يعد الإصلاح التربوي دينامية تفاعلية متجددة، فكل المنجزات والمكتسبات مهما بلغت من الثراء والتناسق والشمول، تظل في حاجة إلى ما بعدها، تظل في حاجة إلى الإستمرارية والتحول في سياقات تضمن تحقيق تراكماتها الخاصة وبلوغ غاياتها المرحلية، وتبعث على إعادة صياغة اسئلتها وتحديد أهداف جديدة ودورات حياة متواصلة، ذلك هو البعد والعمق الفكري، الذي يرجح طموح بلادنا في جعل المدرسة المغربية الحديثة بوابة على فضاءات المستقبل، ويشحذ الهمم لمواصلة الاسهام بحماس في بناء مغرب الألفية الثالثة، المغرب المتقدم، الحداثي، والديمقراطي. واستحضارا لهذا الافق، وضمن هذا المسار أعطت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مؤخرا من مدينة الصويرة، التابعة للاكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكشآسفي، الإشارة لانطلاق مشاورات وطنية موسعة لتجويد المدرسة العمومية، ، وشرعت مرجعيتها و دواعيها، والرهانات الأساسية التي تعقد عليها. هذه المشاورات التي أريد لها ان تعتمد مقاربة تشاركية، وان تستهدف رصد الممارسات الفضلى والتجارب المبتكرة والأفكار المبدعة ذات الصلة بالشأن التربوي، وهي تعرف كما أبرزت ذلك ورقة العمل التأطيرية الصادرة عن وزارة التعليم، مشاركة موسعة تتوخى مساهمة الشركاء الأساسيين للوزارة ومكونات المجتمع المدني والخبراء المهتمين بالشأن التربوي. ومن خلال تدبر المرجعيات المؤطرة لهذه المشاورات، كان هناك استهداف جعل المؤسسة التعليمية، بؤرة تكوينية وثقافية وخلقية وجدانية مشعة ورائدة، تتحدد المسؤوليات بين مختلف مكوناتها و تتكامل في أفق اعطاء دور مركزي للتلميذ. و ارتباطا بهذا التوجه فقد تم استهلال هذه المشاورات، بتنظيم ورشات لفائدة تلاميذ المدارس الابتدائية والاعدادية، من أجل تشجيعهم على التفكير المستقل، وتحفيزهم على النقد والإبداع والتعبير الحر عن أفكارهم في قوالب متعددة الرسم و الحكي والمسرح والشعر و القصة القصيرة والمصورة ، واطلاق العنان لخيالهم للبوح والكشف عن تطلعاتهم وتصورهم للمدرسة التي يريدون او يحلمون بها ، بالموازاة مع ذلك أطلقت الوزارة منصة وطنية لتجميع آراء المواطنين المغاربة حول المدرسة التي يتوقون إليها. واذا كان من واجب الوزارة، ونحن في لحظة حاسمة من عمر الإصلاح عبر تنزيل مقتضيات القانون الإطار، فسح المجال أمام الجميع للنقاش الصريح والانصات المتبادل في هذه المشاورات الهادفة لتجويد المدرسة المغربية، فإن نفس الواجب ايضا يحتم الانخراط في لحظة تفكير جماعي وتامل صادق لحاضر وافق، منظومتنا التربوية التعليمية، بما يعنيه هذا التفكير وهذا التأمل من استحضار لما تم تحقيقه من مكتسبات حتى اليوم، وما ينبغي أن يتعبا له وما سيليه من مراحل. واذا كانت حصيلة الاوراش الإصلاحية، التي انجزت في ظرف وجيز، تؤكد بالملموس تراكم مكتسبات إيجابية في مجال التربية والتكوين والحكامة والتدبير والجهوية. فان هذه الانجازات في حاجة إلى جهود إضافية ومكثفة لتحصينها وتعزيزها، كما أنها أصبحت اليوم تساءل كافة مكونات الشعب المغربي عن متطلبات المرحلة المقبلة بكل تطلعاتها واكراهاتها ومستلزماتها. واذا كانت الجودة هي العنوان العريض لهذه المشاورات، فإن كسب هذا الرهان يستدعي مقاربات وطرق عمل جديدة ونوعية، ويتطلب تحديدا اضافيا أكثر ارادية، يعطي الاصلاح متنفسا رحبا يعزز الإرادة لدى مختلف الفاعلين التربويين والمهتمين بالشان التعليمي ببلادنا. اكيد ان القناعات المشتركة، وكذا القناعات وزوايا النظر الخاصة لكل الفاعلين والمهتمين التربويين، تشكل أداة متميزة لاغناء النقاش ومدخلا لتعدد المقاربات والرؤى ، ولعل الأفق الذي ينبىء بكثير من التفاؤل والامل، هو رسم أفق مشترك لما نحن مقبلون عليه جميعا. ولن يتاتى ذلك الا من خلال الانخراط الفعلي في بلورة تقييم جماعي عميق ، موضوعي، واقعي وشفاف، ينطلق من المسح الشامل للواقع، ليخلص الى مزيد من التعبئة والفعل الجماعيين على أرض هذا الواقع.