حموشي يلتقي مسؤولا عسكريا بريطانيا بهدف تعزيز التعاون الأمني    جيش إسرائيل يقر بتضرر عدة قواعد جوية    اعتداء جنسي على قاصر أجنبية بأكادير    فيلم…"الجميع يحب تودا" لنبيل عيوش يتوج بجائزتين    وكالة تصنيف دولية: طنجة المتوسط يعزز نمو الاقتصاد المغربي واستقراره    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    الصويرة بعيون جريدة إسبانية    بسبب "عدم إدانته" لهجوم إيران.. إسرائيل تعلن غوتيريش "شخصا غير مرغوب فيه"    تراجع أسعار المحروقات في المغرب    واشنطن تجدد التأكيد على دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي لصحرائه باعتبارها حلا جادا وموثوقا وواقعيا    احتجاجات بالجامعات المغربية تضامنا مع طلبة الطب وللمطالبة بإنصافهم بدل قمعهم    إطلاق نار يستهدف سفارة إسرائيل بالسويد    في ندوة صحفية غداً الخميس…وليد الركراكي يكشف عن تشكيلة المنتخب لمواجهات أكتوبر    لقجع: "سننظم كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة 2028 وسنفوز بها على أراضينا"        نزاع يؤدي إلى طعن النائب البرلماني عزيز اللبار ومدير الفندق    ارتفاع ودائع أفراد الجالية في المغرب إلى 207,6 مليار درهم        إيران تقصف إسرائيل وتهدد باستهداف "كل البنى التحتية" لها    الجديدة: سربة المقدم 'بنخدة' تتصدر ترتيب اليوم الأول للجائزة الكبرى للملك محمد السادس للتبوريدة    الصدارة تشعل الصراع بين الجيش ونهضة بركان والفتح يهدد صحوة الرجاء    الرجاء الرياضي يعلن تعاقده مع يونس النجاري    حكيمي وحارث في "طوب 5" لأفضل المُمررين في "الليغ 1"    لهذا السبب تراجعت أسعار الدواجن !    ابتداء من 149 درهما .. رحلات جوية صوب وجهات اوروبية انطلاقا من طنجة    وضع ‬دي ‬ميستورا ‬في ‬الصورة:‬    انتهاء مرحلة تجميع معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024    وفاة شاب في الأربعينات متأثراً بجروح خطيرة في طنجة    الولايات المتحدة تعيد التأكيد على دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء كحل جاد وموثوق وواقعي    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    صندوق النقد العربي يتوقع نمو الاقتصادات العربية بنسبة 2.8 في المئة خلال العام الجاري    إسرائيل تهدد بضرب أهداف نفطية واستراتيجية في إيران بالتنسيق مع الولايات المتحدة    كوت ديفوار تنفي اتهامات بوركينا فاسو لها..    هل نسقت إيران مع أمريكا قبل الهجوم؟        كيوسك الأربعاء | "الأنزوا" تخصص 20 مليون درهم للواحات المتضررة من فيضانات طاطا    إحباط عملية تهريب الكوكايين بالكركرات    أبطال أوروبا.. أرسنال يحسم القمة أمام سان جرمان وإنتصارات عريضة للفرق الكبيرة    الاعلان عن موسم أصيلة الثقافي الدولي 45 بمشاركة 300 من رجال السياسة والفكر والادب والاعلام والفن    احتفاء بذكرى المسيرة الخضراء.. الداخلة تستعد لاحتضان حدث رياضي دولي في المواي طاي    التقدم والاشتراكية: "ندين بشدة مجازر الكيان الصهيوني في فلسطين وفي لبنان ولاغتيال قيادات سياسية للمقاومة"    ألمانيا تشيد بالروابط "الاستثنائية" مع المغرب    السيد: مستشرقون دافعوا عن "الجهاد العثماني" لصالح الإمبراطورية الألمانية    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    "أنين صامت" ينافس في مهرجان دولي    الحركات الاحتجاجية والبعد الديمقراطي    في حلقة اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: محمد بن تاويت الطنجي.. محقق التراث وكاشف المخطوطات    ممثلة مغربية تثير غضب طلبة الطب بعد اتهامهم بالمراهقة السياسية    رجل يشتري غيتاراً من توقيع تايلور سويفت في مزاد… ثم يحطّمه    الأدَبُ الجَمَاهِيريّ وأدَبُ النُّخبة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    جدري القردة يجتاح 15 دولة إفريقية.. 6603 إصابات و32 وفاة    مرض جدري القردة يواصل تسجيل الإصابات في عدة دول إفريقية    تناول الكافيين باعتدال يحد من خطر الأمراض القلبية الاستقلابية المتعددة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخالفات الشرعية في مقررات اللغة العربية في التعليم الثانوي التأهيلي (ج7)
نشر في هوية بريس يوم 15 - 06 - 2016


هوية بريس – الأربعاء 15 يونيو 2016
انتهى بنا الحديث في الجزء السادس عند أبيات شعرية يقرر فيها صاحبها مسألة "التسامح" بين الأديان كلها، على نهج الحداثيين؛ الذين لايريدون بهذه الدعوى إلا إهدار الحق، والإمساك عن الدعوة إليه، والرضى بالباطل، بل ومشاركة أهله في الاحتفال به. وهذا كيد ظاهر يلزم منه بالضرورة الانسلاخ عن كل ما يضاد أباطيل الأديان من دين الإسلام.
