بتعزيز شبكتها للنقل الحضري بأسطول من الحافلات الكهربائية، تطمح مدينة مراكش إلى ربح رهان التموقع على المستوى الوطني كمدينة نموذجية في المجال الإيكولوجي والتنمية المستدامة، والانخراط بقوة في مسار الاقتصاد الأخضر. وتندرج هذه المبادرة البيئية، التي انطلقت يوم 28 شتنبر 2017 وتشكل حدثا بارزا هذه السنة، في إطار تفعيل توصيات مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية "كوب 22" الذي احتضنته المدينة الحمراء شهر نونبر 2016، والذي مكن المدينة من تبوء مكانة متقدمة ضمن المدن الكبرى العالمية الصديقة للبيئة. وبالشروع في استخدام حافلات تعتمد بشكل كلي على الطاقة الكهربائية بدون انبعاثات لثاني أوكسيد الكربون، دخلت المدينة الحمراء عهدا جديدا للنقل العمومي، لتصبح نموذجا باعتبارها أول مدينة على المستوى الوطني والقاري تعرف هذا النوع من وسائل النقل الإيكولوجية والمستدامة. ورصد لهذا المشروع المبتكر، الذي ساهم في انسيابية حركة السير بالمجال الحضري للمدينة بشكل آمن وأكثر احتراما للبيئة، غلاف مالي إجمالي بلغ 25 مليون درهم، ممول من قبل مجلس جهة مراكشآسفي، والمجلس الجماعي لمراكش وصندوق مواكبة إصلاحات النقل. وتغطي هذه الحافلات المعروفة باسم "الترام باص"، من فئة 18 مترا، الخط الذي يمر عبر شارع الحسن الثاني والرابط بين باب دكالة وأحياء المسيرة ومحيطها، علما أنه من المنتظر أن يربط الخط الثاني، الذي ستعطى انطلاقته مستقبلا، بين أحياء المحاميد ووسط المدينة عبر الطريق المخصصة في شارع "كماسة". ولتأمين تزويد هذه الحافلات بالطاقة النظيفة، تم إنجاز محطة للطاقة الشمسية تتواجد عند مدخل المدينة في المنطقة الفاصلة بين المدار الحضري بتراب مقاطعة المنارة، وبداية النفوذ الترابي لجماعة سعادة، وذلك بتعاون مع البنك الدولي. وبتوفرها على إضاءة بالطاقة الشمسية، تم تجهيز مسار هذه الحافلات بإشارات ضوئية على مستوى التقاطعات الطرقية، بالإضافة إلى وضع حواجز ذكية لحماية الركاب بمحطات الوقوف المخصصة لهم. كما تم تجهيز هذه الحافلات، التي تستوعب 84 شخصا، بخمس كاميرات داخلية، مع الأخذ بعين الاعتبار الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. وأكد ابراهيم سائق إحدى هذه الحافلات الكهربائية، في تصريحات استقتها ، أن وسيلة النقل هاته، التي استقبلتها الساكنة المحلية بارتياح كبير، تتوفر على كافة ظروف الراحة وتقدم للركاب خدمات في مستوى انتظارات المراكشيين وزوار المدينة الحمراء. وأضاف أن هذه الحافلات، التي تكون مملوءة عن آخرها في ساعات الذروة، تتيح للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة الولوج إليها على نحو سلسل عكس وسائل النقل الحضري التقليدية، مشيرا إلى أن ست حافلات تؤمن حاليا التنقل السريع والآمن ابتداء من الساعة السادسة صباحا إلى غاية العاشرة مساء. وبتعزيز هذه الشبكة مستقبلا بإحداث خطوط جديدة وثماني محطات لتوقف الحافلات في مسارها الخاص بالخط الأول، يقول ابراهيم، سيحظى، هذا النوع من وسائل النقل، لا محالة، باهتمام المواطنين، داعيا الراجلين إلى المزيد من الانتباه عند عبور الطريق، والسائقين إلى التكيف مع هذه الوسيلة الجديدة في النقل لتفادي الحوادث. من جهتها، أشارت هاجر مسؤولة بإحدى المؤسسات الفندقية بالمدينة الحمراء، إلى أن الحافلات الكهربائية الجديدة للنقل الحضري تعتبر وسيلة آمنة وتمكنها من ربح الوقت للوصول إلى وجهتها في الوقت المحدد، معربة عن أملها في إحداث المزيد من محطات الوقوف لهذه الحافلات عوض أربع محطات حاليا، خاصة وأن الخط الأول يعد مسارا طويلا. وقد مكن الانتقال الايكولوجي لمراكش من خلال أسطولها للنقل النظيف، من الانخراط في المسار الهادف إلى تقديم حلول للمشاكل التي تعاني منها المدينة والمتمثلة على الخصوص في الاكتظاظ بالشوارع الرئيسية، وصعوبة الولوج إلى المجال الحضري وتلوث الهواء. ويروم هذا المشروع النموذجي، جعل مراكش مدينة ذكية، خضراء ونظيفة، وضامنة لنقل صديق للبيئة مائة في المائة ، ومساهم في الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على المستوى الحضري. كما من شأنه توفير حلول تتماشى مع انسيابية حركة السير وأمن مستعملي الطريق.
ويراهن المشرفون على هذا المشروع الطموح على أن تساهم الحافلات الكهربائية في تعزيز الإشعاع الدولي للمدينة الحمراء كمدينة ايكولوجية، والتقليص من معاناة المراكشيين اليومية مع وسائل النقل الحضري وخاصة في أوقات الذروة وما يترتب عن ذلك من ضياع لمصالح العديد منهم بسبب التأخرات المفاجئة لعدد من حافلات النقل الحضري التقليدية أو اقتصار أصحاب سيارات الأجرة الكبيرة على تأمين خطوط بعينها دون أخرى، مما يدفع العديد من المواطنين إلى اللجوء إلى وسائل النقل السري والتي تعتبر حلا غير آمن بالنسبة إليهم في كثير من الأحيان. ويبقى من السابق لأوانه، حسب المسؤولين على تدبير الشأن المحلي بالمدينة، تقييم مدى نجاح هذه التجربة بالنظر لحداثتها حيث لم يمر على شروع هذه الحافلات في الخدمة سوى أشهر قليلة وكذا في ظل اقتصارها في الوقت الراهن على تأمين خط واحد ومباشر لا يخترق المناطق التي تشهد كثافة سكانية مرتفعة. ويرى المتتبعون للشأن المحلي أن من بين التحديات التي يتعين رفعها من أجل إنجاح هذه التجربة النموذجية والمتفردة على الصعيد الوطني والقاري، إحداث مسارات جديدة لتنقل هذه الحافلات تكون قريبة من التجمعات السكانية الكبيرة ومن أهم الأحياء والشوارع بمدينة مراكش، التي تعرف نموا ديمغرافيا مهما، بالإضافة إلى تعزيز خط هذه الحافلات بعدة محطات للوقوف لتسهيل استفادة عدد أكبر من المواطنين من خدمات هذا النوع من النقل.