هوية بريس – نبيل غزال خلفت قضية اعتقال سلطات مدينة مراكش لفتاتين ضبطتا في وضعية مخلة على سطح منزل بمنطقة الداوديات، جدلا واسعا من طرف التيار العلماني الذي هاجم بقوة وزارة الداخلية وجهاز القضاء واتهم المجتمع برمته بالدعشنة. كيف بدأت هذه القضية؟ ففي يوم الخميس 29 أكتوبر قام أحد المواطنين بالتقاط صور لفتاتين تتعانقان وتتبادلان قبلا ساخنة في مكان مكشوف فوق سطح أحد المنازل، وقام الشخص نفسه بتسليم الصور لعائلة إحداهما، الذي قام بدوره بتبليغ المصالح الأمنية التي أوقفت القاصرتين، لتتابع بعد ذلك فرقة الأخلاق العامة التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية التحقيق. يوم السبت 31 أكتوبر تم تقديم سناء (16 عاما) وهاجر (17 عاما) أمام وكيل الملك بابتدائية مراكش، الذي قرر متابعة الفتاتين في حالة اعتقال، بتهم تتعلق بالمثلية الجنسية، تطبيقا المادة 489 من هذا القانون الجنائي الذي ينص على أن "كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات". الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عقب الحادث طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بإخلاء سبيل القاصرتين ومتابعتها في حالة سراح، معتبرة أن المحكمة تشكل بالأساس "إجحافا في حق فتاتين عبرتا عن ميولاتهما الجنسية"، و"قمعا للحريات الخاصة وتدخلا في حياتهما الحميمية". ودعت الجمعية إلى إلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي الذي يجرم العلاقات الجنسية المثلية الرضائية، داعية الجهات القضائية المختصة إلى تغليب كفة القانون الدولي لحقوق الإنسان. هذا وأكد عمر أربيب عضو المكتب المركزي للجمعية بأن الملف يشكل سابقة في تاريخ القضاء المغربي، لأنها -وفق قوله- المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال فتاتين ومحاكمتهما بتهم تتعلق بالشذوذ الجنسي، حيث كانت الاعتقالات -بالنسبة له- في السابق تتم حصرا على الذكور". وأكد عضو الجمعية أنه "لا يجوز في جميع الأحوال محاكمة أي شخص بناء على ميولاته الجنسية". "سعيد لكحل" بدوره خرج الكاتب المثير للجدل "سعيد لكحل" أمس الخميس محرضا للجمعيات الحقوقية ومطالبا بالخروج على القانون، فقال في تدوينة له على حائطه بالفيسبوك: "عار على الهيئات الحقوقية أن تقف متفرجة على مهزلة أخرى يصنعها القضاء المغربي الذي يحاكم طفلتين تبادلا قبلات على سطح منزل إحداهما". وأضاف لكحل المعروف بموافقته لمطالب الحرية الجنسية وفق ما تنص عليه المنظومة العلمانية: "أي حكرة هذه وأي مهزلة وأي فضيحة يرتكبها القضاء؟ قضاء يحارب القبلات بين طفلتين ويسكت عن ناهبي أرزاق الشعب بل يبرئ ناهبي المال العام كما فعل مع الفراع وأمثاله. كبار المجرمين غير متابعين وطفلتان تجرجران في المحاكم بسبب قبلة". يومية "آخر ساعة" اعتبرت اليومية المثير للجدل "آخر ساعة" في عدد الجمعة 4/11/2016 اعتقال الفتاتين جريمة كبرى، وزادت على ذلك -كعادتها- وبالغت متسائلة: ألا يعتبر هذا الوضع داعشيا؟ وألا يعتبر الإمعان في المتابعة والمحاكمة جزءا من صيرورة مجتمعية قيد التشكل، تتمثل في دعشنة الدولة والمجتمع؟". وهاجمت يومية العماري على صفحتها الأولى من العدد نفسه، وهي تستعرض أحداث مشابهة سابقة، عبَّر فيها الشارع المغربي عن رفضه للشذوذ الجنسي وبالضبط حادث اعتقال شاذين بساحة ضريح محمد الخامس، (هاجمت) وزارةَ الداخلية متهمة إياها ب"عملية تشهير إجرامية بالصور والأسماء الكاملة ضد المعنيين، مما يشكل -وفق قولها- تهديدا فعليا لسلامتهما وحياتهما". لتختم افتتاحيتها "إننا أمام معركة حقيقية لمواجهة تيارات الظلام وتجار الدين، ولتحصين مكتسبات مغرب الحرية والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولتصليب النضال من أجل تمتين وتطوير الحقوق المواطنة والإنسانية التي باتت تحت تهديد الداعشية". في الختام لسنا في حاجة للحديث عن التهويل الكبير الذي يقوم به هذا التيار الشاذ عن المجتمع، والذي اعتبر ما وقع من قبل بكل من شاطئ أنزا بأكادير (لافتة التذكير باحترام شهر رمضان وعدم ارتداء البيكيني)، وإنزكان (الفاتاتان اللتان ترتديان الصاية)، ومثليي فاس وبني ملال… محاولات لدعشنة المجتمع ونكوص ورجوع إلى الوراء. فتهويلهم مكشوف، ومحاولة حصرهم الصراع مع من يعتبرونهم تيارات متطرفة نفاق مفضوح، لا يمكن أن ينطلي على أحد، على اعتبار أنهم يخالفون المجتمع في توجهاته ومرجعيته وانتمائه. المثير في حادثة اعتقال الفتاتين هو تمرد العلمانيين على القانون واتهامهم لوزارة الداخلية وجهاز القضاء بتهم خطيرة جدا في وقت حساس للغاية. ما يكشف أن مزاعم احترامهم للقانون والمؤسسات المختصة، ما هي إلا أصنام عجوة سرعان ما يلتهمونها بشَرَهٍ إذا خالفت مواثيق حقوق الإنسان الغربية ونظرتهم للكون والحياة والإنسان.