تناول «أنيس المتحاورين»، الذي يقدمه سعيد كوبريت على إذاعة طنجة، في حلقة ليلة الأربعاء -صبيحة الخميس، 5 أبريل الجاري، وضع الصحافة المغربية في ظل الاحتفاء باليوم العالمي للصحافة (3 ماي)... وقد كان طبيعيا أن تُخيِّم على النقاش أجواء محنة «المساء» و«الهجمة الشّرسة»» التي تتعرض لها الجريدة، من جديد، بعد اعتقال مديرها، الزميل رشيد نيني، وتقديمه للمحاكمة بتُهم «ثقيلة» تروم، بالدرجة الأولى، «لجم» لسانها، الذي يبدو أنه قد صار «مزعجا لبعض الجهات أكثر من اللازم»!... وقد استعاد كوبريت بعض ما قاله يونس مجاهد، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، خلال ندوة النقابة بمناسبة «احتفال» كان، مَرّة أخرى، بطعم المرارة، حيث كان مجاهد قد ذكر، في غضون تقديم التقرير السنوي للنقابة، أن «اعتقال نيني كان فيه الكثير من التجني وشابتْه الكثير من التجاوزات، خاصة حينما تبنّت النيابة العامة، في مسطرة اعتقاله، القانون الجنائي، عوض قانون الصحافة، الذي كان من المفترَض أن تتم المتابعة وفقه»، إذا كان هناك داعٍ للمتابعة، في الأصل... وكان أول المتدخلين مصطفى العراقي، أحد قيدومي الصحافيين المغاربة في جريدة «الاتحاد الاشتراكي» (وقبلها في «المحرر»)، والذي ذكر أنه «قبل كل شيء، وتعليقا على قرار المحكمة عدم تمتيع رشيد نيني بالسراح المؤقت، أُعلِن تضامني مع الزميل نيني في هذه المحنة.. موقفي ينسجم مع موقف النقابة الوطنية، التي أدانت هذه الممارسات، التي تمُسّ بحرية الصحافة وتؤكد نية «الإجهاز» على الضمانات التي جاء بها قانون الصحافة ورغبة البعض في تصفية حسابات»... واستطرد العراقي قائلا: «إننا نسعى إلى أن تتخلص صحافتنا مما طبعها، في الآونة الأخيرة، من ممارسات تمتهن -بشكل فظيع- أخلاقيات المهنة وكذا خصوصيات الأشخاص، بهاجس الربح والتجارة.. نتمنى أن تصير صحافتنا غيرَ خاضعة لجهات أو ل»لوبيات» معينة.. كما نتمنى أن تهتمَّ هذه الصحافة (المكتوبة منها على الخصوص) بالظروف التي يمارس فيها الصحافيون ومن يدور في فلكهم، بما يضمن لهم ظروفا ملائمة للاشتغال.. فمعظم المنابر الخاصة تسعى إلى أن تكون «مستقلة»، إلا أن أغلبها يسكنها هاجس واحد هو الربح.. نسعى إلى صحافة بالمعنى الحقيقي: تقدم الخبر بمهنية وتحترم القارئ وتساعد في الانتقال بالبلاد إلى ديمقراطية حقيقية»... أما مونية بلعافية، مراسلة «فرانس 24» في المغرب، فذكرت «أننا نعيش مسارا تاريخيا في المغرب، في ظل التعديلات الدستورية التي ننشد أن نحظى في ظلها بحرية الصحافة وبالحق في الولوج إلى المعلومة، وتتوفر فيها الشروط التي تسمح لهذه الصحافة بأن تؤدي دورها وتشتغل في ظروف مواتية... «الاطمئنان» هو ما نصبو إليه ونحن نُدشّن مسارا إصلاحيا يشكل إصلاح قانون الصحافة إحدى ركائزه، لكنّ الواقع «لا يشجع»، فنحن نعيش حاليا على وقع تبعات محاكمة الصحافي رشيد نيني، مما يجعلنا «حذِرين»، نوعاً ما»... وتابعت بلعافية قائلة: «نحن، أولا وأخيرا، ندافع عن مبدأ، فرشيد نيني يُتابَع وفق شروط غير واضحة.. ما يحصل لنيني قد يحصل لأي صحافيّ غيرِه.. وفي الواقع، هناك «خطوط حمراء» في المغرب، والأخطر هو أن هذه الخطوط غير واضحة، فقد تكتب عن أشياء «خطيرة» ولا تتعرّض لأي اعتقال أو مضايقة وقد تكتب عن أمور «عادية» ويتم اعتقالك!»... وبخصوص واقع الإعلام العمومي، قالت مونية بلعافية: «يجب أن نطرح السؤال أولا حول ما إذا كنا أمام إعلام عمومي؟ نحن أمام إعلام رسمي لا يسمح بالتعبير عن انشغالات المواطنين.. إن الصحافيين في هذا الإعلام يعانون كثيرا، فهم يشتغلون في ظروف لا توفر لهم معايير الاشتغال، لنأخذ جنس الروبورطاج، مثلا، فإذا تدخلت «التعليمات» فإن الجودة تذهب، ما من شك في ذلك، أدراج الرياح.. يجب أن نستحضر ظروف الاشتغال، دوما، ونحن نبحث عن الجودة.. فحتى وكالة المغرب العربي للأنباء يجب أن تتغير، فهي لا تمارس دورها، المتمثّلَ في الإخبار، رغم أنها منبر يؤدي الشعب ثمن استمراره من جيبه.. وفي الصحافة المكتوبة، يعيش العنصر البشري حالة من التهميش ويشتغل مهنيوها في ظروف غير ملائمة.. يجب إيلاء المزيد من العناية للعنصر البشري.. أما مبدأ الحق في الخبر فهو غير مكفول للصحافي كممارسة... فلكي يمارس الصحافي حريته في الكتابة، يجب أن يتوفر أولا على معلومة، ثم تتوفر له الشروط الموضوعية والمهنية الكفيلة بإيصال هذه المعلومة في حلة جيدة وبالجودة المطلوبة»... ولم يخرج علي خلا، الفاعل النقابي ورئيس قطاع الأخبار في الإذاعة الوطنية، عن الإجماع على إدانة ما يتعرض له الصحافي رشيد نيني ومنبره «المساء»، حيث قال: «أبدأ كلامي بتجديد موقف النقابة الوطنية للصحافة المغربية بشأن وضعية الزميل نيني، الموجود حاليا خلف القضبان، ونتمنى أن تتكرس الإرادة في التغيير وينتصر الرأي الرصين، الذي استمزج إشارات خطاب 9 مارس وغيرها من الإشارات، التي تتجه كلها نحو المستقبل.. ونتمنى أن يصلنا، في أقرب الآجال، نبأ سعيد يزفّ لنا بشرى إنهاء محنة زميلنا نيني، الذي أرادت «الجهات» التي كانت وراء اعتقاله أن توجه «رسالة» إلى كل الصحافيين المغاربة مفادها: هذه هي «هديتنا» لكم بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة!»... واختتم خلا حديثه بالقول: «نحن لا نتفق، بالضرورة، مع كل ما يكتبه نيني، عبر عموده «شوف تشوف»، لكننا مع مبدأ «لا لصحافيٍّ وراء القضبان».. ومن هذا المنطلق، نطالب بضرورة سن قانون للصحافة يتجه نحو إقرار مبدأ حرية الرأي والفكر الذي تدخل في إطاره حرية الصحافة.. فالكل، حاليا، يتساءل: أين نسير؟ ولماذا يصلح قانون الصحافة، ما دمنا نعاين، في واقع الحال، صحافيا يُتابَع وفق القانون الجنائي؟! إن الطريق ما يزال أمامنا طويلا»!... وسار محمد أشرقي، مدير مكتب جريدة «الحياة»، اللندنية، في المغرب، في نفس اتجاه إدانة اعتقال صاحب أشهر عمود في الصحافة المغربية، حيث قال: «يمكن تقسيم الدول العربية إلى مجموعتين: إحداها ليست فيها حرية الرأي والصحافة (ليبيا، سوريا واليمن) ودول فيها هامش أوسع للحرية.. وضمن المجموعة الثانية يُصنَّف المغرب، الذي يقدم إشارات على أن هامش حرية التعبير فيه أَوسَعُ مقارنة بدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ولذلك كان التعامل مع الصحافيين أفضل. وقد تمت الإشادة، عالميا، بالطريقة التي وصل بها «الربيع العربيّ» إلى المغرب (حركة 20 فبراير وخطاب 9 مارس).. أما بخصوص قضية رشيد نيني، فإنه يحُزّ في نفوسنا أن يكون أحد زملائنا معتقَلا في ظل الاحتفال بعيد الصحافة، فهو ليس شخصا نكِرة، بل هو شخصية معروفة وكان بالإمكان متابعته في حالة سراح بضمان عمله أو مؤسسته الإعلامية، عوض أن تتم متابعته بهذه «الطريقة».. ونطالب حكماء هذا البلد بألا يُعكّروا علينا صفو أجواء الاحتفال باليوم العالمي للصحافة.. فقد تبيَّن أن المغرب بلد متميز في هذا المجال، ونتمنى أن يجد مشكل الزميل نيني طريقه إلى الحل ويزول، بذلك، كل ما من شأنه أن يُعكّر علينا أجواء «التميُّز» المغربي»!...