لقد أضحى من نافلة القول أن تحقيق الرهان الديمقراطي وتحديث آليات التسيير والتدبير استوجب القطع مع ممارسات العهد الماضي الذي سعى بكل إمكانياته إلى مركزة القرار وإحكام القبضة على كل مجالات الحياة العامة. بحيث اقتنعت الدوائر العليا للبلاد بضرورة تقريب الإدارة من المواطنين وانتهاج سياسة القرب ومحاكاة التجارب المتقدمة في مجالي اللامركزية واللاتركيز. وقياسا على التقسيمات الإدارية والترابية الجهوية تم إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، هذه الأكاديميات التي تعنى بالإشراف على تسيير القطاع الاجتماعي الأول في البلاد والذي تم ترتيبه بعد القضية الوطنية، قضية الوحدة الترابية، ألا وهو قطاع التربية والتعليم. إذ بناء على الدستور ولاسيما الفصلين 26 و58 منه، تم إصدار الظهير الشريف رقم 203.00.1 بتاريخ 15 من صفر 1421 ( 129 ماي 2000 ) بتنفيذ القانون 07.00 القاضي بإحداث هذه الأكاديمات. وقد جاء في المادة الثالثة من الباب الثاني لهذا القانون المعنون بالإدارة والتسيير : يدير الأكاديمية مجلس إداري ويسيرها مدير ....وترأس السلطة الحكومية الوصية مجلس الأكاديمية. وتتكون تركيبة المجلس الإداري من الممثلين الجهويين للإدارات المعنية: التربية الوطنية، المالية والسياحة، التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي،الأوقاف والشؤون الإسلامية، إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة، التجارة والصناعة والمعادن والصناعة التقليدية، الفلاحة، الصيد البحري، النقل والملاحة التجارية، التشغيل والتكوين المهني، الشؤون الثقافية، الصحة، التوقعات الاقتصادية والتخطيط، الشبيبة والرياضة، التجهيز، أوضاع المرأة ورعاية الأسرة والطفولة وإدماج المعاقين، تقنيات المواصلات والإعلام ، رئيس مجلس الجهة، والي الجهة، عمال وعمالات أقاليم الجهة، رؤساء المجموعات الحضرية، رؤساء المجالس الإقليمية، ممثل اللجنة الأولمبية للجهة :( ويعتبر هؤلاء ممثلون معينون بالصفة ). وثلاثة ممثلين عن الأطر التعليمية من أعضاء اللجن الثنائية على مستوى الجهة بنسبة ممثل واحد عن كل سلك تعليمي، ممثلين اثنين عن الأطر الإدارية والتقنية، ثلاثة ممثلين عن جمعيات آباء وأولياء التلاميذ بنسبة ممثل واحد عن كل سلك تعليمي،ثلاثة ممثلين عن هيئة التأطير والمراقبة التربوية بنسبة ممثل واحد عن كل سلك تعليمي، ممثل واحد عن جمعيات التعليم المدرسي الخصوصي بكل جهة، ممثل واحد عن مؤسسات التعليم الأولي : ( ويعتبر هؤلاء ممثلون منتخبون )، كما يجوز لرئيس المجلس أن يدعو لحضور اجتماعات المجلس على سبيل الاستشارة كل شخص يرى فائدة في حضوره. وتنص كذلك المادة الخامسة من هذا الباب على أن : مجلس الأكاديمية يتمتع بجميع السلط والصلاحيات اللازمة لإدارة الأكاديمية، وخاصة فيما يتعلق ب: البرنامج التوقعي الجهوي لتكوين الأطر التعليمية والإدارية والتقنية، البرنامج التوقعي للبناء والتوسيع والإصلاحات الكبرى لمؤسسات التربية والتكوين، سير مؤسسات التربية والتكوين، تكوين شبكات مؤسسات التربية والتكوين. إنه من خلال استعراض المواد القانونية يتبادر للأذهان أن المجلس الإداري مجلس فعلي يتكون من تشكيلة متنوعة ذات تمثيلية شاملة تخول له امتلاك رؤية تدبيرية متكاملة ويتمتع بصلاحيات قانونية تخول له فعلا إدارة الأكاديمية خصوصا فيما أشارت إليه المادة الخامسة. إلا أنه من خلال تجارب المجالس الإدارية منذ نشأتها إلى نسختها التاسعة الأخيرة صيف 2010، لم تسجل ارتياح ورضى أعضاءها على سير أعمالها وخصوصا الأعضاء المنتخبون لأنهم بكل بساطة يعملون داخل منظومة التربية والتكوين، وبحكم ولوجهم المجلس عن طريق الانتخابات فهم المنتدبون عن هيئاهم النقابية أو الجمعوية المتتبعة للشأن التعليمي في كل دقائقه وتفاصيله. والهاجس الذي يحضر رئاسة المجالس الإدارية وبمباركة الأعضاء بالصفة بحكم تبعيتهم للسلطات الوصية وسلطات هيئاتهم الإدارية ( مع بعض الاستثناءات الضئيلة ) هو تمرير القانون المالي بالأغلبية المطلقة وفي غالبية الأحيان بالإجماع وبتأثير، خفي، على الميزانية التوقعية التي دائما هي في حاجة للمزيد من الضبط والتفصيل. ونادرا ما يسجل صوت رافض للميزانية. وما يكرس هذا الوضع هو أن عملية التصويت تمر بطيقة مباشرة برفع اليد في إحراج للجميع بعيدا عن التقاليد الديمقراطية التي تكفل التصويت السري عبر الصناديق الشفافة. إن أكبر تحدي للمجالس الإدارية ،رغم الصلاحيات المخولة لها، هو الفراغ القانوني بخصوص تأطير أشغال لجانها وسير أعمالها. فهي