نشرة انذارية: تساقطات ثلجية كثيفة وأمطار رعدية قوية بعدة مناطق بالمملكة    تفاصيل جدول أعمال مجلس الحكومة الخميس المقبل    البرلمانية الدمناتي تستفسر وزيرة المالية عن غياب الأثر الاقتصادي المباشر للدعم الحكومي على الفئات الفقيرة والهشة    ميناء الناظور .. انخفاض الكميات المفرغة من منتجات الصيد البحري        كرة السلة المغربية تفتح صفحة جديدة    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. برنامج مباريات المجموعة الثانية    جدل واسع عقب اختيار محمد رمضان لإحياء حفل افتتاح كأس إفريقيا 2025    القوات المغربية والموريتانية ترتقي بالشراكة في التكوينات والتداريب العسكرية    "البيجيدي" ينتقد توزيع الدعم على الفلاحين الصغار بمنطق الولاءات السياسية والانتماء الحزبي    "شبهة داعش" تحيط بهجوم أستراليا    إعلام إسرائيل يكشف تفاصيل عن حاخام قتل في هجوم سيدني وعلاقته بحرب غزة    بروكسل توسع عقوبات السفن الروسية    هولندا تعتقل محتجين على منشد جيش إسرائيل    البابا يحذر أجهزة المخابرات من إساءة استخدام برامج التجسس وتأثيرها على الحريات والديمقراطية    تقرير: ملايين المسلمين في بريطانيا عرضة لخطر سحب الجنسية    حقوقيون يعددون مظاهر "التهميش" الذي تعاني منه مدينة ميدلت    عشرات التوقيعات للمطالبة بالحرية ل"بوز فلو" ووقف متابعة الفنانين بسبب تعبيراتهم    أسعار صناعات التحويل تزيد بالمغرب    كأس أمم إفريقيا 2025 .. المنتخب المصري المرشح الأبرز في مجموعة صعبة    كأس إفريقيا 2025: المغرب يرسخ معايير جديدة بتخصيص ملاعب تداريب حصرية لكل المنتخبات    الاتحاد العربي للصحافة الرياضية ينتخب مجلس إدارة جديد بقطر        فتح بحث قضائي في "فيضان آسفي"    ضبط مخربين في الرباط والدار البيضاء    التامني: آسفي طالها الإهمال والنسيان والفساد لا يسرق المليارات فقط بل أرواح المواطنين    فيدرالية اليسار الديمقراطي بآسفي تُطالب بفتح تحقيق بعد فاجعة الفيضانات    الدولار يستقر قرب أدنى مستوى له    "لارام" تُوسع شبكتها الجوية ب10 وجهات جديدة ابتداء من 2026    ترامب يوقع أمراً تنفيذياً جديداً ينظم قواعد الذكاء الاصطناعي    سيول آسفي ترفع حصيلة الضحايا إلى 37 وفاة واستنفار متواصل للسلطات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    طقس عاصف يوقف الدراسة بالمضيق-الفنيدق    رافينيا يحسم مستقبله مع برشلونة بقرار مثير: "لن أغادر الفريق قبل التتويج بدوري أبطال أوروبا"    عريضة توقيعات تطالب بالإفراج عن الرابور "PAUSE" وتدق ناقوس الخطر حول حرية الإبداع بالمغرب    بنسليمان تحتضن المعرض الجهوي للكتاب من 17 إلى 22 دجنبر احتفاءً بالقراءة في زمن التحول الرقمي    محطة القطار "الرباط الرياض" تفتتح تأهبا لاستقبال كان المغرب    من المعبد إلى المدرّج: كرة القدم بوصفها دينا ضمنيا    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    آلاء بنهروال... كفاءة مغربية شابة تتوج مسارها الأكاديمي بماستر في علوم البيولوجيا بجامعة مونبليي    الأمطار الغزيرة في آسفي توحد جهود المجتمع والدولة لمواجهة الفاجعة    التوفيق يبرز بواعث الحاجة إلى المذهب المالكي في ظل التحولات المجتمعية    الخصوصية التفاعلية والقاتلة    انتخاب محمد شويكة رئيسا للجمعية المغربية لنقاد السينما    الرباط تحتضن مهرجان "ربادوك" للسينما الوثائقية    أكادير تحتفي بعشرين سنة من تيميتار: دورة إفريقية بامتياز تسبق كأس أمم إفريقيا وتجمع الموسيقى الأمازيغية بالعالم    من شفشاون إلى الرباط: ميلاد مشروع حول الصناعة التاريخية    تطبيق "يالا" يربك الصحافيين والمشجعين قبل صافرة انطلاق "كان المغرب 2025"    قتيلان و8 مصابين في إطلاق نار بجامعة براون الأمريكية    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    تناول الأفوكادو بانتظام يخفض الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصوص من التراث الأندلسي.. فتوى أبي جمعة المغراوي (ت920ه/1514م)
