بعد تكريس ثقافة الخوف والاستعباد والاستبداد عمرت عقودا من الزمن، ظهرت حركة اجتماعية احتجاجية من رعيل الشباب المغربي المكسور الأجنحة للتحليق في زمن الحرية والكرامة الإنسانية، تتشكل من جماعات مختلفة المشارب الثقافية بمبادرة من شباب ليس لديهم انتماء فكري وسياسي محدد، وآخرين منتمين لبعض أحزاب ومكونات اليسار، ولأحزاب تقليدية معروفة اشتراكية ويمينية، إضافة إلى شباب ينحدرون من تنظيمات ذات توجه إسلامي، وفصائل طلابية مختلفة، وشبابا منخرطا وفاعلا في جمعيات المجتمع المدني بمختلف اهتماماته الحقوقية، والتنموية والثقافية التربوية والفنية... يدعمهم بعض الفاعلين النقابيين والسياسيين والفنانين والمثقفين ورجال الأعمال؛ وهي مبادرة اجتماعية وسياسية بديلة لعجز الدولة عن تسيير شؤون المواطنين وعن تحسين جودة الخدمات المقدمة لهم، إن على المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية...وكذلك هي بديل يريد رد الاعتبار لمفهوم المواطنة، التي تجعل من المواطن كائنا حرا ومستقلا يعيش حياة كريمة تسود فيه عدالة اجتماعي ضامنة لتحقيق التنمية في عز وطنه الذي يفتخر بالانتماء إليه. هذه الحركة اتخذت لنفسها شكلا احتجاجيا سلميا للمطالبة بالتغيير مباشرة في وجه الدولة لفائدة فئات الشعب المهمشة والمقصية التي تعيش أوضاعا اجتماعية كارثية، اتخذت من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية مطلبها الأساسي المباشر، كما يتردد في شعاراتها وبياناتها المعلنة، وهي حركة لا تتبنى أي مواقف ثورية في وجه النظام السياسي القائم. فهي جعلت من نفسها سلطة ضاغطة حددت لها الشارع العمومي كمجال لممارسة أشكالها الاحتجاجية في أفق تسريع وثيرة التغييرات والإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب؛ ترسم معالم رهاناتها على تجديد النخب و تجاوز نخب الأنظمة الاستبدادية التي لم تتفاعل مع طموحاتها وتطلعاتها المستقبلية، والتي لم تعمل على تهييئ وتكوين نخب بديلة من رعيل شباب عصره؛ الأمر الذي يفسر في بعض الأحيان الفراغ السياسي أو بالأصح الاحتقان السياسي الذي يعيشه مشهد المجتمع المغربي في ظل العجز عن توفير الفرص لقيام مجتمع ديمقراطي حقيقي؛ وبذلك يمكن القول أنها حركة اجتماعية تسعى إلى تعبئة المجتمع بكل فئاته المختلفة قصد تغييره في اتجاه تعميق تبني الدولة لخيار المسار الديمقراطي، وتحقيق العدالة الاجتماعية وصون كرامة وعزة المواطنين، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان التي أصبحت مطلبا عاما يلتف حوله الكل من أقصى اليمين المتطرف إلى أقصى اليسار الراديكالي وفقا لما هو متعارف ومتعاقد بشأنها من طرف المنتظم الدولي من خلال الاتفاقيات والعهود الدولية الحقوقية، في مواجهة الشعار الزائف لحقوق الإنسان الرسمي الذي تم تبنيه من الزاوية الشكلية وإعطائه مدلولا خاصا بها روج له بين الأوساط العامة بصورة مشوهة دونما احترام لمبادئه الحقيقية ولا تطبيقه. تشكلت في بدايتها حركة عفوية افتراضية من طرف شباب "المواطن الرقمي" باستعمال الوسائل الرقمية الإعلامية ذات السرعة الفائقة في التواصل مثل ال"فايسبوك" وال"تويتر" والمدونات الشخصية ومختلف الشبكات الاجتماعية على الشبكة العنكبوتية "الأنترنيت" وغيرها من شبكات التواصل الأخرى لتكسير الحواجز والحدود التي تعيق التواصل الحواري المفتوح دون خوف أو خجل من قيود استبداد الرأي حول هموم وقضايا المواطنين، حيث خلقت شبكات للمواطنة غير مألوفة وغير متوقعة لعبت دورا أساسيا في نشر أفكارها الحالمة بالحرية وتعبئة المواطنين وتدبير الشعارات المحددة