يحتضن المسرح الملكي بمراكش، إلى غاية 5 يوليوز الجاري، المعرض الدولي التشكيلي الذي تنظمه جمعية فنون النخيل للثقافة والتضامن تحت شعار "ثقافة وصحة" بشراكة مع جمعية اليد في اليد للنهوض بالمرأة، وجمعية مشعل الشباب للرياضة والتنمية، والاتحاد الوطني لنساء المغرب بجهة مراكشآسفي، وجمعية لبابة للتنمية والتواصل، وتعاونية آرت ديزاين مراكش. ويتميز المعرض المراكشي بمشاركة مجموعة من الأعمال الفنية لصفوة من الفنانات والفنانين التشكيلين من مختلف الأقطار الدولية الصديقة والشقيقة وفق ما يمليه حوار الثقافات والحضارات. ومن بين الأعمال المشاركة لوحة بعنوان "النجمة وعشاقها" التي جادت بها ريشة الفنانة التشكيلية لبابة لعلج. وخص الإعلامي والناقد الجمالي محمد فنساوي، الفنانة التشكيلية لبابة لعلج بمقال نقدي رصد فيه تجربة هذه المبدعة، تحت عنوان "يد ترى وقلب يرسم" من باب الاستعارة المحمودة، لخصنا ما يمكن أن نصف به الفنانة التشكيلية المغربية لبابة لعلج، أن يدها ترى وقلبها يرسم. هم قليلون الذين نستأنس بهم ونرتاح لقاموسهم البصري. فلعلج واحدة من هؤلاء الذين أثروا المشهد الفني المغربي بتجاربهم التعبيرية. لكن المبدعة لبابة سلكت طريقا منفردا ومتفردا، فأعمالها الحروفية تدعوك منذ النظرة الأولى، وأنت تقف في حضرة عدتها، المتمثلة في الثالوث الجمالي اللون والحرف والإيقاع، إلى الانخراط، بكل جوارحك في عالم يبدأ جماليا وينتهي كذلك. من حقها أن تكون وجها مألوفا في خارطة الإبداع النسائي، مناضلة ومجددة في المجال الصباغي، في أعمالها الجديدة التي تنشد شعرية المادة، نلمس أن الفنانة نحتت مفهوما جماليا مغايرا يزاوج بين الحروفية والأثر، وبين المادة وظلالها، موظفة ألوان الأرض وعناصر أخرى من محيطنا، يضيف فنساوي فنانة مغامرة، أعمالها مرادف للمادة والزمن، فتحت طريقا جديدا نحو تجربة تعبيرية جديدة، نصفها ب"نيو تشكيل"، تجمع فيها بين المادة وسحرها، فهو بلا ريب، مسلك جمالي يحتفي بالأصيل في تقاطع نظرات الطفولة. عكست لبابة الجسد بتجلياته ورونقه على محمولها القماشي، معبرة عن الوجود بكل ما في الكلمة من معنى. حتى أن المادة بحد ذاتها تتحول عندها، وتتأسس على قاعدة الفن التجريدي الجديد، مع تعبير مرجعي رائع مستوحى من مواضيع ميتافيزيقية عالمية. عالم تعبيري بالمعنى الأدبي هو عالمها، المجزئ إلى شذرات شعرية من المادة، فالفنانة هي قبل كل شيء مثقفة من الدرجة الأولى ومولعة بالأفكار ذات الحمولة الطاقية، تنتج بكل تلقائية مشاعر حية من مادة جامدة. فهي مجندة أساسا ضمن واقعية أكثر التصاقا بالأرض من المادة الفنية. مقتربها الجمالي يدعونا، إذن، للاحتفال بقدرة الروح الإبداعية على الاختراق، وعلى تعميم السلم والحب، فكائناتها التشكيلية، التي هي بالفعل والواقع، معادل جمالي لسيرة ومسيرة، ذات ذابت في الموضوع، وأقامت الموضوع في الذات، إلى درجة أن خيل إلينا ونحن المثبتين في زيت اللوحة وفي عمق الدلالة، أننا شظايا قصائد أعادت الفنانة