عجبا لوزير العدل والحريات ولبلاغه الذي ضمنه وقائع منتقاة تكرس قدسية القضاء والدفاع باستماتة عن أخطائه وتجاوزاته.. قضية خديجة السويدي، التي انتحرت حرقا ليلة 29 يوليوز 2016 بابن جريراحتجاجا على حرق كرامتها وإنسانيتها وحقها في العدل، ورفضا لحرمانها قسرا من العدل والحريات ولم “تتمتع” إلا بالظلم والعبوديات.. أقصيت من العدالة لأنها فقيرة، غير متعلمة، قاصرة، مهمشة وفتاة… ولأن العدالة ذكوريّة بامتياز: الشرطة القضائية ذكور، النيابة العامة في نفس القضية ذكور، قاضي التحقيق ذكر، قضاة الحكم ذكور، أهم أُطر وزارة العدل ذكور…. والأخطر هو تطبيق القانون بخلفية ذكورية! وإذا كان من مصداقية لأي بلاغ لوزارة العدل، فلن يحض بها إلا إذا أجاب عن الأسئلة والتساؤلات والإشكالات والتناقضات التالية: – لماذا لم يتم القبض على الجناة الثمانية جميعهم؟؛ – لماذا لم يتم الاستماع للضحية رفقة والدتها باعتبارها قاصرة عند تقديم شكايتها؟؛ – لماذا لم تستنفذ الشرطة القضائية جميع إجراءات البحث التمهيدي المنصوص عليها بقانون المسطرة الجنائية لإثبات الاستدراج والاحتجاز والاغتصاب وهتك العرض والضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض وغيرها من الجرائم البشعة، والاكتفاء بتقديم نتائج بحث تمهيدي ضعيف للنيابة العامة؟؛ – لماذا لم يستنفذ التحقيق الإعدادي الإجراءات القانونية الضرورية في هذه القضية؟؛ – لماذا لم تستدع محكمة الاستئناف بمراكش والدة الضحية لكي تتمكن من التنصب مطالبة بالحق المدني باعتبار جبر الأضرار شرطا للمحاكمة العادلة، وإجراء مواجهة بين الضحية والمتهمين لتكون المحكمة قناعتها الوجدانية على أسس قانونية؟؛ – لماذا حكمت محكمة الجنايات بمراكش بالبراءة بجرة قلم على خمسة من الجناة، واكتفت بالحكم على واحد فقط بثمانية أشهر حبسا، والحال أن الجنايات والجنح التي توبعوا من أجلها في غاية الخطورة؟؛ – لماذا لم تضمن الشرطة القضائية بمحضر البحث التمهيدي تصريح الضحية بشأن تصوير الاعتداءات عليها من قبل المشتكى بهم عندما تقدمت بشكايتها بتاريخ 22 أبريل 2015، كما أكد أحد الشهود مؤخرا في قضية ابتزازها؟؛ – لماذا اكتفى بلاغ وزارة العدل بادعاء أن الحكم على أحد الجناة ب 8 أشهر حبسا نافذا جاء من أجل المتابعة بهتكًعرض قاصرة، ولم يوضح بأنها مجرد جنحة بعد إسقاط ظرف ممارسة الفعل بالعنف أولا، وأخفى بأنه أدين أيضا من أجل الاتجار في المخدرات؟؛ – ألم يكن ممكنا الحكم عليه بنفس العقوبة أو أكثر كما ينص قانون زجر الاتجار في المخدرات؟ إذن أين العقوبة على هتك عرض قاصرة؟ ولماذا صدقت المحكمة بأنه كان يعاشر الضحية جنسيا بإرادتها، ولم تصدقها هي عندما صرحت باستدراجه لها واحتجازها من قبل عصابته، وبإذاقتها جميع “فنون” الاعتداءات الجنسية والإهانات والإذلال ؟؛ – هل يستحق وحش آدمي من هذه الفصيلة تمتيعه بظروف التخفيف؟ – لماذا يتم توظيف السلطة التقديرية للقضاء في اتجاه عدم حماية النساء من العنف والتخفيف عن الجناة أو تبرءتهم؟؛ – وهل غياب الاثبات ذريعة للمحكمة للحكم بالبراءة؟ ومن المسؤول عن البحث عن وسائل الإثبات؟ هل النيابة العامة والتحقيق والمحكمة والشرطة القضائية أم الضحية؟ وهل تصريحات الضحية القاصرة ليست قرينة قوية على الأقل؟؛ – لماذا لم تستمع المحكمة إلى الضحية والى والدتها ومواجهتهما بالمتهمين؟