بعد أكثر من خمسين سنة من عمر "الجمهورية الأولى" للدولة التونسية ومنذ صدور دستور 1959 سيتوجه الشعب التونسي يوم 23 أكتوبر الجاري صوب صناديق الاقتراع لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي الذي ستوكل إليه مهمة صياغة دستور ما بعد ثورة 14 يناير 2011 يؤسس "للجمهورية الثانية" بتونس، دستور يؤكد على وجود سلطات منتخبة ويضمن الفصل بين السّلط ويحدّد آليات توازنها. صحيح أن التونسيين أرادوا القطع مع سلوكات الهيمنة والفساد السياسي والمالي لنظام بن علي البائد غير أن العديد من المعوقات تسد نسبيا الطريق نحو الديمقراطية ومن ذلك تشرذم الحقل الحزبي بشكل يجعل إحساس المواطن التونسي خارج الإطار الآمن (أكثر من 100 تنظيم حزبي) ولو أن التعددية الحزبية تعتبر ظاهرة صحية بكل المقاييس. المشكلة إذن ليست في تعدد الأحزاب المتنافسة على كراسي المجلس الوطني التأسيسي، لكن تبقى في استرجاع ثقة المواطن التونسي على غرار مواطني العالم العربي في العمل الحزبي مع ترك المجال مفتوحا لانخراط الفاعلين الغير المتحزبين في اللوائح المستقلة. أكيد أن المسار الديمقراطي الذي اختاره التونسيون لا رجعة فيه لكن يبقى محفوفا بالعقبات وخصوصا في المرحلة الانتقالية التي تفرض انفتاحا أكبر لكل الحساسيات الحزبية و الفعاليات الوطنية المستقلة على بعضها إيمانا منهم بحرية الرأي والتصور والمنهج وإيمانا بالاختلاف الذي يفيد التكامل. والمسار الديمقراطي الناجح يفرض التأني ووضع لائحة الأولويات الاستراتيجية، وفي هذا الصدد أكد "جوهر بن مبارك" أستاذ جامعي في القانون الدستوري ورئيس قائمة مستقلة " في تصريحه لعدد من المنابر التونسية، أن من الأولويات وضع خطة عاجلة لضمان استقرار الوضع بالبلاد وتثبيت التوازنات الاقتصادية والمالية التونسية والعمل على الحد من بؤر التوتر الكبيرة في التشغيل وإصلاح الأمن والتفكير الجدي والإعداد لإصلاح منظومة القضاء وإعداد الأرضية لفتح ملفات الفساد والعمل على تأسيس هيأة وطنية مستقلة للإعلام. وعملا على تيسير الحملة الانتخابية ضمانا لكل الأطراف المشاركة، فقد عمدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى منع نشر نتائج استطلاعات الرأي حول اتجاهات نوايا التصويت والتعليقات والتحاليل المباشرة بالانتخابات ابتداء من 1 أكتوبر، تاريخ انطلاق الحملة الانتخابية وخلال كامل فترة الحملة معلّلة هذا التحجير إلى غياب الإطار القانوني الذي ينظم طريقة إعداد عمليات استطلاعات الرأي ذات الطابع السياسي فضلا عن غياب "المؤسسات المكلفة بالسهر على احترام مبادئ الشفافية والحياد في إعداد هذه الاستطلاعات".