يتميز بعض رجال العلم والتعليم بحس فكاهي وطرفة نادرة، والفكاهة لها مدخل في شحذ الهمم ولفت نظر المتعلم، وتحبيبه في المدرس والدرس، غير أنها تكون بمثابة الملح للطعام، لا تكون هي الغالبة على الدرس والطاغية على المجلس. ولهذا -والله أعلم- اعتنى العلماء بتدوين الطرف والنوادر وسائر فنون الأدب، فإنها لا بد منها في المجالس الطويلة، وإلا أصاب الحضور الملل والسأم، وفي بعض الاثار (إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرف الحديث). قال الإمام ابن الحوزي (وما زال العلماء والأفاضل يعجبهم الملح، ويهشون لها، لأنها تجم النفس وتريح القلب من كد الفكر. وقد كان شعبة يحدث، فإذا رأى المزيد النحوي قال: إيه أبو زيد: استعجمت دار نعمٍ ما تكلمنا….والدار لو كلمتنا ذات أخبار). وعن محمد بن إسحاق قال: كان ابن عباس إذا جلس مع أصحابه حدثهم ساعة ثم قال حمضونا، فيأخذ في أحاديث العرب ثم يعود يفعل ذلك مراراً. وعن أسامة بن زيد قال: روحوا القلوب تعي الذكر. وقال الحسن البصري: إن هذه القلوب تحيى وتموت فإذا حييت فاحملوها على النافلة، وإذا ماتت فاحملوها على الفريضة. وعن الامام الزهري، قال: كان رجل يجالس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثهم، فإذا كثروا وثقل عليهم الحديث، قال: "إن الأذن مجاجة، وإن القلوب حمضة، فهاتوا من أشعاركم وأحاديثكم". وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي ببعض الباطل كراهية أن أحمل عليها من لحق ما يكلها. وقد شرفني الله بالتتلمذ على مشارب شتى من علماء الشرق والغرب، ورأيت أن أكثر الناس دعابة في الشرح الأساتذة المصريون، لا يلبث الاستاذ المصري بين الحين والحين من التنكيت والتحشية والطرفة والنادرة، وتكون مناسبة للدرس غاية المناسبة. وكان كبار الأئمة لا يخلون من حس فكاهي سارت به الركبان، منهم إمام الحفاظ أبو نعيم الفضل بن دكين، يُذكر أن رجلا طرق عليه الباب، فقال: من ذا؟ قال: أنا. قال: من أنا قال: رجل من ولد آدم. فخرج إليه أبو نعيم، وقبله، وقال: مرحبا وأهلا، ما ظننت أنه بقي من هذا النسل أحد!! ومنهم الإمام المحدث عبد الرزاق الصنعاني، غضب يوما على تلاميذه، فهجرهم، فاستشفعوا إليه بأعيان البلد فلم يقبل الشفاعة، حتى شفعت لهم امرأته، قبلها، فلما روجع في ذلك قال أبيات الفرزدق (ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا،،،،مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا). ومنهم الإمام الكبير، أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، كان فيه دعابة ومزح كثير.