مقابل هذا الكيد المقصود للإسلام، ينص المقوم الثاني على: الانخراط الإيجابي في الحداثة، أي: بلا نقد ولا مساءلة. وينص أيضا على: ترسيخ ثقافة.. حقوق الإنسان، أي: بمدلولها الغربي الصليبي الذي يصطلح عليه الحداثيون تدليسا: بالمنظومة "الكونية" لحقوق الإنسان. ولهذا تراهم يجيشون نخبهم وجمعياتهم ومثقفيهم للإ كراه الحكومات على التخلى عن الخصوصيات الإسلامية، وإلغاء كل التحفظات التي وضعتها عند توقيع الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة بالموضوع، وتغيير أحكام الإرث والزواج… وغيرها مما لايزال معمولا به في قوانين البلاد.
وتقرأ في المقوم الثالث: ((حفظ التراث … بتنوع روافده والعمل على تجديده))، ولو سألت الحداثيين عن دوافع تجديد التراث، لكان جوابهم حاسما وبلا خلاف هو: الاستجابة لمتطلبات الحداثة، أي: أن التراث يجب إخضاعه لها؛ فيُلفظ كل ما لا يستجيب لشروطها، فتحرف نصوص الوحيين لأجل ذلك.
ثم ماهذا التراث الذي يعنونه؟ وما روافده المتنوعة؟… إذا كانت عقيدة التوحيد السلفية، وأحكام الشريعة مرفوضة بمقاييس الحداثة، فلم يبق من التراث إلا الرقص الشعبي، وخرافات الصوفية، وأباطيل الشيعة.. ومن على شاكلتهم ممن انحرف عن الصراط المستقيم، وهدي سيد المرسلين عليه من ربه الصلاة والسلام.
ومن عجيب ماأنت راءٍ بعدُ، من هؤلاء الحداثيين الذين رفعوا راية الإلحاد، وزعموا القطيعة مع الدين.. ثم يعكفون على أقاويل أهل التصوف، ويحتفون بها ويبهجرون الكلام في التعجِيب منها، ويعدونها من فتوح الفهم وبديع القول.. كهذا الذي تقرؤه مع دهقان القوم: أدونيس، في قوله عن النفّري الصوفي، (الشعرية العربية، ص.70): ((يعطي النفري للدين بعدا ذاتيا، وهو في ذلك يؤسس نظرة معرفية أخرى تغاير النظرة الدينية التقليدية. وهو في فهمه النص القرآني، بطريقته التأويلية، يحدث انقلابا في النظرة إليه. إنه في الحالين ينقلنا من الظاهر إلى الباطن. من المعرفة العقلية إلى المعرفة الذوقية. وهو إذ يؤكد التجربة الذاتية، يلغي النموذجية. فلا نموذج للنص النفري. أنه نص أصل … هكذا يبدو النص النفري قطيعة كاملة مع الموروث في مختلف أشكال تجلياته)).
والنموذج الموروث الذي تتحتم القطيعة معه في اصطلاح الحداثيين هو أصول الإسلام وقواعد الشريعة. وأكثر ما يحتفي به الحداثيون من أضاليل المتصوفة هو: عقائد الحلول والاتحاد، ووحدة الوجود، التى أجمع أهل السنة على تكفيير منتحليها، يقول أدونيس، (ص. 72): ((هكذا يضعنا نص النفري في عالم فريد من التوهج والغبطة. بل إنه النص الغبطة … إنه نص يلغي المسافة بين الإنسان والمقدس؛ إنه أنسنة المقدس، وتقديس للإنسان)). وأنسنة المقدس، وتقيس الإنسان، هو عين ما يعرف عند الحداثيين بمركزية الإنسان في الكون، وعند المتصوفة بالحلول والاتحاد، وبه صرح أدونيس في شعريته (ص.86) ((.. إن الحركة الصوفية فصلت بين الظاهر والباطن أو بين الشريعة والحقيقة، مؤكدة على أن المعارف والحقائق تنبثق من الباطن، و.. قالت بإمكان حصول نوع من الوحدة أو الاتحاد بين الله والكون، وبين الله والإنسان)).
