قالت ايزابيلا و معها عتاة الكنيسة، عذبوهم و اجبروهم على ترك دينهم و اختبروهم و راقبوا جيدا رائحة أجسادهم يوم الجمعة. إن كانت طيبة فسوقوهم إلى محاكم التفتيش و إن كانت عادية فناولوهم صحونا مملوءة بلحم الخنزير و اسقوهم نبيذا من أسوء ما لديكم. و إن شككتم في قوة شكيمتهم فاغلقوا عليهم الزنازن أو ارموهم في البحر أو رحلوهم في مراكب توصلهم إلى المغرب. و كان السلب و النهب و الحرق و العذاب من نصيب أهل أندلس قاوموا و هادنوا و فقدوا كل شيء و ذاقوا ويلات الحروب بإسم دين و عرق و حقد دفين. و كانت بداية أول إبادة للبشر بإسم كنيسة و طاغوت. و لم يقف الحقد عند هذا الحد ولكنه استمر خلال قرون و لم يتوقف. فبعد أن استبدت الأمبريالية الأوروبية و قررت سنة 1885 تقسيم غنائم إفريقيا و آسيا، كانت قوات إسبانيا "الكاثوليكية "تعد العدة للاستمرار في الإنتقام و احتلال شمال المغرب و صحراءه في تناغم و تنسيق مع الإستعمار الفرنسي. نهض جيش محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1921 و اذاق الإسبان و حلفاءهم شر الهزائم. و لما ذاقوا مرارة المقاومة في انوال لجؤوا إلى الإجرام و سحقوا منطقة الريف و جبالة بالأسلحة الكيماوية و حرقوا الغابات مرتكبين جرائم ضد الإنسانية لا يمكن أن يمسها التقادم حيث لا زالت أمراض السرطان تنخر أجسام الأجيال لأن السم القاتل لا زال يسكن الأماكن التي انفجرت فيها الأسلحة المحرمة . و زاد الحقد حين جند فرانكو بعنف مغاربة في الحرب الأهلية و انهارت عليهم الاتهامات حتى من طرف من احتموا بهم و انتصروا على الجمهوريين قبيل الحرب العالمية الثانية. و لا زالت صورة "المورو" السلبية تسكن مخيال الإسباني و خصوصا أولئك الذين ظلوا أوفياء للفكر الفاشيستي. هذه صورة أصلية عن هؤلاء الذين لا زالوا يحلمون بالاستعمار و فكره اللاخلاقي و لو لبسوا الوانا متسترة بايديولوجيات مختلفة. من يمينهم إلى يسارهم، يجمع أحفاد فرانكو و ايزابيلا الكاثوليكية على إبقاء المدينتين المغربيتين سبتة و مليلية في حضن الاستعمار و جعلهما مستنقعا لمعاركهم السياسية دون أي اعتبار للتاريخ و للمبادىء العليا للقانون الدولي. و لأن أوروبا لم تحرك أبدا آلياتها لمحاربة الإستعمار، فقد ظلت ترعى مصالح أعضاءها بمبدأ "انصر الإستعمار مهما كان ظالما" . و كل دعوة إلى الانعتاق تصبح، في نظرهم، هجوما على القانون و الحرية . و لا زالت مواقفهم في إفريقيا وفية لمبدأ المصلحة قبل حق الشعوب و لو أدى ذلك إلى إشعال نار الفتنة و إذكاء الحروب الاثنية أو حتى إطالة عمر الحركات الإرهابية. و بالطبع تجد الهيمنة الأوروبية شركاء في إفريقيا، دولا كانوا أو أفراد و مؤسسات. المهم هو إستمرار الاستغلال الوحشي و الخاضع للأطر القانونية التي سطرها الغرب و أقتنع بها الحلفاء في العلن أو في السر و الخفاء. وهكذا تلتقي الجزائر و إسبانيا لقاء الأشقاء و يتم نسيان المليون شهيد و ينساب غاز و بترول الشعب الجزائري رخيصا إلى إسبانيا من أجل مجرم "غالي " و دعما لحلم تقسيم وطن لا زالت كتب التاريخ تذكر أنه حمل المجد و بنى إمبراطورية من مراكش إلى تلمسان و من طنجة إلى تومبوكتو. إسم المغرب كتب بإسم شرعية تاريخية و دينية و حضارية منذ ثلاثة عشر قرنا قبل تولد دول في شمال إفريقيا. الإستعمار فكر لا يموت لأنه يتغذى عن الكائنات غير التاريخية و عن خيرات الشعوب التي تستاثر بخيراتها عصابات تحتاج إلى سند يضمن لها الإفلات من العقاب. و هذا حال الإستعمار الإسباني في تعامله مع العصابات التي لا تمتلك الشرعية و التي تخون شعوبها و التي تجتهد لتقسبم الأوطان الواحدة الموحدة منذ قرون لكي يستمر الفكر الإستعماري في السيطرة على المنجم و الحقل و الفكر و ضامنا للعيش في ترف للمتعاونين معه من النخبة الناهبة لخيرات شعوبها. إسبانيا و الجزائر يلعبون في هذه الفترة من تاريخ المنطقة أدوار ترضى عليها تلك المجرمة التي حملت إسم ايزابيلا الكاثوليكية و يرضى عليها احفادها الذين لا زالوا أوفياء لفكر الإحتلال و تقسيم الشعوب. و لكن الشعوب التواقة إلى الفعل في التاريخ و من ضمنها شعوب إفريقيا و شعب فلسطين و شعب المغرب لن يتنازلوا عن حقوقهم في كسر جذور الفكر الإستعماري. و للذكرى وجب القول أن إسبانيا عارضت بقوء بناء ميناء طنجة المتوسطي بحجة الأضرار التي سيلحقها بالبيئة ناسية أن موانيء إسبانيا تلعب دورا كبيرا في تلويث مياه البحر الأبيض المتوسط. سواء هرب إبراهيم غالي من العدالة أو هربته آليات الإستعمار، فلن ينجو من عقاب التاريخ. "كيف تسكت مغتصبة… و كيف تظل جثث قيد النسيان " يا عدالة إسبانيا. لمن يظنون أن معركة التنمية سهلة وجب التذكير بأن بناء أسس قوية للإقلاع الإقتصادي والاجتماعي يعتبر جريمة لدى لوبيات الغرب. و به وجب الإعلام و إرادتنا لا زالت بين أيدينا.