قبل أيام انتشرت صورة نشرها الذباب الإلكتروني الجزائري، تحمل صورة لخريطة المغرب والجزائر وفق وثيقة يزعمون انها فرنسية، والغريب في عذه الخريطة هو توسع الجزائر إلى حدود مدينة أكادير المغربية، وقد يستغرب البعض كيف لمثل هذه الخرائط أن تروج ويصدقها السذج، ولكن من يتابع الملف الجزائري يعرف أن للصورة دلالات عديدة، ورسمها لم يكن سوى بقلم رجل نظام بامتلاك مرفأ بحري على المحيط الأطلسي. https://youtube.com/shorts/B8sJ56-7V6c?feature=share في اللقاء متلفز أعلاه، يتأسف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لعدم وجود منفذ بحري يربط الجزائر بدول الساحل؛ ويقول أن الجزائر قضت ستين سنة لكي تفتح خطا بحريا مع العاصمة السينغالية دكار! كلام الرئيس واضح ولا يحتاج بذل الجهد، الجزائر تريد منفذا أطلسياً والبحر المتوسط غير كاف. هذا هو مختصر الكلام وواقع الحال؛ وتفسير الدعم الجزائري غير المشروط للبوليساريو. في المقطع يؤكد تبون على أن الرئاسة تدرس الوضع جيدا وتعمل بكل ما في وسعها لإيجاد حل للمعضلة. لا نعرف ما يفكر فيه الرئيس ولا صناع القرار في الجزائر، لكن مسألة نقل بلد بحجم الجزائر ووضعه في موقع جغرافي آخر مستحيل؛ وحتى بناء جسر معلق في السماء يصل الجزائر بالأطلسي لا يمكن تصوره، فما الحل الأنسب؟ إن كنت متابعا للأحداث وعارفا بتفاصيل الواقع، ستدرك كيف أنه ليس أمام الجزائر لتحقيق المهمة المستحيلة سوى دعم جبهة البوليساريو الانفصالية. في 1975 أي بعد سنتين فقط من ظهورها، كانت الجبهة تتلقى الدعم الكلي من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، فالرجل كما عرف عنه من مقربيه؛ أكثر رؤساء العالم كرها للمغرب؛ والرئيس الذي لم تكن هناك منظمة انفصالية مسلحة إلا ودعمها، فالمعروف عليه تقديمه الدعم المالي للجيش الجمهوري الأيرلندي الذي كان يقاتل من أجل تحرير أيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني، وكذا لجبهة مورو في الفلبين ولجماعة الدرب المضيء في البيرو…! أغدق معمر على الجبهة الانفصالية بالمال والسلاح، ولكنه لم يكن له أطماع في المغرب بقدر ما كان رجلا مهوسا بالثورات. ما إن ترك القذافي الساحة حتى تبنت الجزائر الجبهة الانفصالية ودعمتها أكثر مما كان يفعل القذافي، بل أضحت القضية كما يقول الأستاذ الدكتور "بوحنية قوي" أستاذ العلوم السياسية "جزء أساسي واحد من مسلمات السياسة الخارجية الجزائرية". وقد يعتقد المرء لأول لحظة أن الدولة الجزائرية ونظامها العسكري يعمل على دعم الجبهة لسواد أعين إخواننا الصحراويين؛ إلا أن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك، ولو كانت القضايا الإنسانية تهم هذا النظام لم ترك أبناء الجزائر يعانون الويلات ويركبون قوارب الموت للحاق بأوربا ولم يترك الصحراويين في المخيمات مكدسين! كما أشرنا سابقا الجزائر تجد في الجبهة والمشروع الانفصال تحقيقا لحلمين أولهما حلم الوصول لمياه الأطلسي والرغبة في الحصول على موانئ المغرب، وثانيهما حلم الانتقام من المغرب ورد الثأر، والتخلص من ذكرى "حكرونا". في هذا الصدد يقول الضابط الجزائري السابق، أنور مالك في حديثه ل CNN بالعربية إن سبب هذا الدعم الجزائري لا يتعلق بما تعلنه الجزائر من "عدالة القضية" فقط، "بل لأنها (الجزائر) وجدت فرصة لتصفية حسابات قديمة ومتجددة مع المغرب، حيث إن له أطماع معروفة في الصحراء الجزائرية وأيضا توجد منافسة على الزعامة في المغرب العربي". يرى النظام الجزائري أن الوضع في المغرب يتقدم للأفضل ومدنه تستضيف ملتقيات دولية واسم المغرب يردد في الإعلام، هذا ما يجعل الحكومة العسكرية في حرج كبير مع شعبها، خاصة وأن البنية