؛ – لماذا لم يتم القبض بعد على شخص آخر ذكرته في تصريحاتها للشرطة القضائية؟؛ – لماذا اعتقل المشتكى به السادس شهر شتنبر 2015 ولم يصدر في حقه حكم بثمان سنوات سجنا نافذا وبسرعة إلا عندما احتجت الضحية وأضرمت النار في جسدها تنديدا بالحكم بالبراءة وبتهديدها بنشر التسجيلات التي يوثق للاعتداء عليها؟؛ – لماذا لم تستدع المحكمة والدتها وحرمتها من الحق في المطالبة بالتعويض في الملف الثاني؟ ألأنها بئيسة ولا تستحقه؟؛ لماذا لم تفسر وزارة العدل التناقض الصارخ بين القرار الأول والقرار الثاني لنفس المحكمة وبشأن نفس الواقعة علما بأنه يستحيل عليها تبريره؟؛ – ألا يضفي هذا القرار الصادر بتاريخ 9 غشت 2016، أي بعد انتحار الضحية بعشرة أيام، عن محكمة الاستئناف بمراكش صبغة الظلم في أقصى صوره، ويفضح تجاوز القانون وسوء تطبيقه من قبل نفس المحكمة التي قضت ببراءة ستة جناة من جنايات بشعة في نفس القضية وبخصوص نفس الواقعة ؟ – ألم يكن ممكنا ألا تنتحر الضحية لو كان القانون الجنائي لا يتيح الإفلات من العقاب، وكانت المسطرة الجنائية ترتب الجزاءات على خرق مقتضياتها، وكانت الدولة تؤمن للضحايا الدعم النفسي والتوجيه القانوني والمساعدة القضائية والايواء والتكفل بضحايا العنف…؟ – إذن، لماذا تمانع وزارة العدل في التغيير الجذري والشامل للقانون الجنائي؟ – لماذا رفضت وزارة التنمية برعونة وتسلط واستعلاء، بل وبدكتاتورية في خرق سافر للدستور، مقترحات ومطالب تحالف ربيع الكرامة الواردة بمذكراته المطلبية المعززة بالدراسات النقدية لمشاريع القوانين ذات الصِّلة بالعدالة الجنائية للنساء؟؛ – ألم تشبعوا بعد من انتحارات والنساء والفتيات؟ ألم يرق قلبكم بعد؟ أو لن يرف لكم جفن قط؟ كفى استعلاء وحكرة، كفى، كفى… هنيئا لحكومة أنهت ولايتها بحرق فتاة لنفسها احتجاجا على خمس سنوات من الممانعة ولي عنق الدستور وإقصاء كل ما له صلة بالديمقراطية وبحقوق الانسان وبالمساواة وبالكرامة الإنسانية… الانتحار حرقا كان بداية لعهد ديمقراطي جديد مازال يشهد مخاضا عسيرا بتونس، وأمانة على عاتق كل من يؤمن أو تؤمن بقدسية الحق في الحياة والكرامة والمساواة والعدالة ودولة القانون والمؤسسات… أن يجعل من يوم 29 يوليوز 2016, تاريخ انتحار خديجة، انطلاقة حقيقية لعهد آخر يطبق فيه الدستور، ويفي فيه المغرب بالتزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان، ويتحقق فيه المشروع الديموقراطي الحداثي… من حقنا دستوريا على وزارة العدل الحق في المعلومة لا في انتقاء ما تقدمه منها، والحمد لله أن نساء مغربنا الحبيب أنجبن وسيظلن ينجبن مناضلات ومناضلين يكشفون المراوغات السياسوية، والتوحهات الايدولوجية المحافظة، بمفهومها الواسع الذي يشمل المحافظة على واقع العدالة الرديء ببلادنا وعلى أخطاء القضاء وتجاوزاته بالرغم من نص الدستور الذي يعترف ضمنيا باحتمال خطئه وضمن لضحايا أخطاء القضاء الحق في مقاضاته للمطالبة بالتعويض،، ولن نيأس من الدفاع عن حق الشعب في الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة وربط المسؤولية بالمحاسبة… أتوقف عند هذا الحد ومازال في جوفي شيء من حتى. موعدنا يوم الاثنين 15 غشت بالجلسة التي ستعقد بالمحكمة الابتدائية بابن حرير، وقبلها الوقفة الاحتجاجية أمام نفس المحكمة صباحا والمنظمة من قبل تحالف ربيع الكرامة. بقلم خديجة الركاني محامية