إن الوطن العربي يمر بمرحلة حرجة يصعب التنبؤ بها وتحليلها بل إخضاعها للنظريات العلمية و الفلسفية التي مرت عبر التاريخ،إننا أمام انعطافة خطيرة إما أن نكون أو لا نكون،إننا أمام عالم جديد تسيره أمريكا وأوربا اللتان تعصفان بكل من يقع تحت أنظارهما بشكل مسترسل ومتتابع،طبقا لأجندة تعرفانها منذ مدة، وسبق لهما تسطيرها في كواليس البانتاغون وتحت أعين المخابرات الأوربية. إن العالم العربي الآن يواجه عدوا أقل ما يمكن أن نقول عنه أنه عدو إلكتروني، زئبقي، انفلاتي، لا يخضع لأي مقياس من المقاييس التي تعرفها المخابرات العربية،ويتخذ هذا العدو وسيلة تكنولوجية هي المواقع الاجتماعية كالفيسبوك والتويتر و الهاتف النقال.... إن العالم العربي اليوم يواجه تحديات كثيرة تمت برمجتها من طرف مفكرين كهنتنعتون وفوكوياما وغيرهما.... هؤلاء المفكرين الذين يخططون لعالم ما بعد حداثي،عالم لا يؤمن بالأيديولوجية ولا بالتروات النفطية و المالية...وإنما يؤمن بالانقسام الكبير بين البشر بخلق الفتنة والصراع الكبير بين الإخوة، من خلال بث روح التفرقة والعداوة ونشر الفكر الشعوبي، الذي ساهم قديما في تمزيق الوطن العربي إلى دويلات وكانطونات صغيرة( سايكس بيكو) لكن هذه الاتفاقيات المعروفة لم تكف الغرب فاستعد جاهدا منذ أمد بعيد، في المزيد من تقسيم الوطن العربي إلى دويلات مجهرية(العراق – السودان – لبنان..) وسيعرف العالم العربي مزيدا من التقسيمات و بث النزاعات و الصراعات حول التروات( الصراع حول النيل-الصراع حول النفط...)ثم بعد ذلك الصراع حول الدم و القبيلة وما يجري في ليبيا وما جرى في لبنان خير دليل على ذلك، وسيكون هذا هو القشة التي ستقسم ظهر البعير. كما أن العالم بدأت تحكمه قوانين السوق الذي تسيطر عليه الشركات العملاقة العابرة للقارات و التي تعتمد على التكنولوجية و التجارة عن بعد( الأوفشورينغ)فلم تصبح للإنسان قيمة تذكر،حيث انتهى عصر البشر و الموارد البشرية كمكون أسساسي في التنمية،وأصبح للتكنولوجية دور أساسي في العمليات التجارية التي تتم بشكل دقيق دون تدخل من الانسان، الذي تعددت في نظر الكبار أخطاؤه، وأصبح مكلفا. ولهذا السبب أصبح الانسان رخيصا في نظر هذه القوى العظمى،بل أكثر من هذا بدأت تفكر في طريقة لنقص الكثافة السكانية، وهذا النقص ينبغي أن يكون على حساب الجنس السامي وخاصة العرب الذين يعتبرون رقما ضائعا بين الأرقام، بل أصبح دمه رخيصا و الدليل على ذلك ما نراه من إبادة جماعية في كل من فلسطين و العراق وليبيا وتونس ومصر .....و اللائحة تطول دون تحريك لمشاعر وعواطف الدول العظمى. و العالم الغربي بقيادة أمريكا يجرب وصفة قديمة استقاها من السياسة الرومانية التي تعتمد على الضربة الاستباقية، و قمع الشعوب وخلق نظام عالمي شمولي مبني على سياسة المركزوالمحيط، فالمركز هو الغرب و المحيط هو الدول الضعيفة المغلوبة على أمرها،ومنها الدول العربية بالرغم من امتلاكها للتروات المالية و الطبيعية،لأنها تبقى ضعيفة لأنها لا تملك قرارها. والسياسة الشمولية التي يمارسها الغرب لايمكن نجاحها دون خلق عدو، ولو كان هذا العدو وهميا،فتلجأ إلى تكبيره وتضخيمه إلى درجة الضخامة التي تستدعي تظافر الجهود لمقاومته،ولنا في تضخيم قوة صدام حسين وقوة بن لادن الوهمي خير دليل على ذلك.... وما يجري في الوطن العربي من انهيار لأنظمة عتيدة دليل على بداية تمزق النسيج العربي الذي هو ممزق أصلا،فنرى بأن هذه الأنظمة العربية تنهار مثلما ينهار حجر الشطرنج،وتتوالى الانهيارات بالتدريج بين عشية وضحاها، انهار النظام التونسي، ثم انهار النظام المصري، والنظام الليبي، الذي مازال عالقا بأهذاب العرش المتداعي . و للاعلام دور كبير في تتبع هذا الانهيار،وأصبحت صور الموتى أمر طبيعي وعاد،وحقيقة أن الغرب يعرف هذه النهاية المأساوية، وهذا التداعي المتوالي للأنظمة العربية،لأن الغرب هو الذي نصب هذه الأنظمة الدكتاتورية،وأعطاها الضوء الأخضر للبطش بالشعوب و التنكيل بالمثقفين و السياسيين الذين يستنكرون هذا الوضع المأساوي الذي تنهجه الأنطمة العربية. أتساءل ويتساءل معي المثقف العربي عن الوضع في المغرب، وإلى أي حد يمكن نجاح الثورة الشبابية فيه؟ يعتبر المغرب ثاني دولة عربية بعد مصر من حيث عدد المنخرطين في الفيسبوك،كما أن نسبة سبعين في المائة من المغاربة يمتلكون الهاتف النقال،والمغرب من الدول السباقة إلى تكنولوجيا التواصل،وهذا السبق أعطى للمغاربة فكرة عن سلبيات وإيجابيات هذه الأذاة. ومنذ مدة و المغرب يحضر نفسه ليوم كهذا،ليوم تنتفض فيه الشعوب على حكامها،وذلك بالرفع من سقف الحريات بأن أعطى الحرية للإعلام، للتعبير بكامل حريته عما يجري داخل الوطن وخارجه على صفحات الجرائد و المجلات،وعلى وسائل التواصل السمعية و البصرية،كما فتح المجال واسعا للمنابر الاعلامية للتعبير عن لسان الأحزاب المنتشرة على الساحة المغربية. وعملية الرفع من مستوى الحريات في الاعلام فتح المجال للرأي و الرأي الآخر،ولكن في حدود ما تتطلبه حرية التعبير من احترام للآخر، و سماع رأيه، وعدم الحجر على أفكاره. وهذا المستوى من الحرية في التعبير قد تأخر في كثير من الدول العربية التي أصبح المواطنون فيها مخبرون على بعضهم البعض،وكانت النتيجة هو هذه الثورات الشعبية العنيفة التي كانت ردة فعل، لقد عبرت الشعوب على ردت فعل و بقوة على القمع المكبوت منذ مدة طويلة،ونادرا ما كنا نسمع أصواتا تعبر بحرية وإذا عبرت فإنها تعبر بصوت مبحوح وناشج لا يتناغم مع سنفونية رأي المواطنين المغلوبين على أمرهم. ومما يحسب للمغرب هو السلم الاجتماعي و التصالح بين السلطة و الشعب الذي شرع فيه المغرب منذ أكثر من عشرين سنة، وفتح باب التسامح و المصالحة التي رثقت ورممت الجراح الغائرة في نفسية المواطنين، وقد كان لهذا التصالح أثر كبير على التوافق و التصالح بين رجال الأمن و المواطنين،عكس دول أخرى التي دخل فيها الصراع بين رجال السلطة و المواطنين أقصاه، إلى درجة أخذ الثأر حيث أصبحت رموز الدولة عدوة لدى المواطنين، و الدليل على ذلك أن أول ما تعرض للتخريب في مصر هو مراكز الشرطة، وأول من تعرض للهجوم و الاعتداء هم رجال الأمن، وهذه تعتبر ظاهرة ملفتة للانتباه كان لابد من تداركها سابقا، بأن تتخذ الحكومات العربية المبادرة لربط علاقة أخوية بين كافة شرائح المجتمع،وأن يكون المواطنون سواسية أمام القانون،والجميع يعاقب إذا اقترف ذنبا يستحق العقوبة عليه. كما أن المدرسة المغربية كان لها دور كبير في هذا التوافق و الصلح الاجتماعي، وذلك من خلال المناهج التربوية التي تعمل على الرفع من المستوى القرائي و المعرفي دون تزويق أو تنميق،لقد كان المغرب واضحا وصريحا، يعطي الاحصائيات الحقيقية دون تزوير،وهذا هو السبب الذي جعل المغرب يحتل مكانة متدنية مقارنة مع دول أخرى تعتبر من الدول المتأخرة التي دخلت عالم التعليم،مما جعل هذه الدول تتبوأ مكانة متقدمة هو تزوير المعطيات والنفخ في الاحصائيات، وكان لهذا التزوير انعكاس سلبي على هذه الدول وما نراه على الأرض يفضح ما قرأناه من إحصائيات مغلوطة. وفي الأخير لانقول بأن كل شئ جميل حتى لا نغالط أنفسنا، بل لابد من الاعتراف بكثير من الخلل الحاصل على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي... ولابد من تظافر الجهود من أجل تدارك ما كان ناقصا في المجالات المذكورة ولابد من المتابعة الآنية للمشاكل المستعصية وحلها في حينها دون تركها متراكمة. كما ينبغي أن نعرف أن العصر أصبح محكوما بإكراهات شديدة الصعوبة لامجال فيها للتأخير لأن وعي الشباب أصبح ناضجا وأصبحت نظرته أسرع من قرارت وبيانات الأحزاب و منظمات المجتمع المدني،وبالتالي لابد من مواكبة و متابعة هذه الرؤى و هذه الأفكار التي يحملها هؤلاء الشباب.