خلال السجال الدائر حول التعديلات المرتقبة، التي ستطال كلا من القانون الجنائي ومدونة الأسرة، كرَّر عدد من الفاعلين عبارة "دخل سوق راسك". وفي هذا الصدد طالب بعض النشطاء اللادينيين والمتحولين الفكريين من المغاربة الذي يعبرون عن رفضهم لبعض المطالب المثيرة، والسلوكات المستفزة، بأن يلتزموا الصمت والحياد إزاء ما يثار، ولا يبدوا استنكارهم ويتعلموا "يدخلوا سوق راسهم بزاف ماشي شوية". عبارة "دخل سوق راسك" والتي يمكن أن يكون لها معنى إيجابيا وآخر سلبيا، تم توظيفها بشكل منحرف من طرف دعاة الحريات الجنسية والمطالبين برفع التجريم عن الإجهاض وشرب الخمور والإفطار العلني في رمضان.. وذلك لتخدم أجندتهم في المغرب. ذلك أن هذه العبارة العريقة في قاموس الدارجة المغربية، والتي تستعمل في الغالب للتحذير من التجسس وتدخل المرء في أمور لا تعنيه، حاول التيار اللاديني، الشاذ عن المجتمع، سرقتها لتبرير مطالب الحريات الفردية، ومنع إنكار المجتمع لمفاسد الوقت والمحرمات المعلومة من الدين بالضرورة. فإذا كانت المنظومة العلمانية التي تؤنسن الإله وتؤله الإنسان، ترفض وضع حدود قانونية أو أخلاقية أو قيمية أو دينية تحول دون تحقيق الفرد لنزواته وشهواته مهما كانت شريطة عدم الإضرار بالآخرين، فإن المنظومة الشرعية التي يدين بها السواد الأعظم من المغاربة بخلاف ذلك. نعم هي تقرّ أن للفرد هامشا كبيرا ليتمتع بالملذات والشهوات؛ لكن شريطة التزامه بحدود الحلال والحرام المنصوص عليهما في نصوص الشرع. وعودا إلى عبارة "دخل سوق راسك" التي كررها بوعي ودون وعي بعض النشطاء الذين يصدرون عن مرجعية لا دينية، فالهدف الأساس من توظيفهم المنحرف لها هو إسقاط شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الشعيرة التي يمارسها عدد من المواطنين خاصة على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، سواء كانوا ممَّن ينتج خطابا أو من عموم الناس، ما يسبب للعلمانيين عنتا وحرجا شديدين. ذلك أنهم يدركون جيدا أن المجتمع وإن عمت فيه بعض الظواهر السلبية إلا أنها لا تتجاوز في الغالب حدود الذنب والمعصية، ولا تصل إلى درجة الاستحلال واعتبار هذه الموبقات (الزنا واللواط وشرب الخمور والمجاهرة بإفطار في رمضان..) حقا من حقوق الإنسان، بل هي حدود يجب على المسلم ألا يتجاوزها، ويقف في وجه من يسعى لرفع التجريم عنها. فإذا كان المغربي المسلم يقرأ كتاب الله تعالى فيجد فيه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. ويجد فيه أيضا {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. فطبيعي جدا أنه لن "يدخل سوق راسو" وسيدخل طولا وعرضا في هذه المواضيع التي تمسُّه بالأساس، وتمس أسرته وأبنائه وتهدد كينونتهم.. وستكون له ردود فعل حيال ما يرفع أمام ناظريه من مطالب تتناقض تماما وإسلامية الدولة. فالمرجو ممن يحجّر على المغاربة ويمنعهم من الكلام وحرية التعبير "يدخل سوق راسو"، أو على الأقل يقبل بالاختلاف ويبتعد أقصى قدر ممكن عن الإقصاء ومصادرة آراء الآخرين..