يقول الشيخ (عبد الله بن قعود) رحمه الله: ذات مرّة اتصل بي الشيخ عبد العزيز (يعني ابن باز -رحمه الله- وكان ابن باز حياً حين إخبارنا بالقصة) بعد صلاة العصر، وقال: يا شيخ عبد الله، أريد أن تأتيني الآن! فاتجهت إليه وأنا أُفكِّر: ماذا يريد الشيخ في هذا الوقت الذي هو وقت راحته في العادة، ولما وصلت داره، وجدته في انتظاري، يترقب مجيئي إليه وبيده ظرف مغلق، فرحب بي ثم سارَّني قائلاً: يا شيخ عبد الله، تذْكِرتُك إلى باكستان جاهزة، وأريد أن تسلِّم هذا الخطاب لأخينا ضياء الحق بنفسك! وحكى لي قصة الظرف باختصار؛ فحاولت أن أعتذر لبعض الأشغال الخاصة، فلم يترك لي الشيخ مجالًا، وقال: استعن بالله، وستجد الإخوة في انتظارك هناك! قال: فجهزت نفسي وسافرت إلى هناك، ولما وصلت مطار إسلام آباد، وجدت جمعًا من الإخوة في استقبالي، وسرنا إلى حيث كان الرئيس ضياء الحق رحمه الله، ووجدنا ضياء الحق عند مدخل المبنى، فاستقبلنا ورحب بنا ترحيبا قوياً، ثم جلسنا وسلمته الخطاب، فنظر فيه، ثم قال: إن شاء الله .. إن شاء الله! ولمَّا هممنا بالانصراف، قال: بلّغ سلامنا للشيخ ابن باز، وإن شاء الله يسمع ما يسره (أو كلاماً نحو هذا). قال: وكان الشيخ قد قال لي: هذا الخطاب فيه شفاعة خاصّة في أخينا نجم الدين أربكان، لعلّ الله ييسر له الخروج من السجن .. وكان نجم الدين أربكان – وفقه الله – قد سُجن حينها بأمر من الرئيس التركي الجنرال الهالك (كنعان إيفرين) عليه من الله ما يستحق. قلنا: يا شيخ عبد الله! وما علاقة ضياء الحق بالموضوع؟ لماذا اختاره الشيخ ووجه له الرسالة؟! قال: سألت الشيخ – يعني ابن باز – فقال: له به علاقة صداقة قديمة! لعلّ الله ينفع به، لعلّ الله ينفع به! ثم سألنا الشيخ جميعاً بصوت متقارب: هل كان لهذه الشفاعة أثر؟ قال الشيخ: نعم لم نلبث حتى سمعنا خبر إطلاق سراح نجم الدين أربكان، وما إن خرج حتى بدأ في تأسيس حزبه الإسلامي باسم جديد! منقول من كتاب [العنبر والعود في سيرة العلامة ابن قعود لخالد بن عبدالرحمن بن حمد الشايع]. من صفحة أخي الحبيب/ علي أبو عزام. هذا القصة تعطيك وصفًا دقيقًا عن شخصية ابن باز، وأنه كان عالم أمة، يتابع تفاصيلها، ويعلم أوضاع كبارها وصغارها، ويدرك معاناة القادة والدعاة من أهل الإسلام، لدرجة أن يعرف عمق الصداقات بين القادة، كما قرأنا هنا بين ضياء الحق وكنعان ايفرين، رجل مثل ابن باز لا بد وأن يخلد ذكره، رحمه الله وسائر علماء المسلمين.