– على خلاف قراءات سقطت في المنطق التبريري الدفاعي عن قرار الانسحاب الاحادي للجيش المغربي من المنطقة العازلة جنوب الكركرات خلف الجدار الأمني وهي قراءات لا ننزع عنها حسن نية خاصة في ظل ضغط الدعاية الانفصالية. – هناك حاجة في المقابل الى قراءة مغايرة تنطلق من معطيات الوضع الراهن وتربطها بحقائق التاريخ وتنظر لهذا القرار كتحول استراتيجي في هذا النزاع، بعد أن واجهت المملكة اكراهاته وسلبياته في السابق وذلك طيلة أزيد من عشر سنوات، واليوم نشهد تغيرا ذَا طبيعة استرايجية فقد معها الخصوم وضعية امتياز وعززت ضع بلادنا الهجومي. – وقبل التفصيل في العناصر المكونة لهذا التحول، لابد من تقدير الموقف الوطني القائم على التحل بأعلى درجات ضبط للنفس لتفويت الفرصة عن الاستدراج لتوتر عسكري يخدم اجندة الانفصال أويتيح تصدير الأزمة الداخلية للجزائر. – ويتجلى هذا التحول في خمس نقط تعكس مكاسب استراتيجية وازنة وجسدها بيان الأمين العام للأمم المتحدة الأخير والذي دعا الى الانسحاب من المنطقة العازلة والابتعاد عن التوتر وضمان مرونة حركة النقل الطرقي والعودة الى الوضع السابق. وتمثل في مجموعها نقطة انعطاف في مسار النزاع المفتعل : –1– طيلة حوالي 12 سنة وتحديدا منذأبريل 2005 آخر تقرير أممي تضمن موقفا حاسما يتجاوز تقرير الإشارة الى وجود انتهاكات كما كان يقع في التقارير اللاحقة في السنوات الموالية حيث لم يصدر فيها موقف صريح وقوي من استفزازات البوليساريو في المنطقة العازلة الموجودة خلف الجدران الرملية الدفاعية، مثل ما صدر في ذلك التقرير، وتحولت التحركات العسكرية خلف الجدار لهم الى أمر واقع تعززت بالاحتفالات العسكرية في تيفاريتي وبلغت أوجها في زيارة الأمين العام السابق للأمم المتحدة في مارس من السنة الماضية الى تندوف ولقاءه مع قيادة البوليساريو في المنطقة خلف الجدار، وهو ما اعتبر من قبل المغرب بمثابة استفزاز معاد يخل بواجب الحياد المفروض في الأمين العام خاصة وقد تزامن ذلك تصريحاته المعادية للمغرب. – ففي 19 أبريل 2005 نصت الفقرة 28 من تقرير الأمين العام على "ان مشاركة العسكريين المسلحين في المظاهرات بالشريط الفاصل من شأنه أن يشمل انتهاكا للاتفاق العسكري رقم 1، ولذلك يتعين على منظمي المظاهرات أن يحرصوا على عدم ادخال أية أسلحة إلى هذه المنطقة، وعلى عدم ارتداء أي متضاهر للباس عسكري أو شبه عسكري لإزالة كل مصدر محتمل للاستفزاز"، كما نصت نفس الفقرة على أنه " ينبغي إعطاء إشعار مسبق بهذه التظاهرات للبعثة". – ماذا يعني ذلك؟ أن وجود البوليساريو بلباس عسكري كما هو الشأن اليوم في منطقة الكركرات استفزاز، وان الوجود بصيغة مدنية مشروط بإشعار بعثة المينورسو، وأن المسؤولية على المنطقة تعود الى الاممالمتحدة، وهي مسؤولية نقلتها بلادنا إليها في 1991، وعندما لاحظت المملكة تسلل العناصر العسكرية للبوليساريو إليها وجهت رسالة رسمية في 3شتنبر 1991 للامين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز ديكويليار تدعو لاتخاذ الإجراءات اللازمة وتحتفظ بحق اتخاد ما تراه مناسبا لحفظ السلم والأمن. – ليس فقط ذلك، بل رفضت طلبات البوليساريو على ان تتواجد قواتها في المنطقة الواقعة بين الجدران الرملية الدفاعية والحدود الدولية للمغرب على مستوى الصحراء، حسب ما يدل تقرير الأمين العام ل19 ماي 1995 وايضاً تقرير 8شتنبر 1995، ووجهت قبل هذا التقرير رسالة رسمية بلادنا في 23غشت 1995 لتأكيد ذلك، وحاولت البوليساريو تجديد طرح الامر في منتصف 2000 مع