مشلولة من دون قانون داخلي يجدول لقاءاتها ويؤجرئ صلاحياتها. هذا علاوة على ضرورة إعادة النظر في طبيعة تركيبة المجلس التي تسيطر وتحد من فاعلية تمثيلية الأعضاء المنتخبين. كما أن ما يجب التسطير عليه هو تغييب تمثيلية بعض الفئات الأساسية كالإدارة التربوية والنواب الإقليميين والتلاميذ المعنيين الحقيقيين بالشأن التعليمي والذين يتقرر مصيرهم من خلال هذه المجالس. كما أن هناك تقليص في تمثيلية بعض الفئات كأساتذة التعليم الابتدائي الذين يمثلون القاعدة العريضة للشغيلة التعليمية ثم الإعدادي فالثانوي، فليس منطقيا أن تتم تمثيلية هؤلاء بشخص واحد فقط عن كل فئة. ولهذه الأسباب وغيرها نجد أصواتا عديدة من داخل المجالس الإدارية تنادي بضرورة تعديل القانون 007 الذي أصبح متجاوزا. وقد جاء في المادة السادسة أنه : يمكن لمجلس الأكاديمية إحداث لجان يحدد تأليفها وكيفية تسييرها. وفي كل الأحوال، يتعين أن يحدث المجلس لزوما لجنة مكلفة بالتنسيق مع التعليم العالي ، ولجنة مكلفة بالتنسيق مع قطاع التكوين المهني ولجنة الشؤون المالية والاقتصادية.وهنا لابد من الإشارة إلى المجهودات الجبارة التي تقوم بها سكرتارية المجلس من أجل تيسير أشغال اللجان. وإذا ما دققنا النظر في طريقة اشتغال هذه اللجان نجذ أنها تشتغل تقريبا بشكل عفوي اعتمادا على تحركاتها وتقديراتها الخاصة. إذ لم يحدث مثلا بجهة مراكش تانسيفت الحوز خلال السنتين الماضيتين على عهد مدير الأكاديمية السابق، أن دعا من جانبه إلى عقد اجتماعات بلجان المجلس كل واحدة على حدة، بحكم أنه يترأسها أو ينسق معها، من أجل تسطير برنامج للعمل واستشارتها في قضايا معينة وإشراكها في إنتاج القرار. فغالبا ما يخبرها بما اتخذ فيه قراراته من خلال جمع عام أو في إحدى المناسبات، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لإلغائه لمشروع بناء مقر الأكاديمية والذي كانت قد انطلقت أشغاله على عهد المدير الذي سبقه، أو كما تم في موضوع إلغاء العقدة مع شركة اتصالات المغرب بخصوص الهاتف النقال التي لم تف بكل التزاماتها وتعويضها بشركة ميديتيل صاحبة العرض الجيد حسبما جاء في تصريح له في إحدى اللقاءات، إلى أن يفاجأ المجلس بأن العقدة تم تجديدها مع الشركة الأولى غير المرغوب فيها...؟ ومن غريب الأطوار أن لجنة الموارد البشرية بعد جولات ماراطونية بنيابات الجهة وفيما يتعلق بالتكوينات لم تستطع أن تحسم في كيفية اعتماد كلفة التغذية للفرد الواحد. فكل نيابة لها تصور خاص وتقدير خاص بها، كما أن برامج التكوين يشوبها نوع من الضبابية علما أن الوزارة تولي عناية خاصة للتكوين والتكوين المستمر مضمونا وتمويلا.ولم تشرك هذه اللجنة في صياغة البرنامج التوقعي الجهوي لتكوين الأطر التعليمية والإدارية والتقنية. وقياسا على ذلك لم تشرك باقي اللجان في صياغة البرنامج التوقعي للبناء والتوسيع والإصلاحات الكبرى لمؤسسات التربية والتكوين، ولم تشرك في صياغة تصور لسير مؤسسات التربية والتكوين، ولم تشرك في بناء تصور عن تكوين شبكات مؤسسات التربية والتكوين لأنه تم إقبار لجنة التنسيق مع قطاع التعليم العالي ولجنة التنسيق مع التكوين المهني.وهنا يبدو جليا مدى الاستخفاف بالقطاع من داخل القطاع، إذ كيف يعقل أن همنا الأساسي، ونحن نعمل في حظيرة التربية والتعليم، هو تأهيل ناشئتنا للتعليم العالي أو للتكوين المهني ولا نفعل هاتين اللجنتين المصيريتين في تقرير مستقبل أبنائنا ولا نقف على نوعية المشاكل التي تعترضهم أثناء وبعد المرور للمستويات العليا. فلو أن هناك حسن نية وتشبع حقيقي لمسؤولينا بما يروجون له من ثقافة الإشراك والتشارك والتحمل الجماعي لتدبير الشأن التعليمي خصوصا والشأن العام إجمالا، لما كنا في حاجة لا للقانون 007 ولا لغيره. إلا أنه وللأسف العميق، نستشف أنهم يعتبرون أن هذه اللجان وهذه المجالس لا تشكل لهم إلا الإزعاج وتتدخل في شؤونهم. ونحن على مشارف المجلس الإداري العاشر، فإننا نعقد الأمل من جديد على تفهم مسؤولينا سواء المركزيين أو الجهويين، ونرجو منهم توفير الإرادة الحقيقية للنهوض بالقطاع التربوي وإصلاح ما يمكن إصلاحه بعيدا عن البوليميك والمغالطات والغوغائية، وتمكين الفعاليات الغيورة على القطاع والشركاء والمعنيين الحقيقيين من ناصية الأمور، إذ لن يصلح الله ما بقوم حتى يصلحوا ما بأنفسهم. *الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتعليم ( ك د ش ) عضو المجلس الإداري للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين جهة مراكش تانسيفت الحوز.