نشر في هوية بريس يوم 11 - 04 - 2023

عاش الأندلسيون المورسكيون في شبه الجزيرة الإيبيرية حياة حافلة بالمخاطر بعدما حاول النصارى الإسبان تحويلهم قسرا إلى النصرانية، فكانوا طيلة القرن السادس عشر نصارى في الظاهر مسلمين في الباطن، في ظل المحاولات المتتالية لدمجهم بأوامر من الملك وبتسلط من محاكم التفتيش التي استخدمت وسائل ترهيبية مثل الإعدام والتعذيب والطرد والتفتيش ومصادرة الأملاك، ووسائل ترغيبية مثل الموعظة والزواج المختلط، فانتهى الأمر بالعديد منهم في نهاية المطاف إلى الطرد من الجزيرة الإيبيرية نحو بلدان المغرب العربي ومصر والشام، بعد أن أصدرت إسبانيا قرارها الشهير بنفيهم من أراضيها في سنة (1017ه/1609م). انتهت بهم إلى أن يتخذوا لأنفسهم لغة سرية خاصة، وجدوا فيها متنفسا للتعبير عن أفكارهم وآدابهم ومكاتباتهم هي لغة "الألخميادو" الشهيرة وهي القشتالية المحرفة وتكتب بحروف عربية.
لكنهم وجدوا في أثناء ذلك من يثبتهم على التمسك بدينهم الإسلام، بسبب استمرار الفقهاء من داخل وخارج الأندلس بنشر الفتاوى التي كانت تحثهم على الهجرة كفتاوى الونشريسي، أو التي كانت تنصح من لم يستطع الهجرة بالحفاظ على الإسلام باطنا والاعتقاد به سرا، كفتوى مفتي وهران أحمد بن أبي جمعة الوهراني، وهي الفتوى التي وصفها عبد الله عنان بالقول: (وهذه الوثيقة هى عبارة عن رسالة وجهت من أحد فقهاء المغرب إلى جماعة العرب المتنصرين ممن يسميهم "الغرباء" يقدم إليهم بعض النصائح التى يعاون اتباعها على تنفيذ أحكام الإسلام خفية، وبطريق التورية والتستر..)[انظر: تاريخ الأندلس، محمد عبد الله عنان. دولة الإسلام في الأندلس العصر الرابع ص 342 344]. وقد كانت مغادرة المورسكيين لإسبانيا يومئذ من الأمور الصعبة والخطيرة، اتخذت فيها السلطات الإسبانية الكثير من إجراءات الحراسة المشددة للثغور والشواطئ تحوُّطا من فرار المورسكيين إلى الشواطئ المغربية. وفي ظل تلك الظروف العصيبة، أرسل أهل مملكة غرناطة ومسلمو قشتالة إلى علماء المغرب يستفتونهم في مصابهم وكيف يتعاملون مع قرار تنصيرهم الذي خيرهم بين الكاثوليكية والويل والثبور، فأجابهم أحد هؤلاء الفقهاء وهو الفقيه أبو جمعة الوهراني المغراوي، بفتوى وُجهت أساسا لمسلمي مملكة غرناطة وقشتالة، لمواجهة التنصير القسري.
– التعريف بأبي جمعة المغراوي: هو الفقيه أبو العباس أحمد بن جمعة المغراوي الوهراني عالم ومقريء وأديب، صاحب الفتوى الشهيرة إلى الموريسكيين من أهل الأندلس، وكتاب "جامع جوامع الاختصار والتبيان فيما يعرض بين المعلمين وآباء الصبيان " والذي كتبه حوالي العام 898ه – 1493م.. ومات في العشرة الثالثة من القرن العاشر". ونسبة "المغراوي" إلى مغراوة وهي قبيلة من زناته، إحدى القبائل الكبار من برابرة المغرب، ومنه يفهم نسبته إلى وهران المدينة المعروفة، فإنها تقع في مجالات مغراوة. اختار آل شقرون مدينة فاس مكان هجرتهم دون سائر حواضر المغرب الإسلامي كتلمسان بعد الخروج من الأندلس، لأن فاس على خلاف تلك المدن كانت تعرف استقراراً نسبياً، أما تلمسان فكان يتجاذبها في ذلك الوقت النصارى والعثمانيون، لذلك كان كثير من أهلها ومن أهل وهران يهاجرون إلى فاس. [شجرة النور لمخلوف، 2-143].
