إن انسداد آفاق التحولات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية لفائدة عموم أفراد الشعب المغربي وخاصة فئة الشباب منه، نتيجة التحول الانحرافي للمشهد السياسي الذي استلهم حداثة مستوردة كما يقول السوسيولوجي مصطفى محسن في كتابه "في التنمية السياسية"، لأنها تفتقد لأي تجذر سوسيو ثقافي عميق، كون نخب الأحزاب المشكلة لهذا المشهد لم تتملك القدرة على الجرأة اللازمة بشأن طرح حلول للقضايا التي تتعلق بالمصالح الاجتماعية لفائدة عموم أفراد الشعب، حيث اختارت مقاربات أخرى غير تلك التي تتعلق بمقاربة "الإصلاح" في ظل المد الكاسح لمفاهيم جديدة فرضت مع تنامي اجتياح المد العولمي؛ الذي يحمل مفاهيم تتناقض مع معطيات الواقع المعيش للمجتمع المغربي؛ وبالتالي فهي مفاهيم دخيلة تنهل من ثقافات ونماذج أخرى غريبة، لم تستطع تأصيلها وفقا للمكونات الخصوصية الثقافية والاجتماعية التي تميزه عن باقي المجتمعات الأخرى، فتم تبنيها قسرا؛ مما حذا بالمشهد الحزبي المغربي يتعرض لنقد فكري وسياسي واجتماعي صارم ولاذع أحيانا، لأنه لم يفلح بالنجاح في إيجاد الحلول الملائمة لقضاياه المجتمعية الأكثر أهمية، من شأنها المساهمة في تلاحم أفراد المجتمع بمكونات المشهد السياسي )تنظيمات حزبية، واجتماعية-نقابات-، وأجهزة الدولة(، وما نتج وتولد عنه من فشل في تدبير ملفات القضايا الاجتماعية التي تراكمت بشكل ملفت للانتباه، وتوسعت هوة اللاثقة بينها وبين المجتمع في ظل نهجها لمبدأ مفهوم "التصالح" الذي حل محل "الإصلاح"، بدء من طي ملفات صفحات الماضي المؤلم من اعتقال سياسي، وتخليق الحياة العامة، وحرية الرأي والتعبير، إلخ...؛ وترك قضايا المعيش اليومي لأفراد المجتمع طي الكتمان وعدم الاهتمام اللازم والكافي لملفاتها الاجتماعية. من هذا المنطلق كانت البدايات الجديدة والمتجددة لبني هذا الوطن في البحث عن سبل أخرى بديلة توجه من خلالها دعواتها للجميع، كل من موقع مسؤوليته في تولية الشأن العام الاجتماعي للأفراد الذين عانوا وعاشوا الغبن والقمع والإقصاء والتهميش داخل مجتمعهم بعد أن استعادوا الثقة في أنفسهم وتصالحوا معها، وأصبحوا يملكون من القدرة الكافية على إنتاج الذات، فاضطروا إلى إعادة التأسيس لعلاقاتهم الاجتماعية من أجل تحقيق هدف مقاربة "الإصلاح" التي تعتبر مكملا رئيسيا للمقاربة المعتمدة منذ بداية العقد الأخير من الألفية الماضية، باعتبارهم فاعلين أساسيين في معادلة المجتمع والدولة. لا بد من الحديث عن حركة المطالبة بالتغيير التي طفت على سطح المشهد السياسي في خضم الحراك الاجتماعي الذي انطلق بعد إرجاع الثقة في الذات لدى المواطن المغربي، والذي لا يمكن تفسيره إلا بالاستمرارية لجيل شبابي بعدما كان في زمن ليس بالبعيد ممنوعا من التعبير عن مشاركته وإبداء رأيه في الشأن العام لبلده، فكان يواجه بقمع كل فعل أو مبادرة للفعل من أجل المطالبة بالتغيير؛ هذا الحراك ما هو إلا نتاج لظهور موجات اجتماعية احتجاجية متعددة ومتنوعة وغير متجانسة، بعدما عرف الشارع المغربي عدة انتفاضات ضد واقعها المعيش (احتجاجات المعطلين، بروز حركة نسائية، احتجاجات النساء السلاليات، واحتجاجات متوالية أخرى مختلفة ضد تردي بعض الخدمات كالنقل الحضري وارتفاع فواتير الماء والكهرباء، وغيرها من الاحتجاجات داخل المجالات الحضرية، لتمتد إلى أقاصي المناطق النائية كأقاليم أزيلال، وخنيفرة، وميسور، إلخ، والتي شهدت قيام أهاليها رجالا ونساء وأطفال بمسيرات قطعت مسافات طويلة لإسماع مطالبها)؛ في وجه صمت الدولة والأحزاب السياسية ونخبها في التجاوب مع مطالبهم الحالمة بالحرية والكرامة وتحقيق عدالة اجتماعية بين كافة المواطنين يشعر ون فيها بالأمان والاحترام المتبادل الذي هو أساس العلاقات بين جميع مكونات الدولة وبين المجتمع.