هوية بريس – ذ. محمد احساين القيم الأخلاقية والبعد التنموي : باعتبار الأخلاق والسلوك الأخلاقي مدخلا تنمويا له راهنيته وجدواه في تخليق الحياة العامة، وترتيب المسؤولية على السلوك العملي، وشروطه بالنسبة للعامل ورب العمل، في إطار مسؤولية الإنسان الحقيقية عن عمله؛ مما يجعل تسديد السلوك وتخليق الحياة من مداخل التنمية. ذلك أن مداخل التنمية متعددة متنوعة، وتتطلب الانسجام والتكامل. ولعل مدخل التخليق هذاعامل حاسم في أي تنمية حقيقية، تتغيى التطوير والإبداع. لذلك كان تخليق الحياة المهنية له بعده التنموي المحفزعلى تشجيع الاستثمارات، وتأمين ثقة أرباب الأعمال والأموال، وأساس كل استقرارفي المعاملات والأنشطة والخدمات… وهذا يتطلب منظومة قيمية سليمة محفزة. إلا أن الواقع يشهد بخطورة اختلال منظومتنا القيمية على كل المستويات، الاقتصادية والسياسية والتربوية والمهنية… مما يفترض ضرورة التركيز على القيم، وترسيخها عبر كل المؤسسات التربوية والتكوينية والأكاديمية… بغية تخليق الحياة المهنية كمنطلق للتاسيس لثقافة المواطنة القائمة على توازي الحقوق والواجبات؛ ذلك أن التربية على القيم في مختلف المسارات المهنية مدخل لتخليق الحياة المهنية، وأساس التنشئة على القيم الوطنية والثقافية والدينية… الرامية الى تعزيز قيم التسامح، وإتقان العمل والإخلاص فيه… وعامل التخليق هذا لا يمكن أن يكون بالخطب والشعارات، ولا بالادعاءات والبيانات؛ بل الأمر يتطلب التربية على مجموعة من القيم المهنية في مراكز التكوين والتاطير والتعليم. كما هي عملية تحتاج إلى دعم المواد الحاملة للقيم في مناهج الدراسة والتكوين . المسالك المهنية وضرورة التربية على القيم المهنية: وتعد المسالك المهنية في تعليمنا المدرسي لمنظومة التربية والتكوين خير مجال للتربية على القيم المهنية، نظرا لمآلات هذه المسالك ومستقبل المتخرجين فيها؛ مما يحافظ على هوية المتخرج، ويحصنه من الغلو والتطرف، عبر الفهم السليم الوسطي للمبادئ والأحكام والقيم الإسلامية؛ باعتبار مادة التربية الإسلامية تحمل من القيم ما يجعلها روح وأم المواد الدراسية، نظرا لغاياتها التعبدية الربانية، ونزعتها الواقعية، وبعدها الإنساني، ومقصدها التنموي… ومن هنا كان ضرويا الحفاظ على حصصها الدراسية، وغلافها الزمني بالمسالك المهنيية، وهذا ما ثمنته الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية في بلاغ مكتبها الوطني حول مستجدات المنهاج الدراسي بتاريخ 7يوليوز2017م. ولعل المتعلم في المسالك المهنية في أمس الحاجة إلى التوعية بهذه القيم، التي تجعل منه ذلك المهني المواطن الإنساني في تكوينه وتعامله، وحسن تأسيس وتطوير مشاريعه. إذ أن مادة التربية الإسلامية من المواد النابضة بالقيم التي تتغيى ترسيخها لدى المتعلم؛ بما توفره من أمن روحي، وثقافة أخلاقية حافزة على السلوك السوي، ومن هنا تأتي أهمية مادة التربية الإسلامية في المسالك المهنية؛ حيث خصصت لها حصتان في الجذوع المشتركة والسنة الأولى من التعليم الثانوي التأهيلي، وحصة واحدة في السنة الثانية إسوة بالمسالك العلمية والتقنية والفنية، باعتبار طبيعة المتخرج في هذه المسالك ومساراته المستقبلية؛ حيث يمكنه ولوج عالم الشغل والمقاولة، مزودا بالضروري من المعارف والقيم والمهارات التي يمكن توظيفها، واستثمارها في الوضعيات المهنية والتواصلية خلال ممارساته المهنية، كما يمكن تشغيل تلك الموارد والمكتسبات في مساراته الجامعية إن اختار هذه المسارات طبقا لقرار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني رقم 16 – 52 بتاريخ 4 يناير 2016 بشان تنظيم امتحانات نيل شهادة البكالوريا والمنشور بالجريدة الرسمية ع 6470 بتاريخ 2 يونيو 2016. اعتماد مادة التربية الإسلامية في الامتحان الوطني خطوة في الاتجاه الصحيح إن إدراج مادة التربية الإسلامية بالمسالك المهنية، والمحافظة على حصصها الدراسية وغلافها الزمني على غرار بقية المسالك والشعب، مطلب هوياتي يربط متعلمي تلك المسالك بهويتهم الثقافية والدينية، ويقطع مع فصل القيم عن التكوين المهني. ولعل من الخطوات الجادة والجديدة في هذا الشأن، صدور مجموعة من الوثائق التي تسير في اتجاه ترسيخ هذا البعد الهوياتي في مناهجنا الدراسية والتكوينية؛ حيث نقرأ في الفرار الوزيري أن المتعلم بالمسالك المهنية يمتحن وطنيا في مادة التربية الإسلامية وفق المحددات الآتية:
