أحال رئيس الحكومة سعد الدين العثماني يوم الثاني من أبريل الجاري على الأمين العام للحكومة مذكرة لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان مصطفى الرميد تحت عدد 115/2020، بتاريخ 27 مارس 2020 تتضمن ملاحظات بشأن مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، والذي سُمي في الساعات الآخيرة في "الفايسبوك" ب"قانون تكميم الأفواه" الذي "صادق عليه مجلس الحكومة بتاريخ 19 مارس 2020، مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه بعد دراستها من طرف اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المحد لهذا الغرض". قبل الخوض في الملاحظات حول المشروع المذكور، ذكرت مذكرة الرميد بالأسس المرجعية المعيارية وعلى رأسها الدستور المغربي، خصوصا الفصلان السادس والخامس والعشرون منه. أما فيما يخص المرجعيات الدولية لحقوق الإنسان، ركزت المذكرة على الشق المتعلق بالمرجعيات الدولية لحرية التعبير والرأي، المرتكزة أساسا على ما ورد في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي وضعت الإطار العام لممارسة حرية الرأي والتعبير بمختلف الوسائل بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي والبث المفتوح. وخلص الرميد إلى أن المعايير الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة، تؤكد أن القيود المسموح بها للدول للحد من الحرية هي استثناء على القاعدة العامة التي تكرس الحرية، مع ضرورة أن تخضع هذه الاستثناءات لضوابط من قبيل : أن تكون متلائمة مع اختبارات صارمة تتعلق بالضرورة والتناسب، ألا تستعمل لتبرير كبح أي دعوة إلى إقامة نظام ديمقراطي وتحقيق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، عدم منح سلطة تقديرية مطلقة في تقييد حرية التعبير، ألا يتم تطبيق القانون الجنائي إلا في أشد الحالات خطورة. كما اعتمد الرميد كذلك على ما ورد في تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير في تقريره لسنة 2017، وخصوصا تأكيده على أن وصول الحكومات إلى بيانات واتصالات مستخدمي الشبكات المملوكة للقطاع الخاص يشكل تدخلا في خصوصيات الأفراد على نحو يمكن أن يؤدي إلى تقييد حرية تطوي الأفكار وتبادلها، كما أكد على أنه لا ينبغي إرغام مقدمي الخدمات الكشف عن بيانات المستخدمين إلا بأمر من السلطات القضائية يثبت الضرورة والتناسب بغية تحقيق هدف مشروع. وأوردت مذكرة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، جملة من الملاحظات العامة على المشروع، إذ أشارت إلى أن "الوضع الصعب الذي تجتازه البلاد يتطلب وحدة الصف واجتماع الكلمة، وتعبئة طاقات الأمة وراء مؤسسات البلاد بمعنويات مرتفعة وحس وطني عال" ، وتابعت المذكرة : "كما وأنه بالنظر إلى أن المرحلة التي نعيشها تعبأت فيها طاقات واسعة من المواطنين لمجابهة كل الأخبار الزائفة، وكشفها والتنكير على أصحابها، الشيء الذي يبعث على عدم ملاءمة إصدار أي قانون يفضي إلى إضعاف ثقة الناس واجتماع كلمتهم، بل واعتبار أن الحكومة استغلت الظروف الصعبة التي تمر منها البلاد لتمرير قانون يقيد حرية التعبير والرأي" . كما رأى الرميد أن استثناء المشروع في مادته الرابعة المادة 4 الإصدارات الإلكترونية التي تهم الصحفيين سيؤدي إلى مفارقة غير مقبولة، وتتجسد في أن الفعل الواحد الذي يأتيه شخصان سيخضع أحدهما لقانون الصحافة بما يضمنه من ضمانات على خلاف الشخص الآخر الذي سيخضع لهذا القانون، خصوصا أن التمايز سيكون أيضا على مستوى العقوبات. واعتبرت المذكرة، أن المشروع حينما اعتمد صيغة الإدارة أو الهيئة المكلفة بالإشراف على الخدمات المقدمة من طرف شبكات التواصل الاجتماعي في المواد 5 و 6 و 7 وما بعدها لم يحدد ماهيتها وكيفية تشكيلها ونصها القانوني المرجعي، وهو ما يفيد- بحسب الرميد- أن الحكومة لا تملك تصورا عن الجهة التي ستقوم بهذه المهمة الأساسية مما يتعين معه إنجاز تصور واضح في الموضوع لرفع الغموض. "علما أن هذه الهيئات لا يمكن أن تختص بالإشراف على الخدمات المقدمة كما ورد في النص، لأن الإشراف على هذه الخدمات يتم من طرف هيئات خارج المغرب، ولهذا ينبغي أن تقتصر مهامها على الضبط الداخلي وتتبع استعمال الخدمات المقدمة" ، تردف المذكرة التي يتوفر "لوديسك" على نسخة منها. كما أشار الرميد إلى أن تطبيق المادة 3 يتطلب التأكد من الإمكانيات القانونية والتقنية المتاحة لمزودي الخدمات قبل إقرار مسؤوليتهم عما ينشر بواسطة شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل البث المفتوح، وتساءل الرميد : "هل من المسموح لهؤلاء المزودين على المراسلات التي يعطيها الدستور حماية خاصة؟ وهل يمكنهم مراقبة هذا النوع من النشر؟ ولاحظت المذكرة أن اشتراط المادة 6 لإحداث شبكات التواصل الاجتماعي الحصول على ترخيص تسلمه الإدارة أو الهيئة المعينة، يطرح إشكالا يتعلق بمسطرة الترخيص وشروط منحه وسحبه، فضلا عن كون هذه الشبكات لا وجود مادي لها ببلادنا، وهو ما يطرح إشكالية ضبط موضوع مرتبط بشبكات دولية لا تقع تحت سلطة الدولة المغربية. واقترحت المذكرة أيضا، استبدال الحديث الوارد في المادة 4 عن المنصات التي تقدم محتوى صحفيا أو تحريريا، بتسمية الصحافة الإلكترونية كما ورد في القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر. تتناول الملاحظات، الفقرة 2 من المادة 8، القائلة بإعطاء مزود الخدمة سلطة التحقق من عدم مشروعية محتوى معين وحذفه أو توقيفه أو تعطيل الوصول إليه، ما يفتح- بحسب الوثيقة- الباب أمام المزودين لإعمال سلطات لا يجب أن تكون إلا في يد القضاء، وهنا يقترح الرميد صيغة " الاكتفاء بالتوقيف المؤقت إلى حين بث القضاء في الموضوع" . "كما أن ما ورد في هذه المادة، بخصوص الاستجابة الفورية لكل طلب تقدمت به الإدارة أو الهيئة المعنية يرمي حذف أو حظر أو توقيف أي محتوى إلكتروني غير مشروع،لا يتيح للمزودين إمكانية التحقق مما إذا كان المحتوى غير مشروع أو الاعتراض على ذلك، مما يفتح الباب لممارسة سلطات تقديرية واسعة للإدارة وقد تكون مشوبة بالتعسف والشطط" ، تتابع المذكرة في هذا الشق. علاوة على ذلك، نبهت الملاحظات إلى أن الفقرة 3 التي ورد فيها " حذف أو حظر .. كل محتوى إلكتروني .. وذلك داخل أجل 24 ساعة من تلقي الشكاية" ، لم تحدد بدقة مصدر الشكاية، وهل يتعلق الأمر بالإدارة أم الأغيار. أما ما ورد في الفقرة 6 من المادة 8 بخصوص الاستجابة الفورية لكل طلب تقدمت به الجهات القضائية والأمنية، فهو يجعل الباب مفتوحا على نطاق واسع لممارسة صلاحيات خارج الرقابة القضائية، واقترح الرميد اعتماد عبارة : "الجهات القضائية والجهات الأمنية التي تعمل تحت رقابتها" . ووجهت المذكرة انتقادا للبنود الزجرية التي تهم الدعوة إلى مقاطعة المنتجات. "يلاحظ أن المادة 17 عاقبت على الدعوة إلى مقاطعة المنتجات والسلع بعقوبة تتراوح بين ستة أشهر وثلاثة سنوات، في حين أن المادة 15 عاقبت على التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 299-1 القانون الجنائي، والتي حددت العقوبة بين 3 أشهر وسنة، فهل خطورة الدعوة إلى مقاطعة المنتجات أخطر من عقوبة التحريض على ارتكاب جناية" ، تقول مذكرة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان. في هذا الباب، طالب الرميد بمراجعة جدية للعقوبة بتقليصها، كما اقترح أن يبقى التجريم في حدود إعاقة ممارسة النشاط الاقتصادي تماشيا مع فلسفة القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، ولا سيما ما ورد في المواد 6 و75 و76. وشملت ملاحظات المذكرة مقتضيات المواد 19 و 20 و21 و22، التي تنص على تجريم نشر وتقاسم وترويج محتوى إلكتروني يتضمن أخبارا زائفة معاقبة الجميع بعقوبة واحدة، دون التمييز بين الناشر والمتقاسم والمروج، ودون اعتبار لسوء النية من عدمه فيه تسوية غير مستساغة لأفعال متباينة ومختلفة. "من يعمل على تقاسم الخبر بحسن نية ودون أن يعلم أنه كاذب أو مختلق، ولغاية الإخبار به فقط لا ينبغي أن يعاقب لأنه ضحية للتضليل والاختلاق المقترف من طرف آخرين بسوء نية" ، يتابع الرميد، مشيرا إلى أن الملاحظة ذاتها تنطبق على المادتين 25 و26، اللتين تحولان دون التبليغ عن الاعتداءات على أشخاص أو قاصرين. أما المادة 19 الذي تهم تجريم الأخبار الزائفة فقد جاءت مخالفة لبنود الفصل 72 من قانون الصحافة فيما يتعلق بالعقوبات، ومن شأن إقرار قانونين بعقوبتين مختلفتين لأفعال إجرامية واحدة بناء على التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء إلى الصحافة من عدمه أن يجسد خرقا واضحا للدستور، خصوصا الفصل السادس منه، توضح المذكرة. ودعا الرميد كذلك، إلى تعديل المادة 25 من المشروع التي تجرم نشر أو تقاسم أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن عنفا أو اعتداء جسديا على شخص، وقصرها على الاعتداءات ذات الطبيعة الإرهابية والجرائم الفظيعة لأن الصيغة التي وردت بها قد يفهم منها أن الغاية هي التستر على التجاوزات في حق المواطنين من طرف القائمين على إنفاذ القانون وتأمينهم للإفلات من العقاب.