التحتية الجزائرية إذا ما قورنت بمثيلتها في المغرب تبدو وكأنها من القرن الماضي وكأن الجزائر لم يتحرك من منذ الاستقلال. فلهذا تلجأ الجزائر لإشعال نار الفتنة بين البلدين حتى تشغل شعبها بهذا الصراع وتنسيه في القضية الحقيقة وهي قضية التنمية، والأموال التي تهدر على شراء سلاح منظمة انفصالية ليس للجزائري فيها دخل، وعوض أن يستفيد المواطن الجزائري من خيرات بلده يراها تقدم للآخر بحجة دعم التحرر، فليتحرر الشعب من الفقر أولا قبل التفكير في تحرير الآخرين، أم أنه تشبث غريق بغريق! المتتبع للشأن المغاربي يلاحظ كيف أن العداء الجزائري المغربي استعر هذه الأيام، فقد عملت الجزائر على قطع جميع العلاقات الاقتصادية والديبلوماسية مع المغرب، بما فيها إغلاق المجال الجوي بين البلدين، في خطوة أقل ما يقال عنها "صبيانية"، فحتى الصين وعدوتها أمريكا لم يقدما على مثل هذه تصرفات، مع أن عداءهما يتجاوز العداء بين الجزائر والمغرب. حاول المغرب أكثر من مرة التقرب من الجزائر، وفي كل خطابات الملك محمد السادس نصره الله، وخاصة الأخير، يوجه الدعوة للجزائريين من أجل الصلح، إلا أن النظام الجزائري يرفض ذلك البتة، وفي آخر لقاء تلفزي له، عبر الرئيس الجزائري عن موقف الجنرالات الواضح "لا مصالحة"، وهذا يعزز ما نقوله، فنظام الكابرانات يحاول أن يجد الذرائع لإبقاء الخصام بين الجارين أبد الآبدين. لن يستطيع النظام الجزائري أن يسير في درب الصلح، وذلك كما قلنا لأن قضية العداء تخدمه، خاصة في قضية إلهاء الشعب، وهذا أعتقد أهم نقطة، فقد لاحظنا كيف استطاع النظام أن ينسي الشعب مطالبه السابقة ورغم أن انقلب على الشارع ولم يحقق ولا مطلب من مطالب الحراك بل عمل على إرجاع أسماء طالها الحراك بالنقد والسخط ومنهم الجنرال نزار صاحب التاريخ الأسود، هذا الأخير كرمته الرئاسة الجزائرية في تحد صارخ للشعب، فهل رد الشارع؟ لا لم يفعل، وذلك أن الإعلام استطاع إلهاءه بالمغرب، ولك أن تتباع الصفحات الجزائرية الرسمية منها وغير الرسمية. هناك أمر آخر، أعتقد أن النظام الجزائري بدأ يبحث عن بديل للبترول والغاز خاصة وأن "أصابع تشيني" مستشار جورج بوش الابن وأحد المستثمرين في مجال البترول، تستنزف آبار الغاز، وسيأتي الوقت الذي لن تجد فيه الجزائر من غاز لتبيعه، فلهذا تحاول المراهنة على السياحة. لا شك أن المغرب دولة رائدة في قطاع السياحة، وهذا ما يؤرق النظام الجزائري، الذي يسعى اليوم لدخول الصراع السياحي في المنطقة، ونرى اليوم بشكل واضح كيف يتم سرقة الموروث المغربي وإلصاقه في التاريخ الجزائري، ويتك الترويج عبر صفحات رسمية للسياحة في الجزائر، ورغم أن البنية التحتية متهالكة إلا أن النظام يراهن على القطاع مستقبلا. لكن الرهان لن يكون واقعيا مع وجود تونسوالجزائر، وكما يعلم الجميع فالوضع التونسي اليوم لا يصر، وتريد الجزائر المحافظة عليه كما هو ولا تريده أن يتحسن وبذلك تبعيد تونس، وتضع كل جهدها في الجبهة الغربية مع جارتها المغرب، تسعى لتشيه سمعة المغرب عبر قضية البوليساريو، وحلمها أن ينتقل السياح مز مراكش إلا وهران ومن مدينة الداخلة المغربية إلى جيجل. بما أن التاريخ لا يكاد ينصف الجزائر بالمآثر وبالمناطق التاريخية، تسعى لصناعته، وسنرى مع مرور الزمن كيف ستظهر اكتشافات ومآثر في الجزائر بقدرة قادر. إن الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها كالآتي: "الجزائر ترى أن المغرب يسرق منها الأضواء، وكلما تقدم المغرب إلا واشتد الخناق عليها، والحل المشاغبة وخلق بلبلة في المنطقة والاستفادة منها بشتى الطرق، وعوض أن نتقدم نحن لماذا لا نوقف تقدم الآخر، فنصبح في التخلف سواء، ويا دار ما دخلك شر".