الأزمة الاقتصادية العالمية، وإفلاس العديد من المؤسسات البنكية خلال الثلاثة عقود الأخيرة، والتشكيك في نموذج أعمال التمويل التقليدي، كان وراء تزايد الاهتمام بالتمويلات الإسلامية خلال السنوات الأخيرة. هذا ما أعلنه علي علمي إدريسي، أحد مؤسسي "أوبتيما فينانس" المتخصصة في الاستشارات والتكوين المالي خلال لقاء دراسي احتضنته بورصة الدارالبيضاء الخميس الماضي حول التمويلات الإسلامية، مضيفا، "أن تزايد الاهتمام بهذه المنتوجات يعود بالأساس إلى بحث العديد من المراكز المالية كباريس ولندن، على مكانة الريادة في هذا المجال عبر استقطاب جزء من الادخار المالي". ولبلوغ هذا الهدف، يسجل إدريسي، بادرت سلطات الرقابة بالعديد من الدول الأجنبية إلى ملاءمة إطارها القانوني من أجل تقديم هذه المنتوجات، خاصة المملكة المتحدة، وفرنسا والاتحاد الأوروبي وكندا. وفي هذا الصدد، تمكنت هذه السلطات من منح تأشيرتها لإحداث خمسة بنوك بالمملكة المتحدة منذ سنة 2004، و20 فرعا خاصا بهذه المنتوجات داخل البنوك التقليدية، وإدراج 16 صكا ماليا إسلاميا ببورصة لندن. من جانب آخر، سجل إدريسي، أن المغرب يعاني تأخرا في مجال المنتوجات الإسلامية، إن على مستوى التكوين أو التواصل حولها وحتى تسويقها، ومجال الاستشارة، لكن يفرض عليه بالمقابل، استغلال بعض الفرص التي يتوفر عليها من قبيل نجاعة النظام المالي ونضجه، والفرص التي سيتيحها إحداث المركز المالي لمدينة الدارالبيضاء. ولتطوير هذه المنتوجات في المغرب، بادرت مجموعة التجاري وفا بنك خلال السنوات الأخيرة إلى اعتماد تجربة جديدة في مجال تدبير الصناديق "الأخلاقية" أو "البديلة"، أطلق عيها "التجاري المشاركة"، تهدف إلى الرفع من تفوق قيم مالية تحترم القواعد الأخلاقية المحددة من طرف لجنة الاستثمار، لفائدة الخواص الباحثين عن منتوجات ادخار تحترم هذه القواعد. ويضم هذا الصندوق الأسهم المنتمية إلى القطاعات الصناعية والتجارية، من قبيل مواد البناء والصناعات الغذائية، والمناجم والتكنولوجيات الحديثة، ويستثني أسهم المؤسسات البنكية وقروض الاستهلاك والتأمينات والشركات المتدخلة في قطاع المشروبات الكحولية. ويجب أن تتأتى هذه المداخيل من عائدات هذه الشركات وليس من ودائع ذات دخل قار، وفي هذا الصدد يمكن السماح بنسبة قليلة لا تتعدى 20 في المائة إذا كان المحيط الاستثماري لا يسمح بالتوفر على شركات تأتي مداخيلها حصريا من أنشطتها الرئيسية، وفي حالة تجاوز هذه النسبة تلغى مساهمة هذه المؤسسات في الصندوق. إلى ذلك، يعود الاهتمام بهذه المنتوجات الإسلامية، يضيف خلال اللقاء نفسه، إلى ارتفاع عائدات البترول، وتحويل رؤوس الأموال الإسلامية بعد 11 شتنبر، وتطور مستوى الادخار بالدول السائرة في طريق النمو، فضلا عن نمو الادخار العمومي الناجم عن فوائض الميزانيات والمخزونات الهامة من العملة الصعبة، زيادة على فرص الاستثمار بدول الشرق الأوسط، وظهور صناديق استثمار سيادية. لكن رغم هذا الفورة، مازالت التمويلات الإسلامية تواجه العديد من التحديات، أولها حداثة اعتمادها، والمؤهلات القوية للنمو، والتي يعكسها تشكيل العالم الإسلامي لنسبة 25 في المائة من سكان العالم و10 في المائة من الناتج الخام العالمي، وكيفية التعامل مع التجديد في المنتوجات المقترحة، وتدبير المخاطر، وملاءمة هذه المنتوجات المسموح بتسويقها مع مقتضيات الشريعة، والتقنين والمراقبة المالية.