هذا هو التراث الذي تريد الحداثة الحفاظ عليه، هو تراث الفرق الصادة عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الزائغة عن سنته الشريفة، وتراث أمم الجاهلية التي قبل الإسلاام.
ومن الكفايات المستهدفة من إقرار هذا البرنامج في السنة الختامية في الثانوية التأهيلية، والتي نصت عليها ا"لتوجيهات التربوية" (ص.41): ((تعرف مسار تطور الشعر العربي الحديث)).
فهل كان التيار الحداثي آخر التيارت الأدبية في مسيرة تطور هذا الشعر، فيكون الوقوف عنده في البرنامج الدراسي مقبولا مستساغا؟
الجواب القاطع (لا)، بدليل التاريخ والواقع؛ فلم تك الحداثة/العلمانية سوى موجة عاتية هائجة من زبد الإلحاد، اجتاحت أرض الإسلام في غفلة من أهله، فاعتنقها غثاء من شبابه المغرّرين، المغمورين بحب الظهور، المحرومين من نور الوحي وعلم النبوة… لكن ما أسرع ما تكسرت هذه الموجوة على شاطئ الإسلام الثابت؛ ثبات الطود العظيم، فذهب زبدها جفاء، وتبدد الغثاء مع نسيم الهداية، الذي لم يزل يسري في أفئدة أهل الفطر السليمة، والعقول الصحيحة، مذ بعث الله النبي الخاتم -صلوات ربي عليه وسلامه- رحمة للعالمين.. فأنبت الله ما ينفع الناس؛ جيلا من الشباب المؤمن، الذي عاد بالأدب العربي إلى معدنه الأصيل، الذي ما انفك عنه حتى في الجاهلية الأولى؛ فأكثر شعر الجاهليين يصدق عليه مايروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابن أبي الصلت: ((آمن شعره..)). (أخرجه غير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأورده الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة: 1546) فكان هذا العود الأحمد إيذانا بانبعاث الاتجاه الإسلامي في الأدب العربي الحديث.
ولئن كانت الغاية هي تعريف تلميذ الثانوي التأهيلي تاريخ الأدب العربي الحديث، وتحولاته الفكرية، واتجاهات شعرائه إلى يوم الناس هذا، فلم تجاهل القائمون على البرنامج الدراسي هذا "الاتجاه الإسلامي" الناشئ في الشعر العربي، بعد انحسار الحداثة وخفوت جعجعتها الرعناء؟ مع أن تقسيم محاور الدورة الأولى يستجيب منطقيا لإدراج تيار رابع؛ فتكون القسمة عادلة بينها: التياران الأولان في المجزوءة الأولى؛ (إحياء النموذج) أي: البعث والإحياء، و(سؤال الذات) أي: الرومنسية. ومنطق البحث العلمي المنصف، المتجرد من الهوى يقتضي أن تقسم المجزوءة الثانية بين التيارين: الحداثي ثم الإسلامي، تبعا للتطور التاريخي للأدب العربي المعاصر.. غير أن القائمين على هذا البرنامج الدراسي اختاروا أن يفسحوا المجال للتيار الحداثي ليبدو أكبر من حجمه، فيتوهم المتعلم أنه نهاية مسار التطور أو "نهاية التاريخ". هكذا سيقت الحداثة في مظهر "الحق" الذي تنتهي إليه طبائع الأشياء ولا يستساغ خلافه.
وتثبيتا لهذا الوهم في ذهن المتلقي حرص الكُتاب الحداثيون على رمي الاتجاهين الأولين بالفشل، والعجز عن مواكبة قضايا العصر، والحق أن هذا كان يصدق إلى حد بعيد على الرومنسية؛ فإنها كانت تحمل بذور موتها في ذاتها، لذلك خبت جذوتها سريعا، ومرد ذلك في نظري إلى أمرين؛ أولهما: غربتها عن الثقافة العربية، ومباينتها للحياة الإسلامية. وآخرهما: أن واقع العرب حينئذ كان يستدعي حشد الهمم في قضايا الأمة وهي تصاول الغزاة الصليبين، وليس الانكفاء على الذات، والنفرة عن حياة الناس إلى حياة الغاب، تقليدا للرومنسية الأوربية.
فما شأن التيار الإحيائي؟ هذا ما نعرفه في العدد القادم بحول الله وقوته.
الأستاذ محمد هرماش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.