هل صحيح أن المحاور الدينية التي كان تدريسها يجري من المرحلة الابتدائية إلى نهاية المرحلة الثانوية؟ هل يصح وصفها فعلا ب"التربية الإسلامية"؟ فإن تأكد لدينا أن التربية والتعليم صنوان متلازمان. أحدهما يكمل الآخر. فإن الفرق بينهما يفرض نفسه على المسؤولين عن وضع البرامج الدراسية الخاصة بكل فصل من فصول مرحلة من مراحل التعليم، لغاية حصول المتعلمين على إجازتهم في تخصصات محددة. فالتربية "هي تبليغ الشيء إلى كماله. أو هي -كما يقول المحدثون- تنمية الوظائف النفسية بالتمرين حتى تبلغ كمالها شيئا فشيئا. تقول: ربيت الولد. إذا قويت ملكاته، ونميت قدراته، وهذبت سلوكه. حتى يصبح صالحا للحياة في بيئة معينة… ومن شروط التربية الصحية أن تنمي شخصية الطفل من الناحية الجسمية والعقلية والخلقية، حتى يصبح قادرا على المؤالفة الطبيعة. يجاوز ذاته، ويعمل على إسعاد نفسه وإسعاد الناس من حوله". لكن التربية في البداية والنهاية تأديب وتهذيب كما فهم من قوله تعالى – والخطاب لنبيه -: "وإنك لعى خلق عظيم"، وكما فهم من قوله ص: "أدبني ربي فأحسن تأديبي". بحيث إننا نفهم من النصين كليهما أن المعلم والمتعلم مطلوب منهما التحلي بالتهذيب الذي على الأول تلقينه للثاني كما كان رسول الله يلقنه لصحبه الكرام البررة، مع الاقتناع التام بأن غياب التهذيب المتبادل بين طرفي التعليم يترك آثارا سيئة على كليهما كما هو حاصل الآن في المدارس والمعاهد والكليات العربية والإسلامية؟ هذا عن التربية. وماذا عن التعليم؟ التعليم "هو التدريس. وهومقابل التعلم. نقول: علمته العلم فتعلم. ويشترط في التعليم توفير الشروط التي تسهل طلب العلم على الطالب داخل المدرسة أو خارجها. والتعلم أخص من التربية، لأن التربية تشمل نقل المعلومات إلى الطالب مع العناية بتبديل صفاته وتهذيب أخلاقه. والتعليم لا يشمل إلا نقل المعلومات بطرق مختلفة". فعندما نسمي الدروس الدينية بالتربية الإسلامية، نكون قد وقعنا في خلط غير مستساغ وغير منطقي بين التربية والتعليم. فلو خصصنا حصصا للتربية التي تعني تهذيب سلوك المتعلمين من خلال دراسة الأخلاق التي تتمحور حول ما يجب الإقدام عليه من سلوكات، ألا هو الفضائل، وما يجب الإدبار عنه، أو تجنب إتيانه، ألا وهو الرذائل. لكنا فعلا في قلب التربية والتعليم. ولنتخذ كموضوعات للتربية الإسلامية، ما أمكن من الفضائل أو أضدادها من الرذائل. والفضيلة في علم الأخلاق هي "الاستعداد الدائم لسلوك طريق الخير، أو مطابقة الأفعال الإرادية للقانون الأخلاقي، أو مجموع السلوكات المعترف بقيمها". يقول أفلاطون: "الفضيلة هي العلم بالخير والعمل به". ويقول أرسطو: "الفضيلة هي الاستعداد الطبيعي أو المكتسب للقيام بالأفعال المطابقة للخير". وأمهات الفضائل عند القدماء هي الحكمة، والعفة، والشجاعة، والعدالة، وأضدادها من الرذائل: الجهل والشره، والجبن، والجور. أما الرذيلة التي هي ضد الفضيلة، فعادة فعل الشر، كالكذب الذي هو ضد الصدق. أو كالتوبة التي هي ضد التمادي في الجحود والإنكار. وهكذا يتم الإقبال على تدريس التقوى، والورع، والزهد، والرجاء، والحزن، والصبر، والخشوع، والتواضع، والقناعة، والسماحة، والتوكل، والشكر، واليقين، والرضا، والمراقبة، والمحاسبة. إلى آخر ما هنالك من الفضائل ومن الرذائل المستمدة من الدين كتابا وسنة، بحيث يتم تدريسها إلى سن التخرج من المعاهد والكليات والمدارس العليا. حتى وأن اختصاصات هذا الثالوث علمية محضة كالطب، والكمياء، والفزياء، وعلوم حياة الأرض، وما إليها من علوم دورها اليوم في الاقتصاد والمال والاختراعات، دور لا يمكن جحده. وهكذا نقدم دليلا ساطعا ملموسا على أن مسمى التربية الإسلامية، ليس سوى خليط من معلومات دينية نشحن بها ذهن التلاميذ، الذين سوف يخرجون صفر اليدين من التربية التي قدمنا نماذج منها، فيما يعرف بالفضائل والرذائل. أي أنهم سيتخرجون وهم يحملون إجازاتهم، دون أن يتمثلوا في سلوكم الوظيفي أخلاقيات مبنية على الدين الحق، لا على مسمى المبادئ الكونية، التي غزت وطننا مع الليبرالية المتوحشة. إنما ما الذي يحدث عندما تصبح "التربية الإسلامية" تربية دينية بهذا المصطلح الجديد الغامض؟ هذا الاقتراح قبل أن يتم الإقدام على تنفيذه، لا بد أن يشمل عمليتين مزدوجتين: عملية خاصة بتدريس الأخلاق في الإسلام (= تربية أخلاقية)، وعملية خاصة بتدريس مختلف الأديان، كانت سماوية كاليهودية والنصرانية، أو كانت غير سماوية كالهندوسية والمانوية والمجوسية والصابئية والطوطمية، ونظيراتها كمجرد أمثلة على الأقل. مع ما يرافق دراسة مختلف الأديان من إظهار ما صح أخذه عنها من مآخذ. فاليهودية والنصرانية تعرضتا للتحريف إلى حد أن الأخيرة غارقة في الشرك، حيث تدعي مرة أن عيسى ابن الله، وتدعي أخرى أنه هو الله ذاته. بينما الوثنية المصرية تنظر إلى الفرعون كإله يستحق العبادة. ونفس الشيء عند الوثنية اليونانية التي تنظر إلى القيصر كإله معبود مقدس؟ نقصد أن تكون دراسة مختلف الأديان دراسة موضوعية، بعيدا عن الذاتيات، حيث يراد من ورائها إلغاء أية فوارق بين الأديان من جهة، والتركيز على مسمى التسامح الديني من جهة ثانية. وأن السبيل الأمثل للقضاء على ما يعرف بالإرهاب الديني، مرتبط بسياسة تعليمية، ترمي إلى عولمة الأديان، تماما كما جرى العمل ويجري على قدم وساق، لعولمة القيم الأخلاقية حتى تبقى موحدة، من منطلق مفهوم الغربيين للمبادئ ولما يسمى بالقيم الكونية. ولنستحضر هنا كل الآثار التي أسندت حمايتها إلى منظمة اليونسكو العالمية الطابع. فالأضرحة والقباب التي لا تدخل أبدا ضمن المنظومة الإسلامية، لأنها رمز للردة الموصوفة قبل البعثة النبوية بالجاهلية! حيث عبادة الأصنام، وكبار رجال الدين، والملوك، والأباطرة، والفراعنة؟ فجاء الإسلام ليطهر كافة شعوب العالم من الشرك في مختلف صوره. لكن الميولات الجامحة إلى الفكر الظلامي الديني، جسدت الشرك في العالم الإسلامي، في صورة أولياء يتصرفون في الحياة وفي الممات لجلب المنافع ودفع المضار! فأصبحت المواسم، أو الموالد – كما يقول المصريون – مناسبات سنوية للتعبير عن تقديس السادة الذين يملكون وحدهم البركة دون غيرهم من عامة المسلمين. والبركة لدينا قوة خارقة بمقدور الولي المقدس متى شاء، أن يستعملها فتطوى له الأرض؟ أو يطير بها في الهواء؟ أو يحيي بها الأموات؟ أو يعالج بها المصابين بأمراض عقلية ونفسية وعصبية؟ كما أنه بمقدوره العطاء والحرمان والتصرف كما يريد؟ وهذه الأعراف الدينية المعششة في عقول أغلبية المغاربة، وخاصة في الوسط الريفي، هي التي يلزم التركيز عليها في دراسة الأديان، أو في تنفيذ ما بات منذ الآن يعرف بالتربية الدينية؟ إننا إذن في انتظار جديد السنة الدراسية المقبلة 2017م – 2018م لنسجل – إن صح ما قيل – وصمة عار على جبين حكومة يترأسها من يفخر بالانتماء إلى حزب شعاره المصباح! هذا الشعار الذي لم ينر – وحكومة بنكيران قائمة لخمس سنوات – سبيل الباحثين عن الدين الحق الذي غلبت عليه المبتدعات، والانحرافات الأخلاقية، ممثلة في الدعارة واحتساء كل أنواع الخمور المحلية، والقادمة من وراء الحدود، بمعرفة رجال الجمارك، والمسؤولين عن الأمن، ووزير الأوقاف الطرقي المسؤول – إلى جانب المجلس العلمي الأعلى – عن تدبير الشأن الديني، من طنجة إلى الكويرة؟ وبمساعدة رؤساء المجالس العلمية المحلية، الذين ينفذون الأوامر، دون أن تكون لهم حرية مناقشتها، وكيف برفضها أو بالاعتراض عليها؟؟؟