بدأ إناء تجربة تسيير وتدبير الشأن المحلي بمراكش يرشح بوقائع لافتة، تعبق بروائح استعمال المال العام في أغراض وقضايا تعاكس شعار"التخليق" الذي اعتمده أهل المصباح في السباق الإنتخابي ومكنهم من بسط السيطرة على مقاليد التسيير بمختلف المجالس المنتخبة ببهجة الجنوب. آخر ما جادت به التجربة هو إقدام مسؤولي مقاطعة المنارة على تنظيم رحلة لمدينة الحمامة البيضاء، جمعت نخبة من المنتخبين ورؤساء الأقسام بالمقاطعة، وهي الرحلة التي استغرقت يومي الإثنين والثلاثاء المنصرمين. متتبعون أعتبروا بأن مساحة الإستغراب التي انطوت عليها الرحلة تبرز بالإضافة إلى تسخير أموال المقاطعة لتغطية تكاليف "تفجيجة" عينة خاصة من المنتخبين الدائرين في فلك الأغلبية المسيرة،هو اصطحاب أغلب رؤساء الأقسام والمصالح الإدارية في في بداية أيام عمل الأسبوع "الإثنين والثلاثاء" ، ما عرض دواليب المقاطعة للشلل، وأدخل المواطنين دوامة الإنتظار،إلى حين عودة المحظوظين لمقرات عملهم منتصف الأسبوع( الأربعاء)،وبالتالي ما على المواطنين الراغبين في إنجاز بعض الوثائق أو المعاملات الإدارية سوى الإنتظار لحين هذه"العودة الميمونة". وحتى تمتد مساحة الإستفهام أصر أهل المقاطعة- حسب ذات المتتبعين- على تفعيل مبدأ "في المقربين أولى" ومن تمة دعوة بعض زملائهم في الحزب كيوسف أيت رياض رئيس مقاطعة النخيل لمرافقة الجمع والإستمتاع ب"التحويصة" أسوة بباقي المستفيدين. استشعار المنظمين لما ستطرحه الخطوة من انتقادات وردود أفعال جعلهم يبحثون عن مبررات"شرعية" لتسويغ صرف المال العام بهذه الطريقة ،فكان الإحتماء بستار"الرغبة في الإطلاع على تجربة التسيير الجماعية بتطوان"، "والإحتكاك بتجارب الغير". التعذر بكون الرحلة تدخل في باب " مجبر أخوك لا بطل"،تحت ذريعة أن المجلس السابق قد برمج اعتمادات مالية ضمن الفصل الخاص بتغطية تنقلات أعضاء المجلس، وبقيت بعض الأجزاء من هذه الإعتمادات المرصودة عالقة بحسابات المقاطعة، ما هدد بسقوطها في"لاماص" وبالتالي قرار عدم السماح بهدر كل هذا المبلغ والمسارعة بتنظيم "التفجيجة"، على أساس مبدأ" اللهم فالروح، ولا مطروح"، كانت حاضرة بدورها في قلب المبررات المذكورة. علما بأن الدفع بهذا المنطق لا يستقيم ومنصوصات بنود الميثاق الجماعي، على اعتبار أن عدم صرف المبالغ المخصصة بهذا الفصل يمكن إعادة برمجتها بالميزانية اللاحقة وإدخالها بذات الفصل لحين توفر الأسباب المعقولة لتغطية هذا النوع من التنقلات، كما يمكن برمجتها ضمن الفائض المالي للمقاطعة، أو في أسوأ الأحوال استرجاعها من طرف المجلس الجماعي . أما بالنسبة لحكمة المشرع في تخصيص هذا الفصل ضمن ميزانيات المجالس الجماعية ومجالس المقاطعات، فإنه يرتكز بالأساس على تغطية نفقات الظيوف، ما يجعل السؤال مشروعا حول الخدمات التي تمت تغطيتها ب"فلوس المقاطعة" خلال هذه الرحلة لمدينة تطوان. فإدخال الزيارة تحت غطاء تبادل التجارب بين المدن، يفرض أن تتكفل المدينة المستقبلة بتغطية مصاريف الإقامة والأكل، واكتفاء الظيوف بأداء واجبات النقل فقط، على تنعكس الآية عند استقبال المضيفين من منتخبي المدينة المستقبلة حين زيارتهم لمدينة مراكش في إطار رد الزيارة، ما دام العملية تدخل في خانة " تبادل الخبرات والتجارب". فهل رحلة أهل مقاطعة المنارة لمدينة تطوان تمت بناءا على دعوة من مجلسها المنتخب، أم تمت برمجتها عنوة بحكم الإعتمادات المبرمجة من قبل المجلس السابق؟ تم ما موقع رئيس مقاطعة أخرى- مقاطعة النخيل- من إعراب هذه الرحلة ما دام الأمر يتعلق بمقاطعة المنارة؟ ركام من علامات الإستفهام المحيرة عرضت على محمد توفلة رئيس مقاطعة المنارة الذي اتصلت به الأحداث المغربية لاستجلاء رأيه في الموضوع، فجاء جوابه حاسما بكون الرحلة تدخل في إطار "زيارة عمل" الهدف منها الوقوف والإستفادة من التجربة المميزة للجماعة الحضرية لتطوان، مع نفيه المطلق بأن تكون الرحلة قد عرضت مصالح المواطنين للشلل،باعتباره قد سهر شخصيا عشية الرحلة على توقيع كل الوثائق المعروضة على المقاطعة،وكذا تواجد جميع الموظفين الآخرين بمكاتبهم لتيسير" مصالح الناس"، علما بأن رحلة العمل تستوجب تنظيمها داخل ساعات العمل لتكتمل أهدافها والغايات المتوخاة منها. أما بالنسبة لتفاصيل الرحلة فقد أكد رئيس المقاطعة بأنها قد تمت بطلب منهم، وبالتالي تحمل المقاطعة تكاليف التنقل والإقامة، مشيرا إلى أن قائمة المستفيدين قد ضمت بالإضافة إلى رئيس مقاطعة النخيل،ممثل واحد عن كل مقاطعة من المقاطعات الخمس المشكلة لوحدة المدينة،رغبة في استفادة الجميع من رحلة العمل، على أساس أن أي إرادة تروم خدمة الصالح العام تستوجب المبادرة وعدم الإرتهان للتواكلية وانتظار قرارات الآخرين، وهي الحقيقة التي أبانت عنها نتائج الرحلة – يؤكد محمد توفلة- و أعطت أكلها بعد الإطلاع على تجربة الشباك الوحيد وقسم الصفقات بالمجلس الحضري لتطوان، حيث خرج الجميع مقتنعا بأهمية التجربة وفتحت باب الإستفادة على مصراعيه أمام المشاركين من منتخبين وأطر جماعية.