قالت الإذاعة أفرد سعيد كوبريت الحيّز الزمنيَّ لحلقة ليلة الأربعاء -صبيحة الخميس، 26 ماي الجاري، من برنامجه "أنيس المتحاورين"، على إذاعة طنجة، لمقاربة المكانة الاعتبارية للمثقف المغربي على هامش ما يشهده المجتمع من حراك في الآونة الأخيرة، على ضوء التحولات والتغيرات التي تشهدها العديد من البلدان العربية وفي ظل ما يعتمل في المغرب من مخاضات، خصوصا بعد "تحرك" الشارع المغربي، الذي أصبح مقترناً بحركة 20 فبراير، وبعد خطاب ملك البلاد في ال9 من مارس الماضي، الذي سطّر فيه بعض التعديلات كان أهمُّها تكليف لجنة بمراجعة الدستور وإنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي ... في بداية "أنيس المتحاورين"، قدّم نجيب خداري، رئيس "بيت الشعر في المغرب" توطئة عامة للموضوع المطروح، تطرّق فيها ل"مسؤولية الفعل الثقافي، التي تحفز المضطلع بها على أن يكون في طليعة أي حراك سياسي، ثقافيا كان أو اجتماعيا"، وإن كان لا يُعتَدّ، في غالب الأوقات، بالوضع الاعتباري الذي يمثله المثقف المغربي في مجتمعه، سواء كفرد أو كجزء من منظومة أو مؤسسة ثقافية قائمة الذات. ومن جانبه، ذكَر الدكتور عز الدين بونيت أن "هؤلاء "الخبراء"، الذين تستضيفهم بعض "المنابر" هنا وهناك لا يتجاوزن حدود "طمأنة" هذه "الجهات" التي تستضيفهم.. أما بخصوص النقاش الذي يثار منذ 9 مارس، على الأقل، فلا يشارك فيه المثقف المغربي على مستوى الواجهات الإعلامية -على الأقل- بالمستوى الذي نتمناه.. فقد طالبنا، مثلا، بأن يكون لنا حضور في أحد البرامج "الحوارية" فأُجِبْنا أنه "مخصص" فقط لل"سياسيين"!... نأمل أن يُفتح المجال في وجه المثقف ضمن النقاشات العمومية التي تهتمّ بالشأن العامّ الوطني، جنباً إلى جنب مع السياسي والاقتصادي وغيرهما من فعاليات المجتمع، فميزة المثقف -على أضعف تقدير-يحتفظ بالقدرة على الاستمرار في التواصل مع العالم، ومن هذا المنطلق، يجب إعطاؤه فرصة ليقول رأيه ويبلور رؤيته حول ما يجري.. على أن الأبواب، إجمالا، مقفلة في وجه الثقافة في هذا النقاش... لا أحد يريد "الإنصات" إلى "الأصوات المختلفة"، فإما أن تكون "مع" ما يراه الجميع صوابا أو تُصنَّف على أنك خارج التغطية.. إذ إننا لم نستطع اللقاء مع اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور إلا بمشقة الأنفس.. فهذه اللجنة لم تكن تضع في "حسبانها" الإنصات إلى أطروحة شريحة المثقفين، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، بدءا من "اتحاد كتاب المغرب"، إلى "بيت الشعر"، فالائتلاف المغربي للثقافة والفنون وغيرها"... أما الكاتب المسرحي المسكيني الصغير فأورد أن "المثقف هو "وجه" أي مجتمع من المجتمعات.. وإذا كان هذا المثقف "واعيا" بالتحولات التي يشهدها مجتمعه فستكون الأمة بخير.. ففي السابق، كان معظم المثقفين تابعين لإيديولوجيات خارجة، في غالبها، عن امتدادات الوطن.. وكان المثقفون يعيشون نوعا من "التشرذم" داخل هذه التيارات، باختلاف ما تصدر عنه من أفكار وتوجهات.. أما في الآونة الأخيرة، فقد انفصل بعض المثقفين عن الأحزاب التي كانت تتبنى هذه "الإيديولوجيا" أو تلك.. وحاليا، هل هناك أثر لهذا المثقف في الحراك الذي يشهده المجتمع؟.. عندما نقرأ مختلف أنماط التعبير، نسلّم بهذه المحصلة.. وأعتقد أن هذا مخاض يمكن الكتابات القادمة، التي ستكون أكثر "حكمة" في ما تكتبه مستقبلا، أن تخوض فيه وتُفصّل"... وأردف صاحب "رجل اسمه الحلاج" قائلا إن "هناك نوعاً من "اليأس" لدى المثقف، الذي ابتعد عما يسمى "السياسي، بينما وجد بعضهم بديلا في تيارات "أخرى"، وبالتالي، وجد المثقف نفسه موزعا بين هذه الدعوات والتوجهات.. أما الذين يدْعون إلى الحراك الاجتماعي الحالي فكان لديهم، في مرحلة من المراحل، من "يؤثر" فيهم، بشكل من الأشكال، وكانت لديهم نوع من الثورات "الخامدة"... في الماضي، كنا نقرأ في ملحقات العديد من الأحزاب الثقافية كثيرا مما يجول في "أذهان" هؤلاء المثقفين.. لكن هذه الملاحق والنوافذ "اختفت" الآن لماذا؟ لأن ما كانت تتبناه تلك الأحزاب أبان عن فشل في مقاربتها.. لقد ضاعت سلسلة هامة في تاريخنا النضالي.. فحاليا، الإنسان المغربي هو بلا تاريخ.. فقبل الاستقلال، كنا نخلق رابطا قويا يجمعنا، سواسية، حول هدف واحد... الآن، اختفى هذا "الرابط" وغاب، تبعاً لذلك، ما قد يجمعنا حول قضية موحَّدة"... وقال الكاتب والناقد نور الدين صدوق إن المثقف في العالم العربي لم يكن، دوماً، يؤخَذ برأيه إلا في حال "الأزمة"، مما يعطي صورة عن وضع هذا المثقف.. فهو يُنعَت بالصمت وبالعزلة.. أما في ظل ما يحدث حاليا، على جميع المستويات، فأقول إن المثقف كان، على الدوام، في قلب الأحداث، ففكرة التغيير تجلّت في الرواية العربية من منطلق الرغبة في التقدم والتطور نحو الأفضل، وقد سجلت الرواية العربية هذه الرغبة منذ القديم، من منطلقات كثيرة.. ونستدل ب"ثلاثية" نجيب محفوظ، ب"الغربة"، للعروي، ب"دفنا الماضي"، لغلاب، ب"نجمة أغسطس"، لصنع الله إبراهيم... الأصل أن المستجدات التي يطالب بها العالم تعيش في قلب الأحداث.. وبالتالي فالمثقف لا يمكن أن يعيش بمعزل عن المتغيرات التي تجري من حوله، ويجب أن تُعطاه الأهمية اللازمة.. لكن ما يقع هو أنه غالبا ما يستضاف إلى البرامج المهتمّة سياسيون، مع أن معظمهم لا يحسنون صياغة ولو جملة واحدة صحيحة"... وعن دور المؤسسة الثقافية والمثقف في التنظير لِما يجري في الساحة العربية حاليا وفي تأطيره، قال صدوق إنه "يجب أن ننتبه إلى المسافة الزمنية، فالروائي يستحضر الأحداث كماضٍ ويكتب عنها في الحاضر... فرواية "الجنرال" لغارسيا ماركيز، مثلا، كتبها الروائي الكولومبي المعروف عن سيمون بوليفار، لكنه لم يكن يقصده هو في حد ذاته، بل اتخذه مجرد رمز أو "نموذج".. نحن لا نتوقع أن يكون في هذه المسافة الزمنية تراجع، بل اختلاف، وهو ما يسمح لنا بتكوين رؤية عن مدى نجاح أو فشل العمل... المؤسسات الثقافية التي يمكن الحديث عنها في المغرب هي "اتحاد كتاب المغرب"، الذي أصدر بيانات وأعلن مواقفَ في مجموعة من القضايا وأمام العديد من الأحداث وكذلك فعل "بيت الشعر".. لكنْ، هل من صدًى لكل ما أصدراه؟... يجب أن يؤخذ بالاعتبار صوت المثقف والمؤسسة الثقافية، وليس أن نلجأ إلى ترديد مقولة "المثقف كائن صامت ومنعزل"... واختتم الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد حلقة التدخلات فقال إن "المغرب لا يشكل استثناء، لكن لديه خصوصياته، فقد عرف ظهير الحريات العامة منذ فجر الاستقلال وتم فيه تأسيس الأحزاب.. عشنا هامشا مُهمّاً من الحرية ولم نكن نعرف "الرقابة"، التي كانت تسِم كل المجتمعات العربية.. ففي المغرب، ليس هناك حزب وحيد. كما أننا لسنا بلد إثنيات ولا عرقيات، ومع ذلك، فقد كنتُ دائما أقول إن المثقف لا يمكن أن يسير إلى الخلف.. المثقف إمام، زرقاء اليمامة، متنبٍّ، شاعر... شخصيا، كنت دائما في صراع مع اتحاد كتاب المغرب، لأنه كان حزبويا.. اليوم، ما نراه من عزوف للمثقفين هو نتيجة لكونهم قد "ملّوا".. فقد ظل السياسي يُعتبَر هو "المتقدم"، بينما ينادى على المثقف فقط لتكملة "المشهد".. الآن، يجب إعادة بناء هذا "المشهد"... كما أنه شتان بين الأمس واليوم، فقد كان السياسي -في أربعينيات القرن الماضي- "مثقفا"، ثم صرنا نسمع -حاليا- حتى عن السياسي "مُولْ الشّكارة"!... وحول سؤال بخصوص كون المثقف ينأى ب"مساحات" عما يقع، إلى الدرجة التي جعلت البعض يرى أن هذه الحركية فارغة من بصمة المثقف، قال مؤلف "النمرود في هوليود"، "عنترة في المرايا المكسرة"، "عطيل والخيل والبارود"، "امرؤ القيس في باريس"، وأعمال أخرى كثيرة إن "هذا يحدث في كل البلدان العربية.. التي ظهرت فيها ثورات شعوب، لكنها، وبسبب كونها لم توازِها تنظيرات فكرية ولم يؤسس لانطلاقتها مثقفون ليست إلا في مصلحة العسكر.. فقد يذهب الطاغية، لكنْ يبقى الطغيان.. هناك "سيسْتيم" يجب أن يتغير... فأي حركة إصلاح لم تستمدَّ قوتها من قناعات فكرية، تبقى دون جدوى، فالثورة الفرنسية، مثلا، هي مونتسكيو، فولتير، ديدرو وجون جاك روسو وآخرون.. فهل استفدنا نحن من الجابري، من العروي وغيرهما وحتى من سابقيهم، ابن رشد، ابن سينا وابن عربي؟... إن كل ما يحدث في المغرب حاليا ما هو إلا صراعُ "حسابات شخصية".. فالوحيد الذي لديه فكر هو اليمين، بعد أن "مات" اليسار وطالت "الأزمة" كل الأطياف السياسية"...