هوية بريس – ذ. طارق الحمودي تعد "المسألة الفلسطينية" من المسائل المهمة ضمن ملف أزمات العالم الإسلامي لاعتبارين تاريخي وديني. فأما الاعتبار التاريخي فلكونها من الأزمات ذات الأصل التاريخي القديم والممتد إلى الزمان الحاضر، وأما الاعتبار الديني فلكون محور الأزمة دائرا حول مكانة المسجد الأقصى في العقل الإسلامي وتراثه الثقافي الشعبي والنخبوي. وقد جعلته الدول العربية والإسلامية موضوعا قارا في ملفات الاجتماعات الرسمية، فمر بسبب ذلك بمحطات بارزة وظاهرة إلى الآن، وكلنا يتذكر دور المملكة العربية السعودية تحت حكم خادم الحرمين الملك فيصل بن عبد العزيز في الانتصار للمسجد الأقصى وبيت المقدس حينما منعت "البترول" عن الدول الحليفة للاحتلال الصهيويهودي لفلسطين. وكان الملك فيصل حاسما في هذا حينما قال لصحفي أمريكي في ثقة وتمكن: "عودة القدس إلى الإدارة العربية أمر حيوي ولا يمكن أن نقبل بغير ذلك"، وعندما سئل عن حدود الدولة الفلسطينية المقترحة أجاب: "يجب أن تشكل الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية" ولم يزد على ذلك. وعندما سئل عن دور الولاياتالمتحدةالأمريكية قال : "إعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني هذا ما يجب على الولاياتالمتحدة أن تقوم به"… وسئل عن قطع النفط عن الدول الغربية فأجاب بأنه لا يريد أن يضطر لفعل ذلك …هكذا كانت كلماته واضحة ومقتضبة وصارمة. لم يكن الملك فيصل ليقف عند مجرد تصريحات وتقريرات، بل صدر عنه أمر بالنفير للجهاد ضد العدو الإسرائيلي عن طريق بيان لوزارة الداخلية حينها نشر على صفحات الجرائد، فقد كان الملك فيصل يدعو إلى قومة إسلامية نقية لا تشوبها قومية ولا عنصرية ولا حزبية، تنهض للدفاع عن المسجد الأقصى، وقد قال في بعض خطبه: "إخواني، ماذا ننتظر، هل ننتظر الضمير العالمي؟ أين هو الضمير العالمي؟ إن القدس الشريف يناديكم ويستغيث بكم أيها الإخوة لتنقذوه من محنته ومما ابتلي به، فماذا يخيفنا؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك موتة أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان في سبيل الله؟". ثم رفع صوته قائلا: "وأرجو الله سبحانه وتعالى، أنه إذا كتب لي الموت، أن يكتب لي الموت شهيدا في سبيل الله"، ودعا أن لا يبقيه الله لحظة واحدة على قيد الحياة إن لم تخلص المقدسات من أيدي الصهاينة… كذلك كان، وقتل الملك فيصل بسبب كل ذلك ! هذه هي المملكة العربية السعودية التي كانت القضية الفلسطينة أم قضاياها مع التنمية الوطنية والإصلاح الداخلي، وهكذا كان خادم الحرمين، خادما للحرمين… والمبارك حوله. فمن قطع النفط عن الغرب دفاعا عن فلسطين، إلى قطع العلاقات مع قطر بدعوى مساندتها للمقاومة الفلسطينية للعدو الصهيوني، ومن الدعوة إلى محاربة الصهاينة وجهاده، إلى الدعوة إلى محاربة المقاومة الإسلامية للمشاريع الغربية والصهيونية بدعوى محاربة الإرهاب الذي صار مصطلحا له قدرة فائقة على إرضاء كل الأذواق السياسية. تحول ظاهر وصادم للعقيدة السياسية للحكومة السعودية، وليست تهمني دولة الإمارات التي يبدو من ظاهر فعلها أنها تستعمل المملكة في تحالفها معه القضاء مآرب توسعية سياسية في كثير من الدول مثل اليمن وليبيا ومصر وغيرها. إمارات ظهرت عليها أمارات العمالة السياسية للمشروع الصهيوأمريكي في البلاد العربية، وها هي اليوم، في حصارها لقطر، تفتح المجال للصهاينة اليهود للانقضاض على هذا المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ليدنسوه، إذ لم يعد هناك خوف من أن يقوم في وجههم أحد. فمصر السيسي اليوم متحالفة مع الجارة الإسرائيلية في محاربة الإخوان المسلمين الذين كانوا ولا يزالون من أكبر انصار القضية الفلسطينية، وها هي السعودية الراعي التاريخي للقضية الفلسطينية منشغلة بأختها الصغرى "قطر" الحنبلية عن ما يقوم به المقدسيون والمقدسيات من حفظ ماء وجه الأمة الإسلامية. يبدو أن كل هذا جزء من سياق أكبر تسعى فيه الدولة الصهيونية التابعة للصليبية العالمية إلى بسط نفوذها على المملكة العربية السعودية بقوة ناعمة، لصناعة شرق أوسط جديد، والسعي إلى إنشاء علاقات طبيعية بين دول المنطقة بما فيها الاحتلال اليهودي لفسطين. وما سيلاحظه المتابع الذكي هو أن الخيوط متشابكة إلى درجة مثيرة، فلا يمكن فصل الأحداث بعضها عن بعض، فالمسألة السورية بكل تفاصيلها غير منفكة عما يجري في اليمن، وهما غير بعيدين عن انقلاب السيسي، وكلها لازمة للقضية الفلسطينة والأبواب الإلكترونية والكاميرات الذكية على أبواب المسجد الأقصى، ولست محتاجا إلى التذكير بليبيا وحفترها ذي الهوى الإماراتي. والذي يخلص من كل هذا واضحا، أننا أمام فصول شبه مكتملة لمسرحية "الفوضى الخلاقة"، ففي مثلها يستطيع رئيس للولايات المتحدةالأمريكية أن "يختلس" تحت ضوء شمس كاليفورنيا أربعمائة مليار دولار من دول الحصار، وأن تسعى الإمارات إلى تقسيم اليمن إلى إمارات، وأن تحاصَر المقاومة السورية للنظام السفاح، والميل نحو تمزيق العراق بين السنة والشيعة والأكراد تحت نفوذ متزايد لإيران الرافضية وروسيا القيصرية، وكل الدول الغربية تتسابق متفننة في تقطيع الأوصال والحصول على أكبر حصة ممكنة من الثروات المشرقية. ما الذي تسببت فيه الأزمة الخليجية فيما يخص القضية الفلسطينية؟ والجواب أنها جزء من القضية وليست سببا لها، بل هي في الغالب لعبة إلهاء خطيرة، لإعادة رسم خارطة المشرق بأيدي رسامين محليين متصهينين عرب وصليبيين، ولنقلها بصراحة، نحن أمام حملات صليبية متتالية، أو قل حملة صليبية طال أمدها، وازداد شرها، والمخرج من كل هذا، هو الإيمان بالله والعمل الصالح بعبادته وحده لا شريك له، ليستخلفنا الله كما استخلف الذين من قبلنا، وليمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا، وليبدلنا من بعد خوفنا أمنا.