يواصل اركيولوجيون مغاربة واجانب بالغشيوات التابعة لجماعة أمكالة بإقليمالسمارة، جرد التراث الطبيعي والثقافي لهذه المنطقة الحافل تاريخها. وتميزت هذه العملية، التي انطلقت شهري أبريل وماي الماضيين، وتتواصل امس الاربعاء، والتي تأتي في إطار اتفاقية الشراكة الموقعة بين قطاع الثقافة – مديرية التراث الثقافي – و عمالة إقليمالسمارة، والمجلس الإقليمي للسمارة، بالإضافة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وجمعية ميران لحماية الآثار (السمارة)، وكذا المعهد الفرنسي للبحث من أجل التنمية، بمشاركة باحثين مغاربة وأجانب مختصين في ميادين التراث وعلوم الآثار كالباليو- أنثربولوجيا والجيولوجيا والطبوغرافيا. ويسعى هذا المشروع المندمج الذي يعرف انخراط قطاعات حكومية من قبيل المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، إلى إحداث دينامية اقتصادية في منطقة تغيب فيها الموارد الاقتصادية التقليدية على شاكلة البنيات الصناعية والفلاحية، ويتأسس في المقابل على المؤهلات الطبيعية والثقافية اللامادية لأدوارها المفترضة كرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالإقليم. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قال المدير الجهوي، لوزارة الثقافة والشباب والرياضة، (قطاع الثقافة )بجهة العيون-الساقية الحمراء، الحسن الشرفي، إن فريق بحث مغربي-فرنسي ينكب على دراسة الجوانب التراثية والتاريخية والأركيولوجية لمنطقة الغشيوات، موردا أنه جرى اكتشاف عديد اللقى الأثرية التي "تؤرخ لحقبة تاريخية غابرة". وبعدما أكد الشرفي أن هذه الأبحاث الأثرية التاريخية تعد "حلقة مهمة في البحث التاريخي والتراثي المغربي"، أضاف أن المشروع يأتي في إطار اتفاقية الشراكة والتعاون المبرمة بين وزارة الثقافة والشباب والرياضة /قطاع الثقافة من خلال مديرية التراث الثقافي، والمجلس الإقليمي للسمارة، ومعهد البحوث من أجل التنمية وجمعية ميران لحماية التراث الأثري بالسمارة، والتي تتمحور حول موضوع: " بحوث أثرية وتوثيق التراث الثقافي والطبيعي لحوض الساقية الحمراء". وأضاف أن المأمول هو جعل المنطقة منصة للترويج للإمكانات التي تختزنها لغاية حسن تسويق منتوجها خصوصا في ما يتصل بالسياحة الثقافية والإيكولوجية، لافتا إلى أن الغاية تكمن أيضا في التعريف بالمنطقة على الصعد المحلية والجهوية والوطنية والدولية. وفي تصريح مماثل قال الأستاذ بالمعهد الوطني لعلوم الآثار بالرباط ورئيس البعثة، عبد الله العلوي، إن المشروع الرامي إلى جرد وتوثيق اللقى الأثرية بموقع الغشيوات الذي انطلق شهري أبريل-ماي المنصرمين، "شرع في إثمار نتائجه". وبعدما أكد أن المشروع لم يغفل بعد تكوين وتأطير الباحثين الشباب، المغاربة منهم والأجانب، نوه السيد العلوي بانخراط فعاليات المجتمع المدني فيه، مضيفا أن موقع الغشيوات الذي يمتد على مساحة 14 كيلومتر مربع، جرى جرده ضمن سجل التراث الوطني. وبخصوص الباحثين الأجانب، تضم البعثة الثانية التي تم الشروع في أشغالها بموقع الغشيوات التابع لجماعة أمكالة مابين 19 و 30 نونبر، باحثين مختصين من المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS)، والمعهد الوطني للبحث الأثري الوقائي (INRAP) و جامعة إكس مارسيليا (فرنسا)، فضلا عن مشاركة باحثين من دول صديقة وشقيقة من قبيل باحث مصري ينتمي لدائرة الآثار المصرية ومختص في النقوش الصخرية، وطالب باحث من الجمهورية الإسلامية الموريتانية. ومن الجانب المغربي يشارك في هذه البعثة باحثون من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث (الرباط)، وباحثون من كلية العلوم بجامعة محمد الخامس (الرباط)، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر (أكادير)، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل (القنيطرة). والجدير بالذكر أن غالبية الطلبة الباحثين المشاركين في هذه البعثة ينتمون إلى الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة، وأعضاء من جمعية ميران، وستسهم هذه البعثة في تكوينهم وتلقينهم أسس ومبادئ البحث في ميدان الآثار. وهو نفس الإطار الذي تم فيه إنشاء محافظة تعنى بحماية مواقع التراث الصخري بالمنطقة ومحمية لحماية وضمان تكاثر وإعادة نشر أصناف وحيشية كانت تعيش بالمنطقة قديما ثم انقرضت منها فيما بعد بفعل عوامل متعددة كالمها (Addax). يذكر أن التحريات التي أنجزت في البعثة الأولى (مارس – أبريل 2019) مكنت من التعرف على مجمل الخصائص التي يتسم بها موقع الغشيوات الكبير، وسمحت أيضا باكتشاف معالم جنائزية تتميز بالتنوع والتعدد على مستوى بنياتها الهندسية وأشكالها المعمارية، ومواقع استخراج حجر الصوان المستعمل في صنع الأدوات الحجرية التي تعود لعصور ما قبل التاريخ، ما سمح بوضع تصور عام لمنهجية الاشتغال في البعثات المقبلة. وتشهد هذه البعثة أيضا، ولأول مرة، اعتماد وسائل وتقنيات حديثة ومتطورة خاصة بالرفع الطبوغرافي للمجال، تمك ن من التقاط صور للنقوش صعبة التحديد وتسمح بأخذ رفوعاتها الهندسية وتحليل معطياتها بطريقة سليمة. وتم بالنسبة بالنسبة للبعثة الحالية، التركيز على الدراسات والتحريات الجيومورفولوجية والجيولوجية لمجال الاشتغال، مع أخذ رفوعات هندسية متعلقة بالنقوش الصخرية، ومسح أثري للمعالم الجنائزية وملحقاتها، وفي نفس الوقت إجراء تنقيبات أثرية في معلمة جنائزية تتميز بتركيبة معقدة، والتي قد تمكن النتائج المأمولة منها، من فهم جوانب من الطقوس الجنائزية الخاصة بالمجموعات البشرية القديمة التي عمرت المجال الصحراوي المغربي وشمال موريتانيا.