حين سمعت خبر ترشح الشيخ حماد القباج قلقت عليه كثيرا، فلقد كنت أرى فيه عن قريب عالما تجتمع عليه القلوب وتتآلف بسببه الكلمة ويلتف حوله الطلبة والمستفتون، كان بالنسبة لي مشروع عالم وثمرة توشك أن تقطف قبل أوانها بالدخول إلى هذا المعترك السياسي المتعفن, والذي لا يتحمل ورع العالم وصدقه وصراحته، بل يحتاج لدهاء السياسي ومناوراته، فهذا ميدان السياسة وهذه وسائلها، إنها كالحرب تحتاج لكثير من الدهاء والحيلة، وهذا هو السر في أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يختار للحرب رجالا ليسوا بالضرورة من أهل العلم، فخالد بن الوليد لم يخرج له أصحاب الكتب الستة إلا سبعة أحاديث، وقد أصل ابن خلدون لهذه النظرية وقال إن العالم لا يصلح عادة لشؤون السياسة وبررها بكثير من المبررات. ليس هذا كله ما دعاني لكتابة هذا المقال، فلقد كان رأيا شخصيا في الشيخ حماد وهو أعلم بحاله وبإمكاناته، ولكن الذي جعلني أكتب هذا المقال هو حجم الرجل الذي ظهر فجأة أنه أكبر مما كنا نتصور. لم أكن أظن أن خبر ترشحه سيهز كيان الداخلية كلها، ويجعلها تقلق كل هذا القلق وربما اجتمعت من أجله مرات ومرات قبل أن تخرج بهذا القرار العجيب: منعه من الترشح بسبب تطرفه ومعاداته للديمقراطية؟ ويبدو أن الداخلية قد وضعت نفسها في وضع محرج جدا، فهي تعلم أن من حقه أن يطالبها بالأدلة على تلك الاتهامات، وحيث إن الداخلية ليس لها الحق في إثبات هذه الاتهامات أو نفيها بل ذلك من شأن القضاء، مما يعني أن من حقه اللجوء إلى القضاء وهو ما سيضع الداخلية في وضع لا تحسد عليه. دائما ما كانت صورة الشيخ حماد القباج تلهمني وترتبط عندي مباشرة بصورة الشيخ أحمد ياسين الذي دوخ دولة إسرائيل وهو مقعد على كرسيه، ويبدو أن الشيخ حماد القباج قد دوخ شياطين الداخلية وجعلهم يدمرون كل قواعد الديمقراطية ويعرضون سمعة البلاد للخطر من أجل رجل واجد مقعد على كرسي. فعلا أنت أكبر مما كنا نظن، وفقك الله ونصرك.