تشكيلها وتجميعها في إطار. وحدها لبابة لعلج تملك أسرار عالمها الفني، ففعلها البصري تجاوز الأدوات التقليدية للتشكيل، حيث أبدعت وصنعت مادة تنتمي إليها وجدانيا وفنيا معا. استعانت المبدعة في تجربتها الثرة بعناصر متعددة، ليست بالضرورة تصويرية، لكن تقنيتها ودرايتها بمسالك التمازج، جعلتا منها واحدة من الفنانات اللواتي يملكن سر إدماج المواد في الصباغة. هي أعمال تتحدث بحماسة وبكثافة عن ذات المبدعة التي تتقاسم مع المتلقي الأحلام والآمال، وتجعل الرائي يسكن اللوحة. الحال في هذه البلاغة الفنية أن حضور المرأة في أعمال لعلج فرضه أسلوب الفنانة، إذ تبني تصورها على شعرية الذات. فإذا كان "الأسلوب هو الإنسان" عند بوفون، وإذا كان "الفن هو أن تتحول الأشكال إلى أسلوب" عند مالرو، فإن لبابة تستقطب الأشكال والإيقاع والضوء والظل لتكون بها ذاتها إبداعيا. هكذا، إذن، تكون الحروفية لعلج أسست حلقة منخرطة داخل سيرورة الفعل التأسيسي للحياة، لتسلط الضوء على كيان المرأة أمام ما تقتضيه الظروف، وهي تقف بكل إصرار وجها لوجه أمام تحدي النمطية منتصرة لكل تجديد. إنها استحالة مفتوحة على مشارف الزمن تصريفا مجازيا للشكل حتى لا يبقى مجرد تجسيد تشكيلي لحيواتها وأشيائها الصغيرة والكبيرة ولذائقتها الفنية التي تنزاح نحو مادة الحروفية الشعرية. المتأمل في المقترب الصباغي للفنانة التشكيلية والحروفية لبابة لعلج يجد نفسه منخرطا ومشدوها لملامح الشخصيات المرسومة بدقة عبر ثنائية الظل والضوء. أعمال لعلج تستمد قيمتها من خلال مضمونها التعبيري الحبلى به، والذي لا يمكن أن يتفجر إلا من خلال نظرة ثاقبة، ومن خلال التأمل والممارسة، ويعود ذلك، حسب اعتقادنا، إلى المحرضات الجمالية التي تدفع لعلج إلى الاجتهاد والتفرد. ولا شك أن هذه التجربة المليئة بالأحاسيس والمشاعر تتوفر على زخم من الرؤى الفنية العميقة المغازي، أعمالها نبرة تسطع بالحياة، وتحيي الجمال في القلوب من خلال تسخيرها لجهاز مضاميني في تراسيم تشكيلية، حيث إن الحركات الغنائية ترسل نبراتها عن طريق الرؤية البصرية لتفصح بشكل تدريجي عن مجموعة من المضامين ذات الصيغ الجمالية، وتكشف في الآن نفسه عن هواجس المبدعة، وبذلك فهي تعبر المسافات بنوع من التبسيط المدجج بالصورة التعبيرية، وبثنائية الظل والضوء، ما يجعل أسلوبها يلامس بجرأة فنية روح المعاصرة وحداثة الأسلوب، بل وتجعل مادتها الشعرية التي اشتغلت عليها أخيرا متفاعلة أكثر مع الوجدان والروح، مما يتيح لها عبور المادة التشكيلية نحو نطاق الوجود الحسي والبصري بقدر عال من المهارة في التنفيذ. تجعل من تجربتها فسحة واقعية خصبة واعدة بالعطاء على مستوى اللون والإيقاع والحركة والسند. ويكفي أن نؤكد أن لبابة مبدعة جمعت بين الحس العلمي من حيث إنها أنهمت من قيم الثقافة العالمية من فرنسا، والحس المادي الذي يبصم أعمالها ببعد خيالي، منذور للحظة الحاضرة ومفعم بحس مثالي، وهو أمر لا يتوفر عليه فنانون آخرون يشتغلون على المادة والضوء.