لمطالبها، مما استرعى اهتماما وتعاطفا ومساندة سواء في الداخل وفي الخارج من أجل التخلص من الخوف والاستبداد الذي استشري في عروق المواطن المهمش قسرا، ومن المراقبة والرقابة الدائمة عليه، ولتوجيه رسائلهم وخطاباتهم نحو جمهور افتراضي ومتضامن حول قضية الحرية والكرامة والمواطنة؛ أتاحت عنها الفرصة لنفسها بأن تتمتع بسلطات رمزية قوية في تحدي قوي لكل تنظيم سياسي أو حزب لا يقوى على احتضانها أو توجيهها بعد انعدام الثقة الشعبية فيه؛ تحققت في الواقع الافتراضي هذه الانتفاضة التواصلية من دون مسير ولا قائد ولا زعيم بعدما انفتحت على الأفكار والاتجاهات التي تروج في "الأنترنت" الذي هو أساسا مجال للتنوع والتعدد الفكري والاختلاف في الآراء والحرية في الاختيار والتعبير، وبعد اطلاعهم على تجارب سياسية وديمقراطية في مجتمعات أخرى من المعمور، وعلى أهمية الحقوق الفردية بالنسبة لجميع الشرائح المجتمعية؛ مما ساهم بشكل كبير وعميق في تنمية وعيهم بما ينبغي أن يتطلعوا إليه، من جراء تبادل المعلومات والمعارف مع أشخاص ينتمون لمجتمعات غير مجتمعهم وتأثيرهم بعوامل خارجية مستلهمة من الثقافات الأخرى جعلتهم يتحرروا من قيود الخوف والاستبداد السلطوي الذي نشأوا في كنفها في كل مكان بدء من سلطة البيت والمدرسة والإدارة والحزب..مما أدى إلى تراجع نسبة الخوف لديهم، بعدما تحرك حسهم ووعيهم الإدراكي باستشعار إقصائهم من الإدماج والاندماج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وانعدام الرغبة لدى القوى السياسية الحزبية والمسؤولين في الدولة للاستجابة لحاجياتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية وإيجاد الحلول الناجعة والفعالة لها، والتقويم الشامل لكل الاختلالات المشوبة بها؛ لذا قرر شباب المواطنة الرقمية رفع شعار يكاد يكون موحدا، يتلخص في المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، والرفض لكل مظاهر البؤس الاجتماعي، والتصدي للفساد وللرشوة والمحاكمة العادلة لكل المفسدين، وضمان حرية الصحافة والتعبير، وفصل السياسي عن الاقتصادي خاصة بالنسبة لمن يتحملون مسؤوليات كبرى في أجهزة الدولة، والمطالبة بتخليق الحياة العامة إلخ من المطالب الأخرى، التي لا تختلف عن تلك التي سبق أن تقدمت بها بعض الأحزاب والمنظمات غير الحكومية من مطالب سياسية واجتماعية وثقافية في عهد سنوات الرصاص؛ وعادت رياح اللقاء والحوار والنقاش تهب على بعض الفضاءات التي تم هجرها والتنكر لوجودها في بعض الأحيان، وأعيدت لها بهجتها بتوافد روادها القدامى ومنهم شباب العوالم الافتراضية التي تضفي في عمقها إلى ظهور وبروز نوازع الفردانية التي بدأت تستشري في نفوس الشباب بعدما كانوا في الغالب الأعم يستعملونها في الشات والبحث عن ملاذ للهجرة نحو ضفة شمال المعمور بأي شكل متاح؛ وعملوا على إدخال لغة سياسية جديدة تنهل من القيم والأخلاق، داعية إلى اعتماد ممارسات سياسية شفافة وصادقة، ت فتح باب المجال السياسي أمام جيل جديد يساهم في تجديد المشهد والحياة السياسية المترهلة ويمنحها إعادة ثقة الجماهير الشعبية التي افتقدتها، لعلها تطلب الصفح على انحرافها عن قضاياها الجوهرية في رسم معالم مغرب الديمقراطية والكرامة، لكن مع الاستجابة الفورية لكل الحقوق التي لا تقبل قطعا التفاوض بشأنها( الحق في الحياة، والشغل، والتعليم، والتطبيب، والعدل، والمساواة، وغير ذلك من الحقوق الكاملة)، لأنها حركة ظهرت حاملة لمطالب اجتماعية وسياسية آنية، تريد من تحققها العاجل وضع ميكانيزمات وآليات للانتقال إلى الديمقراطية المفضية إلى التنمية الشاملة.