توصّل المجلس العسكري الحاكم في السودان وحركة الاحتجاج "لاتّفاق كامل" حول الإعلان الدستوري، على ما أعلن وسيط الاتّحاد الإفريقي محمّد الحسن لبات، ما يُمهّد الطريق لتشكيل حكومةٍ مدنيّة تُدير المرحلة الانتقالية وتُعَدّ أحد أبرز مطالب المحتجّين. ويُكمّل الاتفاق على الوثيقة الدستورية الاتفاق الذي تم إبرامه في 17 يوليوز بين العسكر وقادة تحالف "قوى الحرية والتغيير" الذي يقود الاحتجاجات بشأن "الإعلان السياسي" والذي ينصّ على تشكيل مجلس عسكري مدني مشترك يؤسّس لإدارة انتقالية تقود البلاد لمرحلة تستمر 39 شهراً. وجاء هذا الإعلان بعد يومين من مقتل أربعة متظاهرين بالرصاص خلال مسيرة في أم درمان قرب الخرطوم، وسط تظاهرات شارك فيها الآلاف في سائر أرجاء البلاد تنديداً بمقتل ستة متظاهرين بينهم أربعة تلامذة في الأُبيّض في وسط البلاد الإثنين. وقال محمّد الحسن لبات خلال مؤتمر صحافي في قاعة الصداقة للمؤتمرات في الخرطوم "أعلن للرأي العام السوداني والدولي والإفريقي أنّ الوفدين قد اتفقا اتفاقاً كاملاً على المشروع الدستوري"، دون أن يشير إلى تفاصيل الاتفاق. وأشار الوسيط الافريقي الذي وقف بجواره الوسيط الإثيوبي محمود درير إلى استمرار الاجتماعات لتنظيم مراسم التوقيع الرسمي على الاتفاق الذي طال انتظاره، من دون أن يحدّد موعداً لذلك. وكانت المباحثات الجارية تتناول "الحصانة المطلقة" التي يطالب بها جنرالات الجيش و"صلاحيات مجلس السيادة" المشترك و"مظاهر الانتشار العسكري" في مختلف مدن البلاد. وهتف الصحافيون السودانيون المتواجدون في قاعة المؤتمر فرحاً وابتهاجاً بالتوصّل للاتفاق، فيما ردّد بعضهم هتاف "مدنية مدنية" المميّز لحركة الاحتجاج. وغادر المفاوضون العسكريون قاعة المؤتمر فور إنهاء لبّات كلمته، فيما بقي مفاوضو حركة الاحتجاج لتلقّي التهاني وأسئلة الصحافيين، بحسب صحافي في وكالة فرانس برس. وقال إبراهيم الأمين أحد مفاوضي الحرية والتغيير لفرانس برس "اتفقنا على القضايا الحسّاسة المرتبطة بالأمن واستقلال القضاء وصلاحيات مجلس الوزراء والمجلس السيادي، وهي القضايا المهمة لمدنية الدولة". بدوره، قال عمر الدقير المفاوض في حركة الاحتجاج إنّ "الاتفاق على الإعلان الدستوري يعني بالنسبة لنا بداية تأسيس السلطة الانتقالية وتطبيق برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي وبدء المرحلة الانتقالية". وأكّد أنّ ذلك يشكّل "مرحلة صعبة يجب أن يكون جميع السودانيين شركاء فيها". واندلعت الحركة الاحتجاجية في السودان في 19 دجنبر 2018 بسبب رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف قبل أن تتحوّل سريعاً لحركة احتجاجات واسعة في سائر أرجاء البلاد ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير. ومنذ ذلك الحين، تسبّب قمع الاحتجاجات بمقتل 250 شخصاً، وفق لجنة الأطباء المركزية المقرّبة من حركة الاحتجاج. ورحّبت الجامعة العربية السبت بالاتفاق، معتبرةً أنّ الإعلان الدستوري "من شأنه أن يطلق مرحلة جديدة وهامة تتواكب مع تنفيذ ما يتطلّع إليه الشعب السوداني". -"الثورة نجحت"- من جهته أشاد رئيس المجلس العسكري الفريق أول عبد الفتاح برهان بالاتفاق "الذي طال انتظاره"، وذلك خلال مقابلة مع قناة الحدث السعودية. وتجمّع العشرات أمام قاعة الصداقة على ضفاف النيل الأزرق في وسط الخرطوم ملوّحين بأعلام بلادهم وهاتفين "مدنية مدنية" و"الدم بالدم لا نقبل الديّة". فيما أطلقت السيارات العنان لأبواقها احتفالاً بالتوصل للاتفاق. وقال أحمد إبراهيم (25 عاماً) وهو يلوّح بعلم السودان "بالنسبة لنا الآن الثورة نجحت وبلادنا وضعت قدمها على أول الطريق بقيام السلطة المدنية". وتابع "الجميع فرح ويحلم بغد أفضل"، فيما قال آخرون إنّهم ينتظرون التفاصيل "لإعطاء رأي كامل". لكنّ الطالب محمد ياسين (22 عاماً) اعتبر أنّه "من الجميل أن نصل لاتفاق، لكن من غير المقبول نسيان دماء الشهداء". ورأى أنّ "تحالف الحرية والتغيير تناسى دماء الشهداء التي أوصلتنا لهذه اللحظة الفارقة". وكان مقرّراً عقد هذه المفاوضات الثلاثاء لكنّها تأجّلت إلى مساء الخميس بعد مقتل ستة متظاهرين بالرصاص بينهم أربعة تلامذة في مدينة الأُبيّض في ولاية شمال كردفان يوم الإثنين. وتفاقم الوضع بعد مقتل أربعة متظاهرين الخميس في أم درمان خلال مسيرات كبيرة دعت إليها حركة الاحتجاج تنديداً بأحداث الأُبيّض، وسط غضب عارم بالبلاد. واتّهم الفريق جمال عمر رئيس لجنة الامن والدفاع بالمجلس العسكري الانتقالي عناصر في قوات الدعم السريع في الابيض بقتل المتظاهرين التلامذة. والجمعة، قال منذر ابو المعالي أحد مفاوضي الحرية والتغيير لفرانس برس إنّ "الوثيقة تنصّ على إخضاع قوات الدعم السريع لقانون القوات المسلّحة وللقائد العام، كما أنّ جهاز المخابرات العامة وفقاً للوثيقة يخضع لمجلس السيادة ومجلس الوزراء". وكانت قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري الفريق محمد حمدان دقلو، تخضع لقانون خاص بها قبل ذلك. وهذه القوات الواسعة الانتشار والنفوذ يخشاها الناس على نطاق واسع في السودان، وقد اتهمها المحتجون مراراً بارتكاب انتهاكات، الأمر الذي ينفيه حميدتي ويقول إنّها مزاعم لتشويه صورة قواته. وقبل توقيع الاتفاق، أعلن التلفزيون الرسمي أنّ الطرفين "باشرا مناقشة وثيقة السلام الموقّعة مع الجبهة الثورية"، في إشارة للاتفاق الموقع في أديس ابابا بين حركة الاحتجاج وثلاث حركات متمردة سبق أن أبدت تحفّظات على الإعلان السياسي الموقّع في 17 تموز/يوليو. وقالت المجموعات الثلاث المسلحة المنضوية في حركة الاحتجاج حينها إنّ الاتفاق السياسي فشل في إبراز أولوية إحلال السلام في مناطق النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.