أكد تقرير أعده المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن استشراف مستقبل المغرب يتم بتنمية الرأسمال البشري للولوج لمجتمع واقتصاد المعرفة. وأبرز التقرير، الذي يحمل عنوان "مدرسة للعدالة الاجتماعية، مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي" أن التربية والتكوين والبحث العلمي تشكل قاعدة للنموذج التنموي، مشددا على أن هذا الطموح يعتبر في متناول المغرب. وسجل أن التربية والتكوين الجيد أساس الاستثمار في الرأسمال البشري ويمثل رهانا جوهريا لتحقيق التحول المنشود، لتلتحق البلاد بمصاف البلدان الصاعدة، مشيرا إلى أن التربية والتكوين مهمتها تعزيز بناء قدرات المواطنين والروابط الاجتماعية وترسيخ مبدأ العدالة (العدالة اللغوية؛ والعدالة المعرفية وحق الاطفال في الثقافة؛ والعدالة الرقمية ). وأضاف أن الفجوة الداخلية والخارجية (مقارنة مع البلدان المتقدمة) على مستوى هذه الأبعاد الثلاثة للعدالة تدعو إلى تفكير استشرافي من أجل إرسائها في التربية، وفي النموذج الجديد للتنمية البشرية المستدامة، مبرزا أن الاستثمار في الرأسمال البشري يهدف إلى توسيع فئة المتعلمين من أجل توسيع الطبقة المتوسطة وإعطاء دينامية جديدة للاقتصاد، وتعزيز ولوج مجتمع المعرفة وقال التقرير إن مستوى الثقة، الذي تحظى به المدرسة العمومية من قبل أغلبية المغاربة (على عكس ما تذهب إليه بعض الأفكار المسبقة)، والإجماع الحالي حول ضرورة الإصلاح وإمكانيته، وتعدد المبادرات المواطنة لفائدة المدرسة، كلها تشكل وسائل كفيلة بتحقيق الطموح بمدرسة تكون محركا للارتقاء ومصدرا للتماسك الاجتماعي والابتكار والتنمية الاقتصادية. وطرح التقرير عددا من الأسئلة من بينها هل النظام التربوي بالمغرب يساهم في الحد من الفوارق ويتيح إمكانية تحقيق العدالة الاجتماعية، وما إذا كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية تتدخل في المدرسة فيمكن التساؤل، هل المدرسة من جهتها تساهم في إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية، بل في تضخمها، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن التخفيف من آثار الفوارق المدرسية حتى تكون التربية وسيلة للتحرر والحركية الاجتماعية. وأشار المصدر ذاته، إلى أن المداخيل الأساسية لتحقيق مدرسة للعدالة الاجتماعية في سياق النموذج التنموي تتمثل في ثلاثة مداخل تتمثل أولاها في التعرف والاعتراف بالفوارق الكامنة في صلب نظام التربية لتجديد نموذج للتنمية البشرية، وثانيها في فك الارتباط بين الفوارق الاجتماعية والفوارق المدرسية، وآخرها في إرساء نموذج تربوي جديد يقوم على العدالة المدرسية ويدفع البلاد إلى الانخراط في عملية التنمية الاقتصادية، وفي بناء مجتمع المعرفة ليكون هو الأساس للنموذج التنموي الجديد. وأضاف، أنه يترتب عن الفوارق في النجاح الدراسي، بين جماعات التلاميذ، حدود مبدأ الاستحقاق الذي يجب أن يكون أساسا لكل نظام تعليمي وذلك بفعل وجود آليات الاستبعاد وتضخم التفاوتات، مسجلا أن للفوارق الاجتماعية التي تضخمها المدرسة كلفة اجتماعية (الانقطاع المدرسي وتبعاته الاجتماعية) واقتصادية (الهدر مكلف ماليا)، والترتيب المتدني للبلاد من حيث مؤشرات التنمية البشرية. ومن أجل الحد من أثر الفوارق الاجتماعية بين التلاميذ، يقول التقرير، ينبغي التخلص من الأمية، وتجفيف مصادرها بتعميم وجعل التربية الإجبارية من 4 إلى 15 سنة فعلية، وتوسيع وتحسين نجاعة نظام الدعم الاجتماعي على مستوى المؤسسات التعليمية في المناطق القروية والجبلية وضواحي المدن والمؤسسات ذات الإنجازات الضعيفة من أجل فك الارتباط بين الأصول الاجتماعية للتلاميذ ونتائجهم الدراسية؛ وإدراج إجراءات التمييز الإيجابي ضمن مقاربة الوقاية؛ وتتبع وتقييم مستمرين وفعالين لبرامج الدعم من أجل عدم إهمال أي طفل؛ وأهمية الشراكة مع السلطات المحلية والجماعات الترابية والقطاع الخاص والفاعلين الجمعويين لبناء النسيج الاجتماعي والترابي للقرب. كما أكد على الأولوية لتعليم إجباري منصف وذي جودة مع الاحتفاظ بجميع التلاميذ، وإرساء قاعدة مشتركة للمعارف والكفايات والثقافة للجميع، وتأهيل فضاء التعلم، واعتماد مبدأ الانفتاح والمرونة والحركية عبر جسور تقام بين مختلف مستويات التعليم العام (التأهيلي والعالي) ومستويات التكوين المهني؛ وخلق المزيد من مسالك التكوين، وكذا تنويع نماذج مؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المفتوح، وتدقيق أصنافها، وتوحيد معايير ولوجها، وتطوير قدراتها الاستيعابية؛ وتأمين أحسن مردودية لمسالك التعليم العالي في مؤسسات الاستقطاب المفتوح، والرفع من صورته، وتثمين عرضه التكويني وتحسين جودة تدريس كل المواد بدون استثناء. وشدد على أهمية جعل المدرسة ملكا مشتركا موحدا للأمة، مبرزا أن تحقيق العدالة المدرسية يتطلب إقرار توازن بين صلاحيات السلطة المركزية والصلاحيات المخولة للمستوى المحلي؛ وتعزيز سلطة القرار داخل المدرسة ولرئيس المؤسسة؛ كما أن جعل النظام التربوي أكثر مسؤولية يتوقف على دعامتين أولها التحديد الدقيق والشفاف لمسؤوليات كل الفاعلين؛ وثانيها ترسيخ ثقافة التقييم، وخاصة تقييم التعلمات.