انخرط المغرب بالآونة الأخيرة، في اتخاذ تدابير ترمي إلى سد الثغرات التي يمكن أن تشجع على غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إذ تعمل السلطات على بسط جميع التدابير التي تتيح تعقّب الأموال المشبوهة، في الوقت الذي يدأب مصرف المغرب المركزي على إصدار توجيهات يفترض أن تؤطّر عمل المصارف في هذا المجال. واستعانت المملكة بمجموعة العمل المالية "فاتف"، التي تتولى وضع المعايير الدولية في مجال محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث ساعدت المجموعة المملكة على ملاءمة تشريعاتها مع التوصيات الدولية، بما يفضي إلى اتخاذ تدابير لمحاربة الجريمة المالية. وسعى المغرب إلى استباق المخاطر المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، خاصة في ظل وجود مصارف مغربية أصبحت لها فروع خارج المملكة، فقد توسعت تلك المصارف كثيرا في القارة الأفريقية وأضحت لها مكاتب في أوروبا. ولا تتوفر بيانات حول حجم غسل الأموال في المغرب، إلا أن تقريرا صادرا عن معهد الحوكمة في بازل السويسرية، كان أفاد بأن المغرب يحتل المركز 56 من بين 146 دولة في العالم على مستوى تبييض الأموال. ويعتبر الخبير في القطاع البنكي، عضو الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، محمد عربي، أن المغرب يسعى، منذ سنوات، إلى سد الثغرات القانونية والفنية التي يمكن أن تفتح المجال أمام الذين يحترفون غسل الأموال. ويشدد عربي، في حديثه ل"العربي الجديد"، على أن تنامي الأخطار ذات الصلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، في سياق متسم بالأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على الرقمنة، يفرض السعي إلى سد الثغرات واستباق ما يمكن أن يحدث في المستقبل. ويؤكد أن التغيرات التي يعرفها غسل الأموال، خاصة في ظل تمويل الإرهاب، تفرض على السلطات المالية، تطوير وسائل عملها من أجل تعقّب المتربصين أو الضالعين في عمليات مالية قذرة. وتفرض القوانين في المغرب على كل مصرف، أن تكون لديه وحدة مستقلة، مهمتها تدبير منظومة اليقظة والمراقبة الداخلية، حيث تعود إليها دراسة العمليات غير الاعتيادية أو المعقدة، والسهر على تتبع الحسابات التي تسجل عمليات غير اعتيادية أو مشبوهة، كما يفترض صد علاقات الأعمال التي يمكن أن تنطوي على مخاطر مرتفعة. ويتوجب على المصارف الحرص أكثر على الإحاطة بجميع بيانات الأشخاص، الذين يريدون فتح حسابات لديهم أو حساب سندات أو خزانة حديدية أو الاستفادة من وسائل أداء لديها. ويدعو القانون إلى التحقق من هوية الأشخاص، حتى بالنسبة لأولئك الذين يقومون بعمليات تحويل الأموال أو الصرف اليدوي. وتتولى المصارف، في كل سنة على الأقل، تحليل وتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب بفئات العملاء، والبلدان أو المناطق الجغرافية، وبالمنتجات، والخدمات، والعمليات وقنوات التوزيع. ويأخذ التقييم بعين الاعتبار موضوع الحساب أو علاقة الأعمال، ومبلغ الأصول المودعة أو حجم العمليات المنجزة، وانتظام علاقة الأعمال أو مدتها، غير أنه قبل التقييم السنوي يفرض القانون على المصارف إخبار وحدة معالجة المعلومات المالية، حول العمليات المشكوك فيها. وسعى المغرب إلى حث أصحاب المهن غير المالية على ضرورة المساهمة في الوقاية من غسل الأموال، خاصة المحاسبين والمحاسبين المعتمدين والوكلاء والوسطاء العقاريين وتجار المعادن النفيسة والأحجار الكريمة والكازينوهات والعاملين في تجارة الأعمال الفنية والشركات التي تقدم خدمات في مجال الإنشاء والمقاولات وتنظيمها وتوطينها. ويعود لوحدة معالجة المعلومات المالية، حصر ومعالجة المعلومات ذات الصلة بغسل الأموال، والبت في مآل النوازل المعروضة عليها، وإصدار الأوامر بالتحقيقات. وكانت آخر بيانات حول عمل الوحدة أشارت إلى أنها توصلت منذ إنشائها، قبل تسعة أعوام، إلى 1185 إخبارية، 98 في المائة منها مرتبطة بتبييض الأموال. وتحيل تلك الوحدة، عند ارتكاب أفعال تقدر أنها تدرج ضمن جرائم غسل الأموال، على وكيل الملك لدى المحكمة، والذي يبلغها بالقرارات النهائية الصادرة في القضايا التي أحيلت عليه. ويتصور رئيس المستهلكين المتحدين، مديح وديع، أن محاربة غسل الأموال في المغرب، هدف يبدو صعبا، إذا ما أخذ بعين الاعتبار شمول الاقتصاد أنشطة غير رسمية، دعا رجال الأعمال والسلطات إلى تقليص مجالها. ويشير وديع إلى أن التدبير الرامي إلى الإحاطة بالمعاملات التجارية، عبر الفواتير الإلكترونية، والذي يرفضه التجار، من شأنه أن يساهم في تجنب بعض الممارسات التي تنطوي على مخاطر ذات صلة بغسل الأموال. المصدر: العربي الجديد