العنوان المختزل في حرفَين عالميَّين - لأن أحداً على هذه الأرض لا يجهل معناهما مجتمعَين - «Ok» للشاعر المغربي الشاب نور الدين بازين (دار الغاوون)، لا يقدّم إجابة عن سؤال بقدر ما يمهّد الدرب لأسئلة كبرى غالباً ما تحمّل الشعرُ أثمان طرحها. لذلك سنجد في هذه المجاورة بين السؤال والبلاغة الشعرية ما هو أكثر من المحاورة الخارجية، حيث أننا لا نكون أمام تناظر بقدر ما نكون أمام تزواج؛ بين الشعر والفكر، أو بين الجملة الشعورية والفكرة. نور الدين بازين يصنع لعبته الجمالية عبر معجم غنيّ ومكثّف، مأخوذاً بسحر هذه اللعبة، مغامراً في جميع متاهاتها، من خلال شعر مرهف على حِدَّة، رقيق على تماسُك، يترك قارئه على مفترقات وتساؤلات تتناول جوهر الشعر بقدر ما تتناول جوهر الحياة والعيش والسياسة أحياناً. «حسبي أن أكتم أغنياتي، لأغيّر الطريق كما الأيّام في الذات ترسو أعثر على عناوين ضاعت منّي في الصغر المشكلة أننا لا نتيه ولا نحاول أن نكون سعداء». يعتقد بازين بأن عنوان الديوان (Ok) ليس جواباً عن سؤال، لأن الجانب الأكثر تأثيراً في الديوان هو بنيته التشكيلية وليس محتواه الموضوعي. ثم إنه ليس مفروضاً على الشعر، ومن خلاله الشاعر، الإجابة عن أسئلة جاهزة، فالشعر هو إشكال كبير في حدّ ذاته، ومن هنا لا بد للشاعر أن يكون إشكالياً، لكن بخيال واسع ولغة ومفردات تحاكيه يومياً في حياته. والحقيقة أن لغة الديوان زاخرة بمعجم اليومي، ومنها بالتأكيد مفردات التكنولوجيا التي بات بعضها من بديهيات الاستعمال اليومي. لكن ذلك لم يُغيّب تلك المسْحة الفلسفية للقصائد، الحاضرة على طول الكتاب: «وكلّما اختلى بي الفراغ أغيّر قبري». في قصيدته المعنونة «خيبات لضمير منهك»، نجد الشاعر يخلط محمد الماغوط بأسعار النفط، وغونتانمو بأم كلثوم، بما يشبه إعادة النظر في كل أشكال الحياة والكتابة السابقة: «لا يهمّني أمات الماغوط على سرير أم على أريكة أكان يسمع لأم كلثوم أم يقرأ «سورة يوسف»؟ لا يهمّني كيف أغرقت شهرزاد شهريار في حكاياها الطويلة تواطؤاً أم انشغالاً عن برود جنسي؟...» إلى أن يقول: «هذا المساء سأعيد النظر في كامل حياتي سأغيّر طريقة تعاملي مع الآخر وأمزّق أجندتي المستقبلية وربّما جرّبت أن أتخلّف عن الحضور في الوقت المحدّد...». تجربة نور الدين بازين وغيره من الشعراء المغاربة الشباب تضع النقد الأدبي العربي في دائرة الاتهام، حيث أن غنى هذه التجارب يدفعنا إلى التفكير في الأسباب الكامنة وراء تغييب المشهد المغاربي عن المشهد العربي ككلّ. هل ما زلنا في لعبة المركز والأطراف؟ هل الإعلام المافيوي والترويج الشخصي هما من يصنع نجومنا؟ ماذا عن هؤلاء الشعراء الذين يجلسون في الظلّ؟ أسئلة كثيرة نتركها برسم المستقبل. * صحفية لبنانية