كثيرة هي الخطابات التي نسمعها عن المغرب الديمقراطي منذ تولي الملك محمد السادس الحكم ،قبل أن يتوفى الحسن الثاني لم تكن هذه الخطابات إلا حبرا على ورق، و لم نكن نسمع عن هذا الموضوع كثيرا إلى درجة أن من يحاول النبش في مثل هذه الأمور و السعي إلى تحليلها يعتبر خارجا عن القانون، لأن في ذلك الوقت لم تعطى الحرية النسبية على الأقل للتحدث في مثل هذه الأشياء و كانت تعتبر من المقدسات و لا يحضا بها إلا ذوي النفوذ. هل لأن الديمقراطية كانت أسيرة في عهد الراحل الحسن الثاني ورأت النور في عهد الملك محمد السادس ؟ أم لأنها لم يكتمل نموها ونضجها إلا في فجر القرن الجديد ؟ أم أنها لا تعمل إلا بتوفر آلياتها و ومبادئها ؟ إلى حد الأن لم نشاهد أي برامج حكومية قائمة على أساس الديمقراطية أو بالأحرى إلى حد الأن لم نعاين حكومة ديمقراطية أصلا، فقط ما لبثنا نشاهده ألواح مرفوعة إلى الأعلى تندد بالديمقراطية.في كتاب الجمهورية لأفلاطون لم يذكر مفهوم الديمقراطية على الإطلاق، هل لأنه مفهوم القرن التاسع عشر؟ لكن عوض مفهوم الديمقراطية كان يعادله في كتابه بالعدل أي تحقيق العدالة الاجتماعية ونفسه في الشريعة الإسلامية العدل أساس كل التوازنات.أما في المفهوم العام لمصطلح الديمقراطية يعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، لأن أصل هذا المفهوم يوناني ومركب من كلمتين ديموس و كراتوس، الأولى تعني الشعب و الثانية تدل على الحكم. وارتباطا بنفس الموضوع إذا أردنا أن نتحقق من صحة هذا المفهوم و مادا نجا عته داخل المجتمع المغربي خاصة و المجتمع العربي عامة، سنجد أنه شعار ككل الشعارات الموسمية التي ترفع من أجل تحقيق غايات مخزنية ، كفان تعليقا و تحليلا فالمفهوم يدل على نفسه فهو واضح مثل وضوح الشمس ، كل ما ينقصنا هو البحث عن أهمية هذا المفهوم لدى الأجهزة الحكومية و الأمنية وماذا تعاملها معه و ترجمة ألياته وتطبيق مبادئه التي من أسسها الاحترام و الاعتراف بحقوق الأخرين،لكننا و للأسف لم نشاهد أي احترام يبدى من طرف الأجهزة الأمنية و خير دليل عن ذلك الطريقة التقليدية التي يعاملون بها المتظاهرين لتفريقهم و القائمة على الضرب و الرفس و الشتم إلى غير ذلك من أنواع التفريق الهمجية. وهنا أود أن أشير إلى أن في عهد الملك محمد السادس الحالي لا يمنعنا من تداول مصطلح الديمقراطية بين الفينة و الأخرى و في كل المجالات، و لكننا نمنع حينما نقترب من فهم آلياته و غاياته الصحيحة و محاولة ترجمة مبادئه على أرض الواقع ، وهذا يدل على أن الملك محمد السادس لا زال يحكم بعصا الحسن الثاني. أذن هل المغرب فعلا بلد ديمقراطي أو يسير نحو الديمقراطية ؟ هناك فرق كبير بين أن تكون ديمقراطيا حقيقيا عادلا ونزيها وبين أن تسير إلى تطبيق الديمقراطية وتدعي العكس. فالشعب المغربي لسنة 2011 ليس هو شعب الثمانينيات أو التسعينيات،هناك اختلاف كبير بين الماضي و الحاضر وفرق بين أن تكون أو لا تكون وفرق بين أن تشارك أو لا تشارك. إلى حد الأن لم يتحقق أي شيئ كنا نتمناه من ملكنا الحبيب و خاصة على مستوى التشكيل الحكومي، حيث تم تأسيس حكومة أقلية غير منسجمة و ضعيفة اسمها حكومة عباس الفاسي ، ثلثها تكنوقراطيين و الباقي وزراء أقرب إلى الموظفين السامين منهم إلى صناع القرار في القطاعات التي يشرفون عليها.و فيما يخص الفصل 24 تم ذبحه بطريقة قاسية عندما نزع المستشارون من الوزير الأول صلاحية اقتراح الوزير الأول على الملك،أما بالنسبة المشهد السياسي الحزبي هو الأخر لم يسلم من الموجات التعديلية غير الديمقراطية،حيث قدم مستشارو الملك عددا من التكنوقراطيين بألوان حزبية في أخر لحظة كعنوان على أن الأحزاب ما هي إلا أدوات في خدمة السد العليا بالله،وليست مؤسسات سياسية مشاركة في القرار و صانعة للنخب و البرامج و التصورات.وأكثر من ذلك ذهبت هذه السياسة الفاشلة بالمشهد السياسي إلى أسوء ما كنا نتوقعه لمستقبل السياسة بالمغرب و دورها الفعال في التقدم والتنمية،من خلال تأليف مسرحية سياسية تراجيدية بطلها فؤاد علي الهمة.رجل انتقل من ربع السلطة الضيق في القصر،إلى الترشح اللامنتمي للبرلمان و تشكيل 36 برلمانيا خارج قانون الأحزاب، وصولا إلى اقتراح عدد من الوزراء تحت الطاولة ،وأخير و ليس أخيرا ،ضمان حكومة عباس الفاسي من السقوط عن طريق المساندة النقدية التي هي الاسم المستعار لبداية حكومة الظل القادمة.لينتهي به المطاف إلى إعلان اعتزاله الميادين السياسية مخلفا ورائه هيروشيما السياسة بالمغرب.أين تتجلى ملامح الدولة الديمقراطية في نظركم من خلال هذا المشهد المبسط ؟ربما قد يجيبنا البعض عن تراجع أداء الديمقراطيين ، و لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل كان هناك جوا ديمقراطيا سابقا لكي نتحدث عن تراجعه ؟ لن تتحقق الديمقراطية في بلد نرفض أن نعترف بأنه بلد متخلف و مصنف ضمن دول العالم الثالث و الذي يسود فيه رغم عدم اعتراف المخزنيين بذلك هو الديموديكتاتور. لن تتحقق إلا بعد الاعتراف بالشعوب و حقوقها، و الإنصات إلى مطالبها ، و كف يد الظلم عنها،وتوزيع الثروات وتسوية الأجور ولو بشكل تقاربي و نسبي ،هل يعقل مثلا أن يبلغ راتب مدير اتصلات المغرب أحزون إلى حوالي 70 مليون سنتيم في الشهر، في المقابل هناك من يفتقر إلى درهم واحد . إذا افترضنا أن نقسم راتب أحزون على الشباب المعطلين و نكون ديمقراطيين حقيقيين سنتوقع توظيف على الأقل 230 شخص بقيمة 2500 درهم في الشهر و هكذا نكون قد حققنا ولو بالشكل الافتراضي نوعا من العدالة الاجتماعية.لا بد من نهج سياسة مالية بذيلة للحد من الأجور و الحد من استنزاف خيرات البلاد .