موضوع الفتوى ونسخها: فتوى أبي جمعة الوهراني كتبت سنة 1504 بالعربية، وحُملت إلى الجزيرة الإيبيرية عبر بلنسية التي كان ميناؤها معبرا للقادمين من وإلى الأندلس. وقد أعاد كتابتها مدجن أراغوني في العشرية الثانية من القرن 16م وحملها إلى أراغون مع نصوص عربية أخرى هناك، ثم ترجم المورسكيون هذه الفتوى إلى اللغة الإسبانية بالحروف العربية (الألخميادو) سنة 1563م.
نص الفتوى: نقتطف من نص فتوى أبي جمعة الوهراني للأندلسيين المغرّبين هذه الفقرات دليلا على معاناة هؤلاء المورسكيين في إقامة شعائر دينهم من الصلاة والطهارة والزكاة وأكل الحلال وغير ذلك: (الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما، إخواننا القابضين على دينهم، كالقابض على الجمر.. نسأل الله أن يلطف بنا وأن يعيننا وإياكم على مراعاة حقه بحسن إيمان وصدق، وأن يجعل لنا ولكم من الأمور فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً. بعد السلام عليكم من كاتبه إليكم، من عبيد الله أصغر عبيده وأحوجهم إلى عفوه ومزيده، عبيد الله تعالى أحمد ابن بوجمعة المغراوي ثم الوهراني. كان الله للجميع بلطفه وستره، سائلاً من إخلاصكم وغربتكم حسن الدعاء، بحسن الخاتمة والنجاة من أهوال هذه الدار، والحشر مع الذين أنعم الله عليهم من الأبرار، ومؤكداً عليكم في ملازمة دين الإسلام، آمرين به من بلغ من أولادكم، إن لم تخافوا دخول شر عليكم من إعلام عدوكم بطويتكم، فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس.. فالصلاة ولو بالإيماء، والزكاة ولو كأنها هدية لفقيركم أو رياء.. والغسل من الجنابة، ولو عوماً في البحور.. وإن مُنعتم فالصلاة قضاء بالليل لحق النهار، وتسقط في الحكم طهارة الماء، وعليكم بالتيمم ولو مسحاً بالأيدي للحيطان.. وإن أكرهوكم في وقت صلاة إلى السجود للأصنام أو حضور صلاتهم فأحرموا بالنية، وانووا صلاتكم المشروعة، وأشيروا لما يشيرون إليه من صنم، ومقصودكم الله، وإن كان لغير القبلة تسقط في حقكم كصلاة الخوف عند الالتحام.. وإن أجبروكم على شرب خمر، فاشربوه لا بنية استعماله، وإن كلفوا عليكم خنزيراً فكلوه ناكرين إياه بقلوبكم، ومعتقدين تحريمه، وكذا إن أكرهوكم على محرّم، وإن زوجوكم بناتهم، فجائز لكونهم أهل الكتاب، وإن أكرهوكم على إنكاح بناتكم منهم، فاعتقدوا تحريمه لولا الإكراه، وأنكم ناكرون لذلك بقلوبكم، ولو وجدتم قوة لغيَّرتموه.. وكذا إن أكرهوكم على ربا أو حرام فافعلوا منكرين بقلوبكم، ثم ليس عليكم إلاّ رؤوس أموالكم، وتتصدقون بالباقي، إن تبتم لله تعالى.. وإن أكرهوكم على كلمة الكفر، فإن أمكنكم التورية والإلغاز فافعلوا، وإلا فكونوا مطمئني القلوب بالإيمان إن نطقتم بها ناكرين لذلك.. وما يعسر عليكم فابعثوا فيه إلينا نرشدكم إن شاء الله على حسب ما تكتبون به، وأنا أسأل الله أن يديل الكرة للإسلام حتى تعبدوا الله ظاهراً بحول الله، من غير محنة ولا وجلة، بل بصدمة الترك الكرام.. يصل إلى الغرباء إن شاء الله تعالى غرة رجب 910 هجرية، (18-11-1504م)).[البستان، لابن مريم-164].
هكذا اضطر المورسكيون إلى أن يتظاهروا بأنهم نصارى خوفا من ملاحقات محاكم التفتيش التي كانت تقتل كل من تظهر عليه علامات تدل على أنه مسلم أو عربي، إلى درجة أنهم بدَّلوا أسماءهم، وفضَّل بعضهم الخروج إلى البلاد العربية، كما فعل أحمد بن قاسم الحجري الأندلسي الذي لقب نفسه بأفوقاي خشية التعرف إليه، مما سجله في كتابه "رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب"، وهو موضوع الحلقة القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.