور ومشاهد محاكمته ، ومسلسل آخر من كوميديا الزعيم المخلوع التي مل منها الناس خاصة بعد المهازل التي شهدتها محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك و رموز نظامه البائد . الرسالة التي بعثها الثوار للديكتاتوريين، أن من سيرجح منهم خيار السلاح و الدم إلى أخر لحظة ضد حق الشعوب في تقرير من يحكمها ديمقراطيا ، فلينتظر نهاية القذافي ولا عزاء له وهي رسالة واضحة لا لبس فيها ، فمن لم يرحم الناس لم يرحم، ومن يظلم الناس فلا ينتظر عفوهم