المسالك
المادة السنة الختامية ( الثانية من التعليم الثانوي التأهيلي) المراقبة المستمرة الامتحان الوطني الموحد المعامل المدة المعامل مسالك: – صناعة البنيات المعدنية – و التصنيع الميكانيكي – و صناعة الطائرات – و الاكترونيك – واجهزة التواصل – ومسالك التبريد وتكييف الهواء – و صيانة المركبات المتحركة – و الصيانة الصناعية – والصيانة المعلوماتية والشبكات – و النظم الإلكترونية والرقمية…
2 ( 75% ) وهذا ما أكدته المذكرة رقم 16 X 106 الصادرة بتاريخ 01 ديسمبر 2016 الخاصة بالتقويم التربوي بالسلك الثانوي التأهيلي؛ حيث نصت على أنه: "ينظم الاختبار الموحد لمادة التربية الإسلامية وطنيا بالمسالك المهنية بالسنة الثانية من سلك البكالوريا في مقرر المادة السنوي بأكمله، وفق المجالات المضمونية والمستويات المهارية المحددة في الإطار المرجعي الخاص بالمادة…" (ص5)، و يعتمد الإطار المرجعي لمادة التربية الإسلامية 2016 في بناء مواضيع الامتحانات الجهوية الموحدة بالنسبة للسنة الأولى من سلك البكالوريا، وكذا الامتحانات الوطنية الموحدة بالنسبة للمسالك المهنية بالسنة الثانية من سلك البكالوريا؛ باعتباره وثيقة تضبط المضامين الدراسية المقررة والكفايات (المهارات والقدرات) المسطرة لكل مستوى، مع تحديد درجة الأهمية النسبية لكل مجال، و حصر شروط الإنجاز، والوضعيات التقويمية. (ص5) سبل تعزيز مكانة مادة التربية الإسلامية في المسالك المهنية : قبل الإشارة إلى سبل تعزيز مكانة المادة في المسالك المهنية لا بد من دراسة وتحليل وضعية الملتحقين بهذه المسالك. فالمؤشرات المتوفرة – سواء على مستوى إفادات بعض الأساتذة والمديرين بهذه المؤسسات أو من خلال نتائج البكالوريا مقارنة مع نتائج بعض الشعب والمسالك – تؤكد على تواضع مستوى روادها؛ حيث لا زال التصور العام حول هذه المسالك مرتبطا بالتصور السائد حول رواد التكوين المهني المفتوح في وجه كل المتعثرين دراسيا والذين لم يستطبعوا متابعة الدراسة بالسلك التأهيلي أو الجامعي.. ولعل ذلك ناتج عن عدم أو ضعف التحسيس بنوعية الدراسة والتكوين في هذه المسالك والتذبذب والتردد الذي صاحب انطلاقة الدراسة، وعدم الوضوح في المقررات والحصص، وعدم التوعية بآفاقها المهنية والجامعية وحاجة سوق الشغل وكثير من المقاولات إلى خريجيها. ومن هنا وجب بذل مجهود من أجل التحفيز والتشجيع وطنيا وجهويا ومحليا على مستوى الإعلام والتوجيه، وكذا على مستوى وضع معايير الانتقاء، وخلق حوافز مادية ومعنوية للرواد… وأهم من ذلك مراعاة شروط التكوين وظروفه ومحتواه ، وهنا لا بد من تكييف المناهج والبرامج الدراسية مع خصوصية هذه المسالك . فعلى مستوى مادة التربية الإسلامية لا يقبل أن يبقى المتعلم محصورا بين دروس ما أتى به المنهاج الجديد في الإطار الضيق الذي حشرت فيه مادة التربية الإسلامية من خلال ما طرحه من مداخل: التزكية والاستجابة والاقتداء والقسط والحكمة، وما أعطي لها من تفسيرات، بقدر ما نطمح في هذا المستوى وفي هذه المسالك إلى الانفتاح على الفكرالإسلامي والحضارة الإسلامية، ومميزاتها ونتائجها وآثارها في ترسيخ القيم المهنية … مع التخفيف من النظري والتركيز على الأنشطة التفاعلية، ومن خلال اقتراح مجزوءات متكاملة وهادفة لكل مستوى دراسي .ومثال ذلك أقترح برنامجا للجذع المشترك المهني والذي يمكن تناوله من خلال مجزوءتين مركزتين على مجموعة من المحاور كالآتي: المجزوءة المحاور
الأولى
الحضارةالإسلامية والنهضة الصناعية 1 – صناعة الإنسان قبل صناعة الحضارة 2- الصناعة في الحضارة الإسلامية والتفاعل الحضاري 3- عوامل النهضة الصناعية في الإسلام 4- الاهتمام بالعلوم الكونية والإبداع المهني – ……
الثانية
التربية العملية والمهنية ( فقه المهنة ) 1 – الاستخلاف في المال في التصور الإسلامي 2 – العمل في الإسلام 3 – أخلاقيات المهنة في الإسلام والمسؤولية المهنية 4 – الجودة والسلوك المهني 5 – أثر العقيدة الإسلامية في النمو المهني – ….