الاقتصار على الساكنة المدنية لمخيمات تندوف لكن دون جدوى. – بكلمة نحن إزاء تحول أنهى فترة "تجاهل للاستفزاز " عمرت طيلة 12 سنة وكان لابد من إنهاءها على مستوى الاممالمتحدة، وذلك بصدور موقف صريح منها ينهي وضعية انتهاك له من قبل البوليساريو ويضعها في موقف المخالف لقرارات الاممالمتحدة، وهو تحول جاء إثر الاتصال الملكي بالأمين العام للأمم المتحدة لطرح الموضوع والتفاعل السريع للأمم المتخدة والتجاوب المغربي بالانسحاب الاحادي ثم موقف عدد من دول مجموعة أصدقاء المغرب المثمن للموقف المغربي. –2– من ناحية ثانية، يبرز مكسب استراتيجي اخر يتمثل في تعزيز الشرعية القانونية للجدران الرملية ودورها الدفاعي بما يعني عودة الحياة للمقتضيات المرتبطة بها في الاتفاق العسكري، وهو موقف خالفته الأمانة العامة السابقة للأمم المتحدة، أما القيادة الامميةالجديدة فقد تبنت موقفا مغايرا ينسجم مع قرار الاممالمتحدة 658 ل1990 والذي اعتمد بمقتضاه الاتفاق العسكري ل1988 والذي حدد مناطق الحظر العسكري. –3– اما المكسب الثالث، فيهم إبطال الدعاية الانفصالية التي تقدم الجدران باعتبارها جدران "فصل عنصري" وتغدي بذلك حملات تشهير في حق المغرب، عبر القيام بمقارنات ظالمة مع جدران أخرى، في حين هي جدران دفاعية للحفاظ على الأمن وجزء من خطة وقف إطلاق النار، لكن الجديد اليوم هو انكشاف إصرار البوليساريو على عرقلة حركة النقل والمرور عبرها أي سعيها لجعلها جدار فصل واتضح في المقابل موقف المغرب بدفاعه عن حرية التنقل عبرها ضدا على الدعاية الانفصالية. –4– ويضاف لذلك مكسب استراتيجي رابع يطرح على الاممالمتحدة مواجهة تعنت البوليساريو ومن يقف خلفه، حيث أن انتهاك وقف إطلاق النار والاصرار عليه وتعمد ترويج عناصر الاستفزاز الدعائية، يمهد الطريق لقرار ادانة من مجلس الأمن المقبل، خاصة في ظل الاستعداد لمدراسة الموضوع ضمن تقرير الأمين العام في الشهر المقبل، وما يعنيه من طرح لمدى فعالية المكون العسكري لبعثة المينورسو عِوَض الارتهان لتداعيات موضوع عودة المكون المدني للبعثة. –5– من ناحية خامسة يبرز مكسب استراتيجي آخر مرتبط بالاتحاد الأفريقي، حيث تم اختبار فعالية المرحلة الجديدة في إنهاء استغلال الاتحاد ضد المغرب، خاصة بعد ان بادرت الاممالمتحدة لاتخاذ موقف واضح من القضية، تجعل من مواصلة البوليساريو لاستفزازاته في وضعية من يهدد الأمن والسلم في القارة، وذلك بعد فشل استغلال موضوع الگرگرات للتشويش على العودة. –6– ويفيد تضافر المكاسب الاستراتيجية الخمس الآنفة في بروز إمكانية الخروج من الارتهان الى اشكاليتي حقوق الانسان والثروات الطبيعية، واستعادة المبادرة لمحاصرة الخصوم، والذين لم يجدوامن خيار سوى التهوين من قرار الانسحاب الاحادي واعتباره لبضعة أمتار وان القضية الجوهرية هي الاستفتاء، رغم ان الاممالمتحدة عبرت منذ بداية القرن عن استحالة تنظيمه، وهو ما يفسر تناقضات البوليساريو وارتباكهم، وطرحهم للموضوع بعد أن أوهموا أنفسهم بقدرتهم على الاستفزاز الذي انقلب ضدهم. –7– كما تكشف ردود الفعل الدولية عن تقدير دور المغرب في مواجهة التحديات الأمنية بالمنطقة ومسؤولية المغرب في مواجهتها، وهو مكسب استراتيجي سابع في منطقة مضطربة تعرف انتشارا لشبكات الاٍرهاب والجريمة وأكسبت الجدران الرملية الدفاعية شرعية اكبر في تعزيز المواجهة لها. – الخلاصة ان موقف المغرب الاستراتيجي تعزز بهذه الخطوات المحسوبة منذ يوليوز الماضي وستمكن من تعزيز المبادرة الهجومية للمغرب لحل هذا النزاع المفتعل.