آلت محاولة جديدة لتشكيل حكومة فيدرالية بلجيكية منبثقة عن اقتراع 26 ماي الماضي، مرة أخرى، إلى الفشل، عقب استقالة المكلف بالمهمة الملكية، يوم الجمعة الماضي، وذلك بعد إقراره بعدم قدرته على التقريب بين مواقف الأحزاب الرئيسية المعنية بالمفاوضات. وعلى غرار أسلافه، فشل الديمقراطي- المسيحي كوين جينس (الحزب الديمقراطي المسيحي) في إيجاد نقاط التقاء بين الأطراف بغية انتشال البلاد من المأزق السياسي الراهن، لينتهي به الأمر إلى الانسحاب. وجاء في بيان صادر عن القصر الملكي، نشر مساء الجمعة، "لقد قدم جينس للملك تقريرا نهائيا وطلب إعفاءه من مهمته"، مضيفا أن العاهل البلجيكي "قبل استقالته وأعرب عن تقديره لجهوده وللعمل المنجز". ونتيجة لذلك – يضيف المصدر ذاته- سيبدأ الملك فيليب عاهل بلجيكا، مشاورات جديدة، ابتداء من اليوم الاثنين. وحول أسباب إخفاقه، أكد كوين جينس، الذي يشغل منصب نائب الوزير الأول ووزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، أنه يحمل المسؤولية، على الخصوص، للحزب الاشتراكي الفرونكفوني، المهيمن في جنوببلجيكا، والذي "لا يرغب في تحالف" لهذه الولاية التشريعية، مع القوميين الفلامانيين المنتمين للحزب الوطني الفلاماني، المتزعم في شمال البلاد. وقال كوين جينس في تصريح للصحافة عقب الاستقبال الملكي إن "الحزب الاشتراكي بدا على وجه التحديد سلبيا اتجاه تحالف مع الحزب الوطني الفلاماني"، موضحا أن "الحزب الاشتراكي أصدر فيتو نهائي في حق الحزب الوطني الفلاماني". وأضاف "ينبغي أن نكون قادرين على الاعتراف بالفشل. أعرب عن أسفي لعدم تمكني من التشاور مع جميع الأحزاب، لكنني وجدت أن المواصلة في هذا المسار لم يعد مجديا بعد التصريحات التي صدرت خلال الأيام القليلة الماضية". ومع ذلك، فإن جينس لا يزال مقتنعا بأن تحالف الحزبين الاشتراكي والوطني الفلاماني، كان "سيشكل أفضل شيء بالنسبة للبلاد". وفي الوقت الذي كان فيه جينس سيقوم بتقديم تقريره للملك، اليوم الاثنين، فإن تصريحات رئيس الحزب الاشتراكي بول ماجنيت، التي تلاها رد فعل رئيس الحزب الوطني الفلاماني بارت دي ويفر، عجلت بانسحاب جينس. ولم يكن تقرير كوين جينس كاملا، حيث كان قد اقتصر على تقديم مذكرة من 16 صفحة تعيد تناول النقاط الفيدرالية ذات الأهمية: الشق السوسيو-اقتصادي، الأمن، العدالة، الهجرة، الطاقة، البيئة والنقل. وحسب وسائل الإعلام، وبعد استقالة جينس، لن يكون أمام ملك البلجيكيين سوى خياران فقط: حكومة بدون الحزب الوطني الفلاماني (فيفالدي) أو حكومة بدون حزب اشتراكي. وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة "لاليبر بيلجيك" أن سيناريو "فيفالدي" أضحى غير محتمل، وذلك بناء على تصريحات قادة الحزب الديمقراطي المسيحي الذين شددوا منذ عدة أسابيع على أن تحالفا فيدراليا يتألف من القوميين الفلامانيين هو الوحيد المقبول من وجهة نظرهم. نفس الشيء بالنسبة لسيناريو تحالف من دون حزب اشتراكي (وبدون الإيكولوجيين)، الذي سيفرز أغلبية هشة للغاية: 77 نائبا من أصل 150. وفي ظل هذه الظروف، أضحت فرضية العودة سريعا إلى صناديق الاقتراع، المتوقعة بشكل رسمي من طرف الحزبين الاشتراكي والوطني الفلاماني، أكثر فأكثر مصداقية. وكان الملك فيليب عاهل بلجيكا، قد كلف كوين جينس ب "اتخاذ المبادرات الضرورية التي تسمح بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات"، بعد أن كان قد أنهى في اليوم نفسه، مهمة كل من خواكيم كوينز وجورج-لويس بوشي، مخبراه السابقان لتشكيل حكومة فيدرالية جديدة. وكان جينس مطالبا بالعمل بناء على تقرير المخبرين جورج-لويس بوشي وخواكيم كوينز، من دون التخلي عن مسار تحالف يجمع بين الحزبين الاشتراكي والوطني الفلاماني، التشكيلان السياسيان الرئيسيان في البلاد. وكان المخبران اللذين جرى تعيينهما بتاريخ العاشر من دجنبر الماضي، الليبرالي جورج-لويس بوشي (الوسط) وخواكيم كوينز (الحزب الديمقراطي المسيحي)، مثل أسلافهما، قد فشلا في التقريب بين مواقف مختلف الأحزاب البلجيكية، لاسيما الحزبان السياسيان الكبيران في البلاد، الاشتراكي والوطني الفلاماني، بهدف تشكيل حكومة فيدرالية جديدة منبثقة عن انتخابات 26 ماي 2019. وطوال أشهر، انتهت محاولات العديد من المخبرين والمكلفين بالتشكيل القبلي المعينين من طرف الملك فيليب، قبل المكلف بالمهمة الملكية المستقيل، سعيا إلى وضع حد للجمود السياسي في بلجيكا، قد منيت بالفشل، لاسيما وأن الخلافات السياسية-المجتمعية بين الأحزاب عميقة للغاية. وإلى جانب ذلك، فإن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة أدت إلى تعقيد المهمة، وذلك على ضوء منطقة فلامانية تنحرف نحو اليمين في مقابل فرونكفونيين والونيين ومن بروكسيل يدعمون بوضوح اليسار والخضر، ناهيك عن التصاعد السريع لأقصى اليمين في الشمال.