حذر الاستاذ والباحث في قضايا التربية الاسلامية والعضو بالمكتب الوطني للجمعية المغربية لاساتذة التربية الاسلامية الاستاذ محمد حساين* من تداعيات اقصاء مادة التربية الاسلامية من مسالك الباكالوريا المهنية باعتبارها مادة حاملة لقيم الهوي الهوية المغربية التي كرسها دستور 2011 ،ولكونها موجهة لسلوك المكون المهني وفق قيم وأخلاق ومبادئ ديننا الحنيف ؛ وقال الباحث ان المقاولة اليوم بحاجة الى يد عاملة كفأة وامينة وملتزمة بأخلاق مهنتها ، فتكوينها القيمي يزيدها حماسا للإسهام في بناء وتطوير المقاولة، وإحساسا بأنه جزء منها ،مضيفا ان على القييمين على اعداد هندسة هذه المسالك ان يراجعوا تمثلاتهم المغلوطة عن مادة التربية الإسلامية ومحتوياتها...... لا ينكر فاعل أومهتم بالميدان التربوي واقع ما يعيشه تعليمنا من ضعف في مردوديته الخارجية، والمرتبطة أساسا بسوق الشغل، وفرص تشغيل الخريجين في المعاهد والكليات والمراكز ... كما أن الجميع استبشر خيرا بقرار فتح مجال للتكوين المهني في نظامنا التعليمي، في إطار مطلب انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها الاقتصادي وعالم المهن والمقاولات، ومحاولة من أجل امتصاص غضب المجتمع جراء كثرة الخريجين العاطلين وتقليص نسبة البطالة في بلدنا ... في هذا السياق شرعت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في إرساء معالم البكالوريا المغربية في مسالكها المهنية كمستجد تربوي تعليمي عرفته السنة الدراسية 2014 – 2015 لتضاف إلى غيرها من المسالك الأدبية والعلمية والتقنية والفنية ، ومما يزيد البكالوريا المغربية تنوعا وتعددا في توجهاتها . وإذا كانت البكالوريا المهنية لها خصوصياتها التقنية والميدانية؛ مما يتطلب خصوصية في حصصها وبرامجها ومناهجها ... فإن خصوصية مغربيتها تقتضي أيضا الحفاظ على هويتها الثقافية ومميزات أصالتها باعتبارها بكالوريا مغربية خاضعة لدستور وقوانين وتوجهات واختيارات مغربية ، ولا نريدها بكالوريا هجينة مستوردة من مجتمع ونظام له خصوصيته وهويته وثقافته الخاصة... هذا المدخل يأتي في سياق انكباب مديرية التعليم التقني والحياة المدرسية على تكوين فرق بيداغوجية لبناء برامج ومناهج خاصة بمسلك البكالوريا المهنية، وهنا يمكن طرح عدة تساؤلات تتداولها الأوساط التعليمية ، والآباء، وأولياء أمور التلاميذ، وكذا المتعلمين المستهدفين بها : - ما هو الغلاف الزمني المخصص للتكوين لنيل شهادة البكالوريا المهنية، وكيف يتم توزيعه بين النظري والميداني التطبيقي ؟ - ما هي فضاءات التعلم والتكوين ؟ الثانويات التأهيلية أم مراكز التكوين المهني ؟ - ما هو تصور الوزارة حول المدخل البيداغوجي المعتمد في بناء البرامج والمناهج الدراسية؟ وما مدى انسجامه مع مرتكزات الميثاق الوطني للتربية والتكوين باعتباره وثيقة متوافق بشأنها ؟ - ما هي المواد وحصصها ومعاملاتها ؟ وكيف سيتم اعتبار نسب أوزانها في نيل شهادة البكالوريا المهنية ؟ - ما هي أولويات المواد / المجزوءات / الوحدات ... التي يجب أخذها بعين الاعتبار ؟ - كيف يمكن تصريف كل ذلك في عدة بيداغوجية متطورة ومتجددة ؟ وما هي شروط نجاحها وإنجاحها ؟... لعل هذه التساؤلات وغيرها نتيجة التخوف الذي عبر عنه بعض الغيورين على منظومتنا التربوية خاصة في بعدها القيمي والهوياتي ، وأيضا نتيجة بعض العقليات المتحكمة في مسار التوجه المهني، والذي لا يرى مبررا للحفاظ على مواد الهوية والقيم؛ كاللغة العربية والاجتماعيات والتربية الإسلامية .... كما أن إثارة مادة التربية الإسلامية في مسلك البكالوريا المهنية يثير لديهم بعض الحساسيات والشكوك في جدواها ومردودها وقيمتها المضافة؛ وذلك نظرا لطبيعة تكوينهم وبناء على تصورات وتمثلات مغلوطة عن مادة التربية الإسلامية ومحتوياتها، وانطلاقا من مقولات وأحكام جاهزة لا زالت تعتبر مضامينها لا تخرج عن دورة المياه وأحكام الطهارة ... وإن كانت هذه المضامين ضرورية في مستويات دنيا لترسيخ قيم العقيدة والعبادة ، وتمنيع الناشئة من محاولات التشكيك في الثوابت والقيم ... ففي التعليم الثانوي التاهيلي تعتبر مادة دراسية تتجاوز تعليم بعض ضروريات العبادة والتدين الى ترسيخ وتطوير دائرة النقاش حول قضايا الفكر الإسلامي: التواصلية والحقوقية والأسرية والاقتصادية والبيئية والإعلامية والأخلاقية والمهنية ... فنجدها تخاطب الفكر والوجدان وتطوير المهارات من أجل تسديد سلوك المكون المهني وفق قيم وأخلاق ومبادئ ديننا الحنيف ؛ بل إنها أكبر من ذلك، فهي مادة للهوية ومن مقومات الهوية المغربية التي كرسها دستور 2011 ، وما نجد دولة تحترم نفسها تفرط برامجها التعليمية الأدبية والعلمية والتقنية والمهنية في مبادئها الدستورية ومقومات هويتها . فالملاحظ حسب ما تسرب من معلومات من دوائر بناء العدة البيداغوجية للبكالوريا المهنية أن هذا المسلك يمر عبر ثلاثة مستويات : الجذع المشترك المهني والسنة الأولى والسنة الثانية . وإذا كان الجذع المشترك المهني وفق ما كان مرصودا ومتوافقا عليه بين أعضاء اللجن البيداغوجية بقي محافظا على نفس الحصص والمواد التي تعرفها المسالك الأخرى مع التوجيه إلى ضرورة تكييف البرامج والتوجيهات التربوية مع خصوصية الجذع المشترك المهني، فإن الغموض لا زال يلف بالسنتين الأولى والثانية ؛ حيث نجد التصور هنا يخصص نسبة ضئيلة من زمن التكوين للغات ومواد الهوية ( 8 حصص تشترك فيها اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية – وقد تزداد الإسبانية او الشنوية ...حسب طلب المقاولة – ثم الاجتماعيات والتربية الإسلامية والفلسفة ) وهنا يبقى التساؤل مشروعا عن مصير مادة التربية الإسلامية وعلاقتها بالتكوين المهني والبكالوريا المهنية ؟ وذلك نظرا لقيمة المادة ودورها المركزي في صيانة وتحصين شباب التكوين المهني من انزلاقات التطرف والميوعة والابتذال واللامبالاة والانحلال الخلقي ... ، وأيضا من وسائل ربط المكون مهنيا بهويته المغربية ووطنه وحضارته؛ باعتبارها من دعائم ومقومات استنبات التنمية التي يراهن عليه مشروع إرساء البكالوريا المهنية . قد يحاجج البعض بأن التوجه المهني هنا محكوم بشروط المقولة التي تتعهد بتشغيل الخريجين ؛ لكن نحن نراهن على المقاولة المغربية الوطنية والمواطنة وكذا الخاضعة للشروط المنسجمة مع القيم والثوابت المغربية والتي تتغيى الانتاج من أجل التنمية وتطوير الاقتصاد الوطني، وليس المقاولة الاستغلالية التي همها استغلال الذكاءات والكفاءات والطاقات الوطنية من أجل تكديس الأرباح وتهريبها نحو البنوك الأجنبية ، ولا شك أن أية مقاولة مغربية مواطنة أو تعمل على الاستثمار المشروع في المغرب ستجد نفسها مرتاحة مطمئنة عندما توفر لها المنظومة التربوية يدا عاملة كفأة ، ملتزمة بأخلاق مهنتها ، يزيدها تكوينها القيمي حماسا للإسهام في بناء وتطوير المقاولة، وإحساسا بأنه جزء من المقاولة، وهي منه وإليه؛ مما يدفعه إلى الرفع من مردوديتها ، باعتباره عاملا مكونا ومؤهلا قيميا، حفيظا على قوانين وأخلاقيات المقاولة، أمينا على ممتلكاتها ، يعتقد في عمله عبادة وتعبدا لله تعالى ، تزيده صلاته تسديدا لسلوكه نحو زملائه ومسؤوليه ، ويزيده صومه فاعلية وإنتاجا . *مؤطر وباحث في قضايا التعليم